
في 20 نوفمبر 2024، تم خفض تصنيف المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر من الفئة “أ” إلى الفئة “ب”.
هذا القرار ليس مجرد إجراء إداري صادر عن جهة دولية، بل هو مؤشر خطير على تآكل استقلالية المجلس وعجزه عن أداء دوره الحقيقي في حماية حقوق الإنسان.
القرار الصادر عن اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يعكس أزمة أعمق تتعلق بطبيعة عمل المجلس وغياب تأثيره الفعلي في مواجهة الانتهاكات الحقوقية.
حين تفقد مؤسسة حقوقية وطنية ثقة المجتمع الدولي، فإن الأمر لا يتعلق فقط بترتيب أو تصنيف، بل بفقدان دورها كصوت حقيقي للضحايا، وتحولها إلى مجرد هيئة شكلية لا تمتلك أدوات التغيير الفعلي.
الأسباب التي أدت إلى هذا القرار ليست غامضة أو غير معروفة. استقلالية المجلس، التي تمثل حجر الأساس في أي مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، باتت محل شك كبير.
طريقة تعيين أعضائه تجعله كيانًا تابعًا للسلطة التنفيذية أكثر منه مؤسسة رقابية مستقلة. دوره في مساءلة الجهات الأمنية ومتابعة الانتهاكات بات محدودًا، وتقاريره تفتقر إلى الجرأة المطلوبة لانتقاد الواقع الحقوقي بموضوعية. عدم قدرته على اتخاذ مواقف واضحة تجاه القضايا الشائكة، مثل الاعتقالات السياسية والتضييق على المجتمع المدني، جعله هيئة لا تحظى بالثقة، لا محليًا ولا دوليًا.
في ظل مناخ تتزايد فيه القيود على حرية التعبير والتجمع، لم يُظهر المجلس القومي لحقوق الإنسان فاعلية حقيقية في الدفاع عن الحقوق الأساسية.
فبدلًا من أن يكون درعًا يحمي المواطنين من الانتهاكات، تحول إلى واجهة رسمية تبرر الأوضاع أو تتجاهلها، ما أدى إلى خفض تصنيفه على المستوى الدولي. القرارات الصادرة عنه تبدو خجولة ومتأخرة، وكأنها محاولة للحفاظ على صورة المؤسسة بدلًا من إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع.

غياب الشفافية عن آليات عمله وتعامله المحدود مع منظمات المجتمع المدني زاد من تهميشه، ليصبح بعيدًا عن التفاعل مع القضايا الأكثر إلحاحًا.
لكن هذا الوضع ليس قدرًا لا يمكن تغييره. استعادة المجلس لمكانته تتطلب إصلاحات جوهرية، تبدأ من استقلالية أعضائه وإبعاده عن أي نفوذ حكومي قد يؤثر على قراراته.
يجب أن يصبح قادرًا على التحقيق بحرية في الانتهاكات الحقوقية دون قيود، وأن يتخذ مواقف واضحة تدافع عن الحقوق الأساسية بدلًا من البحث عن تبريرات. يجب أن يتواصل مع منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بشفافية، وأن ينشر تقارير تعكس الواقع الحقيقي بلا تزييف أو محاولات تجميل.
لا يمكن لمجلس يدّعي حماية الحقوق أن يكون بعيدًا عن الضحايا، أو أن يتجنب المواجهة حين يكون الصمت تواطؤًا.
استعادة التصنيف ليست مجرد مسألة بيروقراطية، بل اختبار حقيقي لجدية المجلس في إعادة بناء دوره كهيئة وطنية مستقلة.
المجتمع الدولي لن يعيد له ثقته لمجرد تصريحات شكلية، بل سيتابع خطوات فعلية تعكس تحرره من القيود التي شلّت عمله لسنوات.
إذا لم تحدث هذه الإصلاحات، فسيظل المجلس كيانًا فاقدًا للشرعية، غير قادر على التأثير، وغير معترف به كمدافع حقيقي عن الحقوق والحريات. مصر بحاجة إلى مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان تكون صوتًا للضعفاء، لا صدى للسلطة.
المصدر: موقع “الحرية” الإخباري