مقالات وآراء

إسلام الغمري يكتب: اليمن.. بين التحديات الداخلية والدور الإقليمي المتنامي


رغم التحديات العميقة التي يواجهها اليمن، فإن دوره في المنطقة يشهد تحولات لافتة تجعله لاعبًا إقليميًا مؤثرًا يتجاوز حدوده الجغرافية. فموقعه الاستراتيجي على باب المندب، إلى جانب قدراته غير التقليدية، يضعه في قلب التفاعلات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. ومع تصاعد الصراع الحالي، برزت اليمن كقوة فاعلة قادرة على التأثير في موازين القوى، مما يدعو إلى استشراف مستقبله الإقليمي وتحليل تداعيات تحركاته على المشهد الدولي.

اليمن والموقع الاستراتيجي: أداة تأثير عالمي

يتمتع اليمن بموقع جغرافي استثنائي يطل على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، ما يمنحه نفوذًا استراتيجيًا كبيرًا على حركة التجارة الدولية. وقد أظهرت التطورات الأخيرة أن هذا الموقع يمكن أن يكون ورقة ضغط فعالة، خصوصًا فيما يتعلق بالحرب في غزة. فقد أثرت العمليات البحرية اليمنية على حركة السفن المرتبطة بإسرائيل، ما دفع العديد من الشركات الكبرى إلى إعادة النظر في مساراتها التجارية، وأثار تحديات أمام القوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، التي اضطرت للتعامل مع تعقيدات لوجستية وعسكرية غير متوقعة.

الاستقلالية السياسية والتماسك الداخلي

على الرغم من ارتباط اليمن بمحور المقاومة، فإنه أظهر استقلالية في قراراته الاستراتيجية، مما يميزه عن بعض الحلفاء الآخرين مثل العراق ولبنان، اللذين يواجهان انقسامات داخلية وتدخلات خارجية متزايدة. وقد ساهم هذا الاستقلال في الحفاظ على حد أدنى من التماسك الداخلي، ما مكنه من توجيه موارده نحو تحقيق أهدافه الخارجية. ومع ذلك، فإن طبيعة التحالفات اليمنية تظل عاملًا مهمًا في تحديد مسار سياسته المستقبلية، خاصة في ظل التغيرات المستمرة في المشهد الإقليمي.

الحرب البحرية والتحديات الدولية

العمليات البحرية اليمنية لا تقتصر على كونها مواجهة عسكرية، بل تمثل اختبارًا لقدرة القوى الكبرى على التعامل مع استراتيجيات غير تقليدية. فالهجمات التي طالت الملاحة في البحر الأحمر أظهرت صعوبات الولايات المتحدة في احتواء التهديدات، وأثارت تساؤلات حول حدود هيمنتها في المنطقة. كما أن تأثير هذه التحركات لم يقتصر على الجبهة العسكرية، بل امتد إلى الاقتصاد الإسرائيلي، الذي بات يواجه تهديدات على عدة أصعدة.

التداعيات الإقليمية والتحولات المستقبلية

مع تصاعد العمليات اليمنية، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن لليمن الاستمرار في هذا المسار دون أن يواجه ردود فعل إقليمية حادة؟ دول الخليج، التي تعتمد بشكل كبير على استقرار الممرات البحرية، قد ترى في التصعيد اليمني تهديدًا مباشرًا لمصالحها الاقتصادية والأمنية، ما قد يدفعها إلى تبني سياسات أكثر صرامة تجاهه. في الوقت ذاته، يمكن أن يؤدي تطور القدرات العسكرية اليمنية، لا سيما في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ، إلى تغييرات استراتيجية في التوازنات الإقليمية، سواء من حيث طبيعة التحالفات أو مستويات التصعيد العسكري.

يمتلك اليمن مقومات تتيح له أن يكون قوة إقليمية مؤثرة، ليس فقط عبر قدراته العسكرية، ولكن أيضًا من خلال دوره السياسي والاقتصادي إذا تمكن من تحقيق استقرار داخلي مستدام. لكن هذا الطموح يواجه تحديات كبيرة، أبرزها استمرار الصراع الداخلي، والانقسامات السياسية، والضغوط الدولية. ولعل مفتاح النجاح يكمن في قدرة اليمنيين على توحيد صفوفهم وبناء رؤية وطنية شاملة تضمن لبلدهم دورًا يليق بتاريخه وحضارته.

ختامًا

اليمن يقف اليوم على مفترق طرق؛ فإما أن يواصل مسيرته نحو تثبيت مكانته كقوة فاعلة في الإقليم، أو أن تؤدي تعقيدات المشهد إلى استنزاف قدراته وإعادته إلى دائرة الصراع الداخلي. لكن مهما كانت التحديات، فإن الشعب اليمني، بتاريخ نضاله الطويل، يملك القدرة على تجاوز الأزمات وصياغة مستقبله وفق رؤية تحقق له الوحدة والاستقرار، ليعود اليمن لكل أبنائه، مستعيدًا دوره الحضاري الذي طالما تميز به عبر العصور.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى