مقالات ورأى

يوسف عبداللطيف يكتب: فساد المنافقين يمزق المجتمع تحت ستار الإصلاح

قال الله تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ (11) أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ (12)” (البقرة).

كم من الحزن يملأ القلوب حين نرى تلك الآية الكريمة تتحقق أمام أعيننا في واقعنا اليوم بشكل مثير للدهشة والحزن، حيث يُمارَس الفساد على أوسع نطاق، وتُخنق النصيحة ويُحارَب المصلحون.

في كل زمان، وفي كل مجتمع، نجد المنافقين يتفننون في تزيين فسادهم، يقدمون لنا وعودًا كاذبة بالإصلاح، بينما الحقيقة تخفي مرارة إفسادهم لكل شيء جميل في حياتنا.

إن فساد المنافقين هو أشد أنواع الفساد خطورة؛ لأنهم يسعون لتغطية فسادهم بادعاء أنهم يسعون للإصلاح .. هؤلاء المنافقون لا يقبلون النصيحة ولا التذكير، بل يصرون على السير في طريق الفساد، معتقدين أن تمويههم سيظل يخفي حقيقتهم عن الناس.

هؤلاء المنافقون الذين يتلونون في كل موقف، ويتجنبون كل مواجهة، هم أسوأ ما يمكن أن يواجهه مجتمع .. إنهم يغلقون الأبواب أمام أي محاولة للإصلاح الحقيقي، ويصرون على المضي قدمًا في فسادهم دون أي اكتراث بما يتركون خلفهم من خراب.

حينما يحاول المصلحون توجيه النصح لهم، يواجهونهم بالصمت المطبق أو بتبريرات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع .. والحسرة الكبرى أن هؤلاء، رغم كل ما يرتكبونه، يدَّعون أنهم يخدمون الوطن ويصلحون المجتمع، بينما في الحقيقة، هم يغرقوننا في مزيد من الفساد والفوضى.

المشكلة الكبرى في هؤلاء هي أن فسادهم لا يتوقف عند حد معين، بل يمتد ليشمل كل جوانب الحياة، من السياسة إلى الاقتصاد وحتى الثقافة والتعليم.

وكلما تصاعد النقد وكُشِفَ الفساد، كان ردهم المعتاد هو نفي التهم وتبرير أفعالهم بأنها محاولات للإصلاح .. ولكن الواقع هو أن إفسادهم واضح للعيان، وكل ما يفعلونه هو محاولة خداع الناس بمظاهر زائفة من الصلاح، فيما تُرتكب الجرائم في الخفاء.

ولننظر إلى بعض الأمثلة التي تبرز هذا الفساد المغطى برداء الإصلاح .. قرارات تصدر في الخفاء، دون أن تُعلن للجمهور خوفًا من الفضيحة، تتضمن مخالفات قانونية واضحة، وتورطًا في إهدار المال العام.

نشعر بالحزن الشديد حين نرى تلك القرارات التي تُتخذ خلف الأبواب المغلقة، دون أن يطّلع عليها العامة، هذه القرارات التي يُروَّج لها بأنها “إصلاحية”، ما هي إلا خطوات أخرى لتعزيز سلطة الفاسدين.

هؤلاء الذين يُفترض أنهم يخدمون المصلحة العامة، لا يسعون سوى لتحقيق مصالحهم الشخصية، وعلى حساب الشعب الذي يدفع ثمن فسادهم، وكأن الحقيقة يجب أن تبقى دائمًا طي الكتمان، حتى لا يفتضح أمر الفاسدين.

لا يُعلنون عن تلك القرارات لأنهم يعلمون جيدًا أن كشفها سيُظهر كمَّ الفساد المستشري. إنهم يستغلون مناصبهم لتأمين مصالحهم الخاصة، في حين يبقى الشعب متفرجًا على هذا المسرح الحزين.

وهنا يتجلى رفضهم القاطع للنصيحة والتوجيه .. فإن ألمنا يتضاعف حين نرى هؤلاء يرفضون النصيحة بكل عناد وكبرياء.

أهل العلم والمصلحون يحاولون جاهدين أن يرشدوا هؤلاء الفاسدين إلى الطريق الصحيح، ولكنهم يُقابلون بالتجاهل والازدراء.

هؤلاء لا يرون في النصيحة سوى تهديد لمصالحهم، بل يتعاملون مع الناصحين كأعداء يجب إسكاتهم. إن هذا الموقف المتعنت لا يُنتج إلا مزيدًا من التدهور والانهيار في كل المجالات.

وكم يشعر الإنسان بالحسرة عندما يرى أن من بيدهم زمام الأمور يتحدثون عن الإصلاح، بينما هم في الواقع من يغرسون بذور الفساد في كل مكان.

إنهم يسعون لإسكات كل صوت يعترض على مسارهم، يروجون لأكاذيبهم ويطعنون في كل من يحاول إظهار الحق. الفساد عندهم أصبح لغةً يتحدثون بها، وشعارًا يخدعون به الناس.

لكن الفساد لا يقتصر على إهدار المال العام أو التلاعب بالقرارات، بل يمتد إلى تدمير المواهب والكفاءات، هؤلاء الذين يجب أن يكونوا قادة المستقبل، يُهمَّشون ويُقصَون لأنهم يمثلون تهديدًا للمفسدين، وفي المقابل، يُرفع من لا يستحقون، فقط لأنهم يتماهون مع الفساد ويتجاهلون قيم الحق والعدل.

إن هذا الإصرار على رفض النصيحة واعتناق الفساد كنهج حياة يترك أثرًا مؤلمًا في نفوسنا جميعًا .. كيف يمكن لمجتمع أن يتقدم وهو يحارب مصلحيه ويُكرم فاسديه؟ كيف يُنتظر منا أن نثق في مستقبلٍ تُدمر فيه كل قيم النزاهة والصدق تحت مسمى الإصلاح؟

نشعر بالأسى حين نرى كيف يستمر هذا الفساد المتجذر، وكيف يغلق كل باب للتغيير الحقيقي .. هؤلاء المنافقون لا يسعون إلى الإصلاح، بل إلى حماية مصالحهم الخاصة بأي ثمن.

وفي سبيل ذلك، هم على استعداد لتدمير كل شيء جميل، لإسكات كل صوت ناصح، ولإخفاء كل حقائق تُعرِّي فسادهم.

إن القارئ لا يحتاج إلى أمثلة مفصلة ليعلم من نعني بهذا المقال، يكفي أن نلقي نظرة سريعة على الساحة العامة لنرى بأعيننا كيف أن المنافقين يدعون الإصلاح، فيما تتزايد مظاهر الفساد حولنا يومًا بعد يوم .

ورغم أن بعض من يتصدرون المشهد الثقافي والأحزاب السياسية يرفعون شعارات الإصلاح والتنمية، إلا أن الواقع يشهد على ممارساتهم التي تكرس المحسوبية والمصالح الشخصية.

إن تلك الأيادي التي تدعي رعاية الثقافة، باتت سببًا في إفسادها، عبر قرارات غير مسؤولة وتجاهل متعمد للكفاءات الحقيقية التي تستحق الدعم، ويتخفى هؤلاء خلف شعارات برّاقة، لكن الحقيقة مفضوحة وواضحة لمن أراد أن يرى.

إن النتيجة المرة لكل هذا الإفساد أن المجتمع بأسره يدفع الثمن .. ينكمش أهل الحق، ويُحاصَر المصلحون، وتضيع الكفاءات في زحمة الفساد وفي نهاية المطاف، نجد أنفسنا أمام مجتمع يفتقد للثقة، تسوده الفوضى ويغرق في التدهور.

لكن يبقى الأمل في أن يكون لنا وعي، وأن ندرك أن هؤلاء الفاسدين مهما حاولوا إخفاء حقيقتهم، فإن فسادهم لن يبقى مستورًا إلى الأبد.

فعلينا أن نكون واعين لهذا الفساد المقنع، ونسعى جميعًا لتفادي الوقوع في فخ تصديق دعاوى الإصلاح الزائفة.

فالإصلاح الحقيقي لا يكون بالكلمات الرنانة، بل بالأفعال الصادقة والنزيهة التي تخدم مصلحة الجميع. ولا بد أن يكون لنا دور في فضح هؤلاء المنافقين وكشف فسادهم أمام العامة.

المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى