
على مدار أكثر من عقدٍ من الزمان، كان إفطار المطرية في مصر واحدًا من أبرز التقاليد الشعبية التي تجسد روح التكافل الاجتماعي الحقيقية، حيث يلتقي الأهالي من مختلف الطبقات والمستويات بقلوبٍ صافية وعلى مائدة واحدة، في مشهد استثنائي يعكس روح المحبة والترابط بلا قيود أو حسابات.
لكن شيئًا ما تغيّر في السنوات الأخيرة!
ظاهرة جديدة بدأت تتغلغل في هذا التجمع العفوي، تحوّلت في العام الحالي إلى ما يشبه الاستعراض السياسي بامتياز!
المسؤولون، السياسيون، رجال الأعمال، نواب البرلمان، بل وحتى رجال المال ذوو النفوذ، والعرجانيون اقتحموا المشهد، ليُفرغوا الإفطار من روحه الشعبية الأصيلة، ويحيلوه إلى منصة للظهور الإعلامي والتلميع السياسي!
في بداياته، كان الإفطار تلقائيًا خالصًا، خرج من رحم البسطاء، بدون كاميرات أو خطب رنانة، حيث يشارك الجميع في إعداده وتنظيمه بحبٍ وإخلاص، دون أي تدخل رسمي أو سعيٍ لتحقيق مكاسب شخصية أو انتخابية. كان الجميع سواء، الغني والفقير، الشاب والكبير، يتقاسمون اللقمة تحت شعار واحد “اللمة الحلوة تغني عن كل شيء”.
لكن مع مرور السنوات وتصاعد شعبيته بين الأهالي، بدأ يجذب الأنظار، ليتحوّل بالتدريج إلى مسرح مفتوح لبعض الشخصيات العامة التي وجدت فيه فرصة ذهبية للترويج لنفسها، واستعراض نفوذها، والتقرب من المواطنين في مشهد انتخابي مبطن!
لم يعد الأمر يقتصر على الحضور الرمزي لبعض الشخصيات، بل أصبح الإفطار بمثابة تظاهرة سياسية مقنّعة!
فجأة، ظهرت الكاميرات، والمقاعد المميزة لكبار الضيوف، والخطب الرسمية، والابتسامات المصطنعة، ليشعر المواطنون العاديون أنهم باتوا مجرد متفرجين في عرض مسرحي سياسي!
والأدهى، أن وجود المسؤولين والسياسيين بدأ يشكّل ضغطًا غير مباشر على الأهالي، الذين أصبحوا محاصرين بين المجاملات الإجبارية، والتصفيق المجبر، والتقاط الصور رغمًا عنهم! أصبح الإفطار فرصة لإطلاق الوعود الموسمية، ومحاولة شراء الود الانتخابي بقوة الحضور لا بقوة الفعل!
رغم التغيرات الجذرية التي طرأت على إفطار المطرية، إلا أنه لا يزال يحتفظ بجوهره الأساسي بالنسبة للبسطاء الذين يأتون حبًا في الاجتماع، لا حبًا في الكاميرات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن إنقاذ هذا التقليد العريق من السقوط في فخ السياسة؟
الحفاظ على طبيعته الأصلية مسؤولية الجميع! الإفطار يجب أن يظل رمزًا للتآخي والتضامن، بعيدًا عن أيادي التسييس والمصالح الضيقة. فإذا فقد روحه الشعبية، سيفقد أهم ما كان يميزه: كونه مساحة صادقة للناس، وليست مجرد منصة للاستعراض السياسي!