
كثيرا ما ينتابني شعور – لا أعرف سببه بالضبط – بأن كلمة “حق “، المكونة من حرفين فقط .. كلمة هادئة .. بسيطة .. لا تثير جعجعة .. صوتها يبدو منخفضا .. و لا يهابها الناس !!
بينما كلمة “الباطل” مكونة من أربعة أحرف .. صوتها عال .. و وزنها كبير .. و قد تثير في النفوس قدرا من الهيبة !!
لكن مع ذلك؛ لا يمكن ان تخدع القارئ المصري – و العربي بشكل عام – مهما بلغت من الذكاء ككاتب .. الكلمة الصادقة الحرة لها رائحة ذكية مهما طُمست يصل إلى الأنوف عبيرها..و الكلمة المأجورة لها رائحة كريهة تزكم الأنوف حتى لو كانت مريضة بالزكام !!
و مهما اجتهد الكاتب في ” تزويق ” الكلمة و حلاها بالأصباغ،؛ فإن أنف القارئ يفرق بين رائحة الضمير و الحقيقة، و رائحة دفتر الشيكات .. بين كلمات مكتوبة على ورق الحقيقة .. و كلمات مكتوبة على الفيزا ..
في كل بلد فرقة تطبل لكل حاكم، و تزمر لكل سلطان، تسمى الأخطاء المآثر !! و تصف الخطايا بالمعجزات !!
إذا نطق المسؤول الكبير فهذه حكمة!! و إذا فأفأ فهذه بلاغة، و إذا ثأثأ فهذه فصاحة .. و إذا نطق كلاما لا معنى له فهذه فلسفة !!
قال أحد الحكماء : ” قالت القوة يومًا لـ الفكرة .. من أين لك جرأة التحدي..والكل يرتعد أمامي؟
ردت الفكرة بثبات .. لأن الانتصار قدري .. والناس هم سندي ..
قالت القوة بسخرية .. الناس في قبضتي .. سأقطع الألسنة وأسجن العقول ..
ابتسمت الفكرة بثقة صامتة .. مما أشعل غضب القوة ..
نفذت القوة وعيدها..فحاصرت العقول ..وأرعبت القلوب ..
لكنها لم تدرك أن الفكرة عندما .. تُضطهد ، تصبح أكثر انتشارا ..
تعددت الأفكار وانتشرت .. وحاصرت القوة من كل جانب..
وفي النهاية..انتصرت الفكرة..لأنها ما وُجدت إلا لتبقى”.
و يحضرني هنا الأوصاف الفريدة لمعنى الكلمة .. التي نحتها بجمال رائع الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحية الحسين ثائرًا و شهيداً، يقول:
” أتعرف ما معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة في كلمة .. دخول النار على كلمة .. وقضاء الله هو كلمة ..
الكلمة لو تعرف حرمه .. زاد مزخور . ..
الكلمة نور .. وبعض الكلمات قبور .. وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري ..
الكلمة فرقان بين نبي .. وبغي ..
بالكلمة تنكشف الغمه..
الكلمة نور .. ودليل تتبعه الأمة. .
عيسى ما كان سوى كلمة ..أضاء الدنيا بالكلمات .. وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم..
الكلمة زلزلت الظالم .. الكلمة حصن الحرية ..
إن الكلمة مسؤولية ..إن الرجل هو كلمة .. شرف الله هو الكلمة” .
و يحضرني أيضا حكم يكتب بماء الذهب أصدرته محكمة النقض جاء فيه أن: “انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته حقاً مكفولاً لكل مواطن وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول – كأصل عام – دون إعاقتها أو فرض قيود مسبقة على نشرها وهي حرية يقتضيها النظام الديموقراطي وليس مقصوداً بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته، ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة وعبر الحدود المختلفة وعرضها في آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها أو تتصادم في جوهرها ليظهر ضوء الحقيقة جلياً من خلال مقابلتها ببعض وقوفاً على ما يكون منها زائفاً أو صائباً منطوياً على مخاطر واضحة أو محققاً لمصلحة مبتغاة .. فلا يجوز أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة أو مواطن الخلل في أداء واجباتها سواء في وقت شغلها أو كانت عن عمل متعلق بها يقتضي الحال إبرازه، فمن الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها ومن ثم كان منطقياً بل وأمراً محتوماً أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار في كل أمر يتصل بالشئون العامة ولو تضمن انتقاداً حاداً للقائمين بالعمل العام، إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان – معززاً – بالقانون ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل ولحرية الإبداع وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه بما يعزز الرغبة في قمعها ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها مما يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره؛ وعلى ذلك فإن انتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريراً يظل متمتعاً بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء”.” الطعن رقم 36 لسنة 73 بتاريخ :2005/05/08″
كما أكدت المحكمة الدستورية العليا على نفس المعنى في حكمها الرائع الذى جاء فيه: “إن الصحافة تكفل للمواطن دورا فاعلا، و على الأخص من خلال الفرص التي تتيحها معبرا بواسطتها عن تلك الآراء التي يؤمن بها، و يحقق بها تكامل شخصيته، فلا يكون سلبيا منكفئا وراء جدران مغلقة، او مطاردا بالفزع من بأس السلطة و عدوانيتها، بل واثقا من قدرته على مواجهتها، فلا تكون علاقتها به انحرافا، بل اعتدالا، و إلا ارتد بطشها عليها، و كان مؤذنا بأفولها. و حيث أن الدستور – توكيدا لحرية الصحافة التي كفل ممارستها بكل الوسائل – أطلق قدراتها في مجال التعبير- ليظل عطاؤها متدفقا تتصل روافده دون انقطاع”. ” حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 59 لسنة 18 قضائية دستورية”
تواردت على ذهني كل الأفكار السابقة و غيرها، اثناء كتابة هذا المقال- مشاركة متواضعة من كاتب هذه السطور في الاحتفال بمرور عام على الانطلاقة الجديدة لـ “أخبار الغد” – و قد مر أمام ذاكرتي المئات من ملفات الفساد التي اقتحمتها “اخبار الغد” بكل جراة و كفاءة، مدعومة بالمستندات و الحقائق و القانون ..
و على المستوى الشخصي – و بحكم عملي محاميا نحو خمسة عشر عاما بالهيئة العامة لقصور الثقافة – فقد كنت مهتما بشكل خاص بمتابعة ملفات الفساد المالي والإداري التي فجرتها “أخبار الغد” على مدار العام الماضي بهيئة قصور الثقافة؛ و التى كان نتيجتها – و لأول مرة – تعيين اللواء خالد اللبان – رئيس الرقابة الإدارية بالأقصر سابقا – رئيسا للهيئة العامة لقصور الثقافة، و بدرجة مساعد وزير للثقافة، في رسالة واضحة من الدكتور احمد هنو – وزير الثقافة، بدعم اللواء اللبان في مهمته بالقضاء على الفساد المالي و الإداري، و هى المرة الأولى التي يُعين فيها لواء من الرقابة الإدارية رئيسا لمجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة ومن خارج دولاب العمل الثقافي.
كما تابعت أيضا استجابة الدكتور وزير الثقافة لما نشرته “اخبار الغد” على مدى شهور من ملفات الفساد المالي و الإداري لذوى المناصب الثلاثة – سابقا – بالإدارة المركزية لإقليم وسط الصعيد الثقافي، و فرعى ثقافة أسيوط و سوهاج. و إقالته، و حسنا فعل الدكتور وزير الثقافة؛ بعدم الاستجابة لبعض الأصوات التي طالبت بعودته.
و المتابع لملف الثقافة بـ “أخبار الغد” يلمس حجم الجهد الذى يبذله محرري “الثقافة” بالموقع، و الذىن يتواصلوا معهم المئات من موظفي الثقافة من جميع انحاء الجمهورية – من الإسكندرية حتى أسوان – و يدعموهم بالمستندات و الوثائق التي نراها مرفقة بالموضوعات المنشورة على “أخبار الغد”، منها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، و القرارات الإدارية، و المكاتبات بين إدارات الهيئة؛ بالرغم من التعليمات الصادرة من بعض قيادات الهيئة بعدم التواصل مع الصحافة، حرصا على ” الأمن القومي” !!
كما لاحظت أيضا في مقالات “اخبار الغد” تنوع كتابها، بما يشمل ألوان الطيف الفكري و السياسي، سواء من مصر أو العالم العربي؛ و هو ما يحسب لرئيس و أسرة تحرير الموقع.
كل عام و قراء و أسرة تحرير “أخبار الغد” في تألق و تميز .. و ننتظر المزيد ..