مقالات وآراء

يوسف عبداللطيف يكتب: خطة عاجلة لتطهير الجهاز الإداري المصري ورفع كفاءته سريعًا

لقد بلغ الفساد في الجهاز الإداري للدولة حداً لا يمكن السكوت عنه .. إن هذا الجهاز الحيوي الذي يُفترض أن يكون القوة المحركة للدولة بات عبئاً يعيق تحقيق النهضة ويشل حركة التنمية.

الفشل في التعامل مع هذه المشكلة يعني أن كل الجهود المبذولة لإصلاح الدولة ستذهب أدراج الرياح. الحل واضح ولا يحتمل التأجيل.

نحتاج إلى إجراءات سريعة وحاسمة لتطهير هذا الجهاز ورفع كفاءته، وهي إجراءات قادرة، إذا ما تم تنفيذها بإرادة حازمة، أن تقلب الموازين في غضون ثلاثة أشهر.

لنبدأ أولاً بعملية تنقية واسعة وشاملة لكل العاملين في الدولة. إن أي جهاز إداري يعج بالفساد والفاسدين لا يمكن أن يقوم بمهامه كما ينبغي.

نحن بحاجة إلى إجراء تحقيقات دقيقة وشاملة وسريعة تتعلق بكل موظف في كافة مؤسسات الدولة، من دون استثناء، وعلى رأسها تلك المؤسسات التي تمتلك سلطة ونفوذاً مباشراً.

علينا الاستفادة القصوى من القدرات المعلوماتية للأجهزة الأمنية، من خلال تعزيز دورها في جمع معلومات شاملة عن كل أشكال الفساد، سواء أكان مالياً أو إدارياً أو حتى أخلاقياً.

يجب أن نعمل على إنشاء وحدات جديدة داخل الأجهزة الأمنية تكون مكرسة لملاحقة الجرائم المنظمة وفضح شبكات الفساد التي تعصف بأركان الدولة.

هذه الوحدات يجب أن تتمتع بصلاحيات كبيرة وأن تعمل في الظل، باستخدام أساليب استخباراتية متقدمة. لن يكون هناك مكان بعد اليوم للرقابة التقليدية التي ثبت فشلها في مواجهة موجات الفساد المتجددة.

الخطوة التالية هي تأسيس كيانات وإدارات جديدة داخل الأجهزة الأمنية تكون مختصة بمكافحة الفساد وشبكات حماية الفساد.

يجب أن تكون هذه الإدارات خاضعة لأساليب العمل السري وتكون مكرسة لملاحقة الجرائم المنظمة وفضح شبكات الفساد التي تعصف بأركان الدولة.

هذه الوحدات يجب أن تتمتع بصلاحيات كبيرة وأن تعمل في الظل، باستخدام أساليب استخباراتية متقدمة، حتى تستطيع التعامل مع الشبكات المتغلغلة بفعالية ودقة.

لن يكون للرقابة التقليدية القدرة على كشف حجم الفساد المتجذر، لذا، لا بد أن تتحول الرقابة الإدارية إلى مؤسسة سرية تعمل بتقاليد العمل الاستخباراتي.

المرحلة التالية تتمثل في إنشاء قوائم سوداء تتضمن أسماء الفاسدين، سواء كانوا من صغار الموظفين أو كبار المسؤولين. هذه القوائم يجب أن تكون مدعومة بتحقيقات وتحريات موثقة، ويتم تحديثها بانتظام.

لا بد من أن تتجاوز هذه القوائم حالات الفساد المالي لتشمل الفساد السلوكي والأخلاقي والإداري، لأنه ليس أقل خطراً على الدولة.

إن الموظفين الذين يستغلون مناصبهم لأغراض شخصية، والذين يتواطؤون مع مافيات الفساد، يجب أن يُكشف أمرهم على الفور ويُبعدوا عن المناصب الحساسة.

أي شخص يثبت تورطه في الفساد يجب أن يُبعد بشكل فوري من مواقع القيادة أو الوظائف التي تسمح له بالتعامل مع الجمهور أو التأثير في الدورة المستندية.

إن هذه الفئة المفسدة تعمل على تعطيل سير العمل وتضر بالمصلحة العامة، ويجب أن تُستأصل بلا تأخير. يجب أن يواجهوا العزل الوظيفي والتهميش الفوري، لأن السماح لهم بالبقاء يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل الدولة.

علاوة على ذلك، يجب إعداد قوائم مماثلة لغير العاملين في الجهاز الإداري، وتشمل رجال الأعمال والمواطنين ذوي النفوذ الذين يساهمون في استمرار الفساد.

هؤلاء الأفراد يجب أن يُحيدوا ويُعزلوا عن أي تفاعل مع دوائر صنع القرار. هذه الإجراءات، رغم صرامتها، هي الضمان الوحيد لبناء مجتمع نظيف وشفاف.

ولا يمكن التغاضي عن أهمية المساءلة المالية. يجب تفعيل التشريعات المتعلقة بالكشف عن مصادر الثروات غير المشروعة، وتطبيق قانون “من أين لك هذا؟” بصرامة. إن أي محاولة للثراء غير المشروع يجب أن تواجه بالعقاب الحازم، ويجب استرداد كل ما تم الحصول عليه بطرق غير قانونية.

أما بالنسبة لتعيين المسؤولين في الجهاز الإداري، فلا بد من إنهاء عهد التعيينات بالواسطة والمحسوبية. يجب أن يتم اختيار القيادات من خلال مسابقات مفتوحة، تضمن التنافس النزيه وتختار الأكفأ والأصلح.

هذا النظام الجديد سيجعل كل مسؤول في منصبه بناءً على كفاءته، وليس على علاقاته الشخصية أو مصالحه الخاصة.

ويجب أيضاً أن تلعب الجامعات والمراكز البحثية دوراً محورياً في تحسين الأداء الإداري للدولة. هذه المؤسسات الأكاديمية والعلمية يجب أن تكون شريكاً استراتيجياً في التخطيط والإدارة،

ولا ينبغي أن تقتصر علاقتها بالجهاز الإداري على تقديم المشورة عند الطلب. هذه المؤسسات تمتلك من الخبرة والمعرفة ما يمكن أن يسهم في تطوير أداء الدولة بشكل ملحوظ.

ومن أجل تحقيق ذلك، لا بد من إنشاء قوائم بيضاء تتضمن الأكاديميين والمهنيين المتميزين الذين يمكن تصعيدهم إلى مواقع المسؤولية.

هؤلاء الأشخاص يجب أن يكونوا مرشحين للمناصب بناءً على كفاءتهم ونزاهتهم، مع إبقاء آلية التعيين تنافسية ومفتوحة للجميع.

ويجب استحداث نظام إعلان داخلي للوظائف الشاغرة. هذا النظام سيحد من ظاهرة الندب أو التكليف بالأمر المباشر التي تعزز الواسطة والمحسوبية.

يجب أن يُتاح للجميع فرصة المنافسة على الوظائف القيادية، ويجب أن تُشغل هذه الوظائف بناءً على الكفاءة فقط.

إذا ما تم تنفيذ هذه الخطوات بجدية وحزم، فإن الجهاز الإداري للدولة سيشهد تحولاً جذرياً في غضون ثلاثة أشهر. هذه الإجراءات ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة سياسية قوية وشجاعة في مواجهة الفساد.

مصر بحاجة إلى جهاز إداري نظيف، قادر على النهوض بالدولة وتحقيق تطلعات مواطنيها. الوقت قد حان للتغيير، ولا مجال للتأجيل.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى