تضم 6 دول عربية.. هل حان الوقت لتعديل اتفاقية أكادير التجارية؟

بعد أكثر من عقدين على توقيع اتفاقية أكادير التجارية، ما زالت المبادلات التجارية بين أعضائها: المغرب ومصر وتونس والأردن وفلسطين ولبنان، تواجه صعوبات ملحوظة. تعكس الأرقام عدم الرضا عن النتائج، مما يطرح تساؤلات حول ضرورة تحديث الاتفاقية لمواكبة التحديات الجديدة.
منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 2007، تم تسجيل العديد من المشاكل التجارية، كان أبرزها فرض بعض الدول رسوماً إضافية للحد من إغراق أسواقها. وقد شهدت الأوضاع توترًا متزايدًا بين الدول الأعضاء، كما حدث بين المغرب وتونس، حيث فرضت الأخيرة رسوماً على واردات الكتب المدرسية التونسية.
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد نظيف أن الوقت قد حان لتحديث الاتفاقية. ويشير إلى أن السوق العالمية تتغير بسرعة، وأن العلاقات الاقتصادية لا يمكن أن تتسم بالجمود بل يجب أن تتطور لتعكس المستجدات والتحديات المرتبطة بالتجارة الدولية.
.
التحديات التجارية بين دول اتفاقية أكادير: المغرب وسياسته الاقتصادية بحاجة للمراجعة
أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب تقريرًا يسلط الضوء على العجز التجاري المتزايد مع دول اتفاقية أكادير، مما يستدعي مراجعة استراتيجيات التبادل الحر وتحسين الإنتاج الوطني.
في عام 2004، تم توقيع اتفاقية أكادير بين المغرب ومصر وتونس والأردن بهدف إنشاء منطقة للتبادل التجاري الحر وزيادة التعاون التجاري. ومع انضمام فلسطين ولبنان في عام 2020، أصبحت هذه الاتفاقية تسعى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول المشاركة. ومع ذلك، يكشف التقرير الأخير عن تحديات كبيرة في تحقيق الأهداف المرجوة من تلك الاتفاقية.
وفقًا لمكتب الصرف المغربي، شهدت واردات المملكة من مصر زيادة ملحوظة، حيث ارتفعت من 475 مليون درهم (47.5 مليون دولار) في 2023 إلى 804 ملايين درهم (80.4 مليون دولار) في الشهور الـ11 الأولى من 2024. في الوقت ذاته، تراجعت صادرات المغرب إلى مصر، مما يشير إلى توجّه غير صحي في العلاقات التجارية.
وأبرز التقرير أيضًا انخفاضًا في حجم التبادل التجاري مع الأردن، حيث انخفض من 32 مليون دولار في 2017 إلى 20 مليون دولار في 2024. وفيما يتعلق بالعلاقات التجارية بين الأردن وتونس، يُظهر التقرير تناقصًا في حجم المبادلات التجارية، حيث انخفضت من 41 مليون دولار في 2022 إلى 35 مليون دولار في 2023.
يأتي هذا التراجع في سياق دراسة أظهرت أن الاتفاقية لم تؤت ثمارها المرجوة بالنسبة لمصر، على الرغم من إزالة القيود الجمركية. وأشار التقرير إلى أن القيمة الإجمالية للتجارة الخارجية المصرية مع دول الاتفاقية بلغت حوالي 1.7 مليار دولار بين 2007 و2019، وهو ما يمثل فقط 1.92% من إجمالي التجارة الخارجية المصرية.
وقال مصدر مسؤول في المجلس الاقتصادي والاجتماعي: “نتطلع إلى مراجعة شاملة لسياسات الانفتاح الاقتصادي والتركيز على تحسين القدرة التنافسية للإنتاج الوطني لتلبية الطلب المحلي”.
المغرب يفرض رسوم إضافية على المنتجات الأجنبية لحماية السوق المحلية
في خطوة تهدف إلى حماية الصناعة المحلية، اتخذت الحكومة المغربية قرارًا بفرض رسوم إضافية على بعض المنتجات الأجنبية، بما في ذلك الرسوم المفروضة على الدفاتر المدرسية المستوردة من تونس، مما أدى إلى توتر العلاقات التجارية بين البلدين.
تعود جذور الأزمة إلى مايو 2018، عندما قام المغرب بفرض رسوم لمكافحة الإغراق على واردات الدفاتر التونسية لمدة أربعة أشهر، وهو ما اعتبرته تونس إجراءً تعسفيًا دفعها إلى اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية. منذ ذلك الحين، استمرت الحكومة المغربية في تمديد هذه الرسوم، والتي قد تصل نسبتها إلى 51٪، معتبرة أنها ملتزمة بقوانين منظمة التجارة العالمية لمواجهة ما تصفه بعمليات الإغراق.
اليوم، تتداخل مجالات التنافس بين المغرب وتونس في عدة قطاعات اقتصادية، بما في ذلك إنتاج الفوسفات، حيث يمتلك كلا البلدين احتياطات مهمة من هذه المادة. في ظل هذا التنافس، يسعى كل من المغرب وتونس لجذب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الأجنبية، مع وجود تأثيرات قوية من العلاقات التجارية مع فرنسا والاتحاد الأوروبي.
للأسف، لم تعقد العديد من الدول الأعضاء في اتفاقية أكادير اجتماعات للجانه العليا المشتركة لفترة طويلة، مما يؤثر سلبًا على التعاون الاقتصادي، ويعوق البحث عن حلول للتحديات التجارية. ومن المثير للقلق أن لجنة التعاون المغربية التونسية لم تعقد اجتماعًا منذ يوليو 2017.
في سياق آخر، ومع ظهور مشاكل تجارية بين المغرب ومصر، تم الاتفاق مؤخرًا بين البلدين على وضع آليات جديدة لتجاوز هذه التحديات، من خلال إنشاء خط اتصال مباشر لتسهيل إزالة العوائق وتحقيق الأهداف المشتركة.
دعوة لتحديث اتفاقية أكادير لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية
أكد الاقتصادي المغربي محمد نظيف، في تصريحات للأناضول، أن التحديات والصعوبات التي تواجه الدول الموقعة على اتفاقية أكادير تتطلب إعادة النظر في بنود الاتفاقية لضمان تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء.
وأشار نظيف إلى أن الفترة الحالية تشهد تجاذبات تجارية دولية متزايدة، لاسيما نتيجة الصراع التجاري بين الولايات المتحدة ودول مثل الصين وكندا، والذي تفاقم منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم في عام 2025.
وذهب إلى القول: “إن الأوضاع الاقتصادية العالمية تتطلب من الدول التي تربطها اتفاقيات اقتصادية الجلوس على طاولة المفاوضات لمناقشة الصعوبات الطارئة التي قد تعيق تطور التعاون الاقتصادي”.
ودعا نظيف إلى تحديث اتفاقية أكادير، التي تم توقيعها في عام 2004، مشددًا على أن المستجدات والمتغيرات في السياق التجاري الدولي تستدعي إعادة تقييم الاتفاقية لتعزيز العلاقات التجارية. وأوضح: “بعد مرور وقت طويل على بدء تنفيذ الاتفاقية، وبروز نقاط قوة وضعف، بات من الضروري تحيينها”.
كما أكد أهمية تعزيز التبادلات التجارية بين الدول الأعضاء، قائلاً: “العلاقات الاقتصادية لا تتسم بالجمود، بل تتطور باستمرار وبروز مستجدات جديدة، ويجب أن تظهر التعديلات المناسبة لمواكبة هذه المستجدات”.
واختتم نظيف تصريحاته بالتأكيد على ضرورة تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية بين دول اتفاقية أكادير لمواجهة التحديات التي تفرضها الظروف الاقتصادية العالمية.