تقاريرثقافة وفنون

القنوات المصرية في رمضان: إسفاف يهدد القيم وينشر الفوضى الأخلاقية

أصبحت القنوات المصرية، وخاصة خلال شهر رمضان، ساحةً لعرض دراما مثيرة للجدل تُشوّه القيم المجتمعية وتؤثر سلبًا على سلوكيات الشباب.

مع استهداف المسلسلات لربح سريع، يتم تجاهل الأبعاد الأخلاقية والثقافية، مما يطرح تساؤلات حول تأثير هذه الأعمال على المجتمع ومستقبله.

دراما رمضان .. سلبيات تُعرض على الملايين

أوضح أستاذ النقد بإحدي الجامعات الدكتور أحمد عبد الرؤوف أن مسلسلات رمضان أصبحت مجالاً لنشر القيم السلبية بين المشاهدين، خاصة بين فئة الشباب. أشار إلى أن معظم الأعمال الدرامية تصور المجتمع المصري بطريقة مبالغ فيها، إذ يتم التركيز على الشخصيات الفاسدة والمجرمين.

وأضاف أن هذه الصورة المشوهة تساهم في خلق انطباع سيء عن مصر في الداخل والخارج، ما يؤدي إلى تقويض صورة البلد أمام الأجانب والمستثمرين. كما يرى أن المحاكاة السلبية لمثل هذه الأعمال تؤدي إلى تعزيز سلوكيات ضارة في المجتمع.

وأكد محمود العوضي، أستاذ علم الاجتماع، أن التلفزيون أصبح منصة سهلة لإيصال الرسائل الضارة، حيث لا يحتاج المواطن إلى جهد للوصول إلى هذه الأعمال، على عكس السينما أو المسرح.

ويضيف أن المشاهد البسيط يتلقى هذه الرسائل دون وعي كافٍ، ما يؤدي إلى تعزيز انتشار القيم السلبية، خاصة مع وجود نسبة كبيرة من وقت الفراغ لدى الشباب الذين يتأثرون بشكل أكبر بهذه الأعمال.

غرس قيم سلبية .. وتعزيز النماذج السيئة

أشار الناشط الحقوقي محمد الدسوقي إلى أن المسلسلات الرمضانية غدت منصة لتقديم نماذج سلبية تتعارض مع القيم المجتمعية.

وأوضح أن هذه الأعمال تركز على تصوير الشخصيات الفاسدة والمنحرفة أخلاقياً بشكل يجعل المشاهد يظن أن هذه هي النماذج السائدة في المجتمع المصري.

ويرى الدسوقي أن هذه الصورة تساهم في خلق حالة من الغربة الاجتماعية والابتعاد عن القيم الإيجابية التي كانت سائدة في السابق.

من جانبه، أكد الناشط الاجتماعي إبراهيم مصطفى أن المسلسلات الرمضانية تُقدم للعائلة المصرية نماذج سلبية بشكل مقلق، مشيراً إلى أن الدراما أصبحت ترسخ قيم مثل النذالة والخيانة بدلاً من الكرم والنخوة.

وأشار إلى أن هذه الأعمال تعزز شعور العداء بين الأجيال المختلفة، خاصة بين الشباب وكبار السن، حيث يتم تصوير الكبير على أنه عائق أمام طموحات الشباب، مما يعزز الفجوة الجيلية.

تأثير الإعلانات .. استهلاك بلا حدود

أوضح الخبير الاقتصادي أشرف سعيد أن الإعلانات التي تبث بين فقرات المسلسلات الرمضانية تساهم في تعزيز قيم الاستهلاك غير المبرر.

وأضاف أن هذه الإعلانات، وخاصة تلك التي تروج للمنتجات الغذائية غير الصحية، تؤثر سلباً على سلوكيات المستهلكين، حيث يتم استهداف الأطفال والشباب بشكل خاص.

وأكد أن هذه الإعلانات تزيد من الرغبة في اقتناء المنتجات التي قد تضر بالصحة العامة، وتزيد من الاستهلاك العشوائي دون وعي.

وأشار الدكتور مصطفى علي، أستاذ التسويق، إلى أن المشاهد المصري يتعرض يومياً لكم هائل من الإعلانات التي تؤثر على سلوكياته الاستهلاكية.

وأوضح أن الهدف الأساسي من هذه الإعلانات هو تحقيق أرباح سريعة للشركات المعلنة، دون مراعاة تأثيراتها الاجتماعية والنفسية.

ويرى علي أن هذه الإعلانات تساهم في تشويه القيم المجتمعية وزيادة الهوس بالمظاهر والمقتنيات غير الضرورية.

تهميش القضايا الحقيقية .. هروب من الواقع

أكد المحلل السياسي عمرو حجازي أن الأعمال الدرامية الرمضانية تبتعد بشكل متعمد عن القضايا الحقيقية التي تهم المجتمع، مثل البطالة، والغلاء، والأزمات الاجتماعية.

ويرى أن هذا التوجه يخدم أهدافاً سياسية، حيث يتم إلهاء الجمهور بقضايا سطحية وشخصيات مثيرة للجدل بعيداً عن المشاكل التي يعاني منها المواطنون في حياتهم اليومية. وأوضح أن هذا النهج يؤدي إلى تقليص الوعي المجتمعي وزيادة حالة اللامبالاة بين المواطنين.

وأشار أستاذ الإعلام الرقمي في إحدي الجامعات الدكتور محمد فتحي إلى أن هذه الأعمال تتجاهل تماماً الأزمات التي تواجه المجتمع، مثل الفقر والأزمة السكانية وتلوث البيئة.

وأضاف أن تناول هذه القضايا في الدراما قد يؤدي إلى توعية الجمهور وحثهم على المطالبة بحلول، إلا أن المنتجين يفضلون الابتعاد عن هذه المواضيع تجنباً للإحراج أو الصدام مع السلطة.

تأثير الدراما على الشباب .. محاكاة وتشويه

أوضح الخبير التربوي يوسف رمضان أن تأثير الدراما الرمضانية على الشباب أصبح واضحاً ومقلقاً. وأشار إلى أن المسلسلات الحالية تروج لسلوكيات عنيفة وغير لائقة، مثل حمل الأسلحة البيضاء والتعدي اللفظي والجسدي على الآخرين.

وأكد أن هذه السلوكيات تُترجم في الشارع بشكل مباشر، حيث يقوم الشباب بتقليد الشخصيات السلبية التي يرونها في التلفزيون.

من جانبه، أشار الباحث في علم النفس هشام صلاح إلى أن التلفزيون يلعب دوراً كبيراً في تشكيل سلوكيات الشباب، خاصة في فترة المراهقة.

وأوضح أن الأعمال الدرامية التي تركز على العنف والجريمة تؤدي إلى تطبيع هذه السلوكيات في أذهان الشباب، مما يزيد من احتمال ارتكابهم لهذه الأفعال في الحياة الواقعية.

ودعا صلاح إلى ضرورة مراقبة محتوى المسلسلات وتوجيهه نحو تعزيز القيم الإيجابية بدلاً من نشر الفوضى والعدوانية.

التعليم والثقافة .. حلول ممكنة

أوضح الدكتور خالد منصور، أستاذ التربية، أن الحلول الممكنة لمواجهة التأثير السلبي للدراما تكمن في تعزيز دور التعليم والثقافة في تنشئة الجيل الجديد.

وأشار إلى أن المؤسسات التعليمية يجب أن تعمل على تعزيز القيم الإيجابية من خلال المناهج الدراسية، وتشجيع الطلاب على التفكير النقدي والتفاعل مع القضايا المجتمعية بشكل بناء. وأضاف أن التعليم هو السبيل الوحيد لمواجهة تأثير التلفزيون والإعلانات الضارة.

وأكدت الناشطة الحقوقية منى زيدان أن الثقافة والتعليم هما خط الدفاع الأول ضد تأثيرات الدراما السلبية. وأضافت أن دور الأسرة والمدرسة لا يقل أهمية عن دور الدولة في هذا السياق،

حيث يجب تعزيز الوعي بين الأطفال والشباب بالقيم النبيلة التي تساهم في بناء مجتمع متماسك ومتوازن. ودعت إلى ضرورة تفعيل دور المكتبات العامة والمراكز الثقافية في تعزيز ثقافة القراءة والنقد البناء.

الرقابة .. بين حماية القيم والمصالح السياسية

أكد الناشط الحقوقي علاء مجدي أن الرقابة على الأعمال الدرامية أصبحت تركز بشكل أساسي على حماية النظام السياسي أكثر من حماية القيم الاجتماعية.

وأوضح أن الرقابة غالباً ما تتدخل فقط عندما تتناول الأعمال قضايا سياسية حساسة، لكنها تتغاضى عن محتوى الأعمال التي تنشر الفساد والانحلال الأخلاقي. ويرى مجدي أن الرقابة بحاجة إلى إعادة تقييم دورها لتكون أداة لحماية المجتمع وليس لتقييد الحريات.

وأشار المحامي أحمد رشدي إلى أن هناك حاجة ماسة لتعديل القوانين المتعلقة بالرقابة على المصنفات الفنية.

وأضاف أن الحرية في الفن يجب أن تكون مشروطة بعدم الإضرار بالقيم الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع. وأكد أن الرقابة يجب أن تتعامل بحزم مع الأعمال التي تروج للعنف والانحراف، دون المساس بحرية التعبير المسؤولة.

في ظل تزايد تأثير الدراما السلبية على المجتمع، تتزايد الحاجة إلى إعادة النظر في محتوى الأعمال التلفزيونية وتوجيهها نحو قيم بناءة.

من الضروري تعزيز دور التعليم والثقافة في مواجهة هذا التحدي، لضمان جيل جديد واعٍ بالقيم الأخلاقية، وقادر على بناء مستقبل مشرق لمصر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى