مقالات ورأى

د. أيمن نور يكتب: هل نملك شجاعة لم الشمل في رمضان؟!

في النصف الثاني من رمضان، حيث تتسامى الأرواح في ضياء الرحمة والمغفرة، وحيث تترقب القلوب بشائر الأعياد، يبقى الأمل معلقًا بمبادرات تعيد للناس الإيمان بأن هذا الوطن قادرٌ على تجاوز محنه، وأن مصر ليست رهينة صراعات استُنزفت مبرراتها، ولا أسرى خطابٍ يقتات على الفرقة والتشظي.

تابعتُ تصريحات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الأخيرة حول وحدة الشعب المصري، ووجدتني أتساءل: أي وحدة تلك التي تنشدها بعض الأصوات وهي ذاتها التي تمزّق النسيج الوطني، متناسية أن وحدة الأوطان لا تُفرض بقوانين، ولا تُرسم بقرارات، بل تُبنى على أسس العدالة والتعددية وقبول الآخر؟

هناك من لا يزال يعزف نشازًا على أوتار الماضي، وكأنهم يرون في استمرار الانقسام وطناً مستقراً، بينما هم في الحقيقة يصنعون وطناً هشًا لا يقوى على مواجهة الأزمات. إنهم أولئك الذين يخشون المصالحة لأنهم يقتاتون على الصراع، ويرون في التهدئة خصمًا من رصيد نفوذهم.

أي قراءة سياسية ناضجة تدرك أن تجاوز الأزمات لن يكون إلا بالحوار، وأن المكابرة على جراح الوطن لا تصنع إلا مزيدًا من النزيف. لكن، هناك من لا يزال يراهن على لعبة “إبقاء الحال على ما هو عليه”، متناسيًا أن الثبات في مشهد متغير هو سقوطٌ تدريجي نحو الهاوية.

إننا أمام استحقاق تاريخي، فإما أن نستجيب لنداء العقل، أو نغرق في دوامة المكابرة والإنكار. وأقولها بوضوح: المصالحة ليست رفاهية سياسية، ولا مجرد شعارٍ يُرفع، بل هي ضرورة وطنية تفرضها مقتضيات اللحظة الراهنة.

رسالتي ليست فقط إلى الزملاء من الإعلاميين والصحفيين (هنا وهناك)، بل إلى كل من يتحدثون بمنطق أحادي، ويرفضون التفكير خارج دائرة العداء والصراع. آن الأوان لندرك أن الأوطان لا تُدار بعقلية “المنتصر والمهزوم”، ولا تُبنى بمفردات الإقصاء والاجتثاث.

إلى كل من يبحث عن بطولات زائفة، وشعارات جوفاء تمنحه لحظة تصفيق على مسرحٍ تتداعى جدرانه، أقول: “من يكرر ذات الأخطاء ويتوقع نتائج مختلفة، هو إما مغيبٌ فقد بوصلة الوعي، أو مدمنٌ على شهوة الفشل.”

أما أولئك الذين لا يزالون عاجزين عن التفرقة بين الإرهاب والمعارضة، وبين الرأي الحر والمؤامرة، ويريدون للمعارضين أن “يتوبوا” عن أفكارهم كما لو كانوا مجرمين، فأقول لهم: المعارض الحق ليس من يرفع الرايات البيضاء استسلامًا، بل من يسعى إلى وطنٍ يتسع للجميع دون تمييز أو قمع.

في النهاية، أؤكد للجميع، هنا وهناك، أن منهجنا سيظل قائماً على احترام اختلافاتنا، وتوسيع مساحات الحوار، وتقريب وجهات النظر. فالوطن ليس ملكيةً خاصة لفئة، ولا يختزل في شخص أو حزب، بل هو وعاءٌ يجمع أبناءه، بمختلف أفكارهم وتوجهاتهم.

كنا وسنظل نؤمن بأن بلدًا بلا معارضة حقيقية لن يعرف طريقًا إلا نحو ديمقراطية مغشوشة، وحريات مدارة، ونظامٍ لا يرى في التعددية إلا تهديدًا. لذلك نقولها بيقين: لم ولن نعارض يومًا ما ينبغي أن نؤيده… ولم ولن نؤيد يومًا ما ينبغي أن نعارضه.

وأعود لأقول للمتسرعين في الأحكام: دعوا الأيام تثبت صواب أو خطأ قراراتكم، فالحكمة ليست في الصراخ، بل في قراءة المستقبل بعيونٍ واعية وعقلٍ متبصر. وأيًّا كانت الأسباب والنتائج، فإن عودة شاب واحد إلى حضن وطنه وأسرته، وتهدئة الأوضاع المحتقنة، تظل خيرًا من استمرار الكراهية والانقسام. وربما يكون في كل خطوة نحو المصالحة بذرة أمل، وفي كل خطوة نحو التهدئة شعاع حياة.

إننا في شهر التسامح، وشهر الرحمة، فهل نمتلك الشجاعة لنفتح نوافذ الحوار، ونمنح الوطن فرصة للتماسك بدلًا من التشرذم؟ أم أننا سنظل أسرى الماضي، نكرر أخطاءه ونتوقع معجزات لا تأتي؟ من أجل مصر، ومن أجل مستقبل أبنائها، لا ينبغي أن نقتل الأمل في القلوب لنثبت صحة ظنوننا، فليس هذا ما تستحقه مصر وشعبها.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى