تقاريرثقافة وفنون

تعسف الشرطة: من أفلام هوليوود إلى الواقع المظلم في يوم 15 مارس العالمي

في 15 مارس من كل عام، يحتفي العالم باليوم العالمي لمناهضة تعسف الشرطة، لتسليط الضوء على الانتهاكات التي تمارسها بعض الأجهزة الأمنية ضد المواطنين.

رغم أن وظيفة الشرطة الأساسية هي حماية الأفراد، إلا أن العديد من الأفلام والأحداث الواقعية كشفت عن تجاوزات تهدد حقوق الإنسان والعدالة.

تلفيق الاتهامات للأبرياء: ضحية الإجراءات البوليسية المشددة

أكد أحمد حسنين، وهو أستاذ جامعي مصري متخصص في القانون الجنائي، أن قضية تلفيق الاتهامات للأبرياء التي تناولها فيلم “باسم الأب” تعكس واقعًا مأساويًا تعيشه بعض الدول حتى اليوم.

أشار إلى أن هناك دولًا تتبنى سياسات صارمة بحجة مكافحة الإرهاب، مما يؤدي إلى تلفيق اتهامات خطيرة للأبرياء.

أضاف حسنين: “القوانين يجب أن تكون أداة للعدالة، لا سلاحًا ضد الأبرياء، لكن للأسف نجد أن الشرطة في بعض الدول تفرط في استخدام سلطتها لتحقيق انتصارات وهمية أمام الرأي العام.”

واختتم قائلاً: “إن تعزيز الرقابة على الأجهزة الأمنية وتطوير القضاء العادل هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه الممارسات.”

من جانبه، أوضح محمد عبد الله، مواطن مصري من محافظة القاهرة، أنه شاهد بنفسه حالات تلفيق الاتهامات لأشخاص يعرفهم شخصيًا، خاصة في قضايا تتعلق بالنشاط السياسي.

قال عبد الله: “أحد أصدقائي تم اعتقاله بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية فقط لأنه كان ينتقد بعض السياسات الحكومية على وسائل التواصل الاجتماعي.” وأكد أن الخوف من قمع الشرطة أصبح يشكل كابوسًا للمواطنين.

أشارت هند عبد الغني، محامية لبنانية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، إلى أن هذه الممارسات ليست مقتصرة على بلد معين، فالأمثلة موجودة في العالم العربي والغربي على حد سواء.

قالت: “رأيت بأم عيني في بعض القضايا كيف يتم تلفيق الأدلة أو تحريفها لتبرير الاعتقالات.” وأضافت أن الدول يجب أن تتحمل مسؤولية مراقبة أجهزتها الأمنية بحزم لضمان تحقيق العدالة وعدم تحول الشرطة إلى قوة قمعية.

تعطيل العدالة: إهمال يعصف بحقوق الضحايا

أشار الدكتور سمير الحمادي، أستاذ علم الجريمة في إحدى الجامعات السعودية، إلى أن قضية تعطيل العدالة التي تناولها فيلم “ثلاث لوحات إعلانية خارج إبينغ، ميسوري” تعكس ظاهرة منتشرة في العالم، حيث قد تكون العدالة بطيئة أو معطلة نتيجة للتقاعس أو الفساد داخل المؤسسات الأمنية.

أكد أن “العدالة المتأخرة تعني العدالة المنكرة، وحين تعجز الشرطة عن ملاحقة المجرمين الحقيقيين، فهي تخون مهمتها الأساسية.” وأكد الحمادي على ضرورة تعزيز نظام الشفافية في التحقيقات لضمان حماية حقوق الضحايا.

في السياق ذاته، قالت سمر إسماعيل، مواطنة مصرية من الإسكندرية، إن تجربتها الشخصية مع الشرطة المصرية كانت مثالاً على تعطيل العدالة.

أوضحت: “تعرضت ابنتي لحادث عنف جنسي، واستغرق التحقيق أكثر من عامين دون تحقيق أي تقدم يذكر.” وأضافت أن الشرطة كانت بطيئة في جمع الأدلة، مما أثر بشكل كبير على قضيتها.

أوضح حمدان الزيدي، مواطن يمني يعيش في القاهرة، أن تعطيل العدالة يحدث أيضًا في البلدان التي تعاني من أزمات سياسية.

قال: “في اليمن، تزداد هذه الظاهرة بشكل مرعب، حيث يعجز النظام القضائي عن تحقيق العدالة بسبب النزاعات المسلحة وفساد الأجهزة الأمنية.” وشدد على أن العدالة يجب أن تكون في متناول الجميع، بغض النظر عن الظروف السياسية.

العنصرية وقمع الجماهير: انتهاكات بلا حدود

أكدت نهى الجوهري، ناشطة حقوقية من المغرب، أن العنصرية التي عالجها فيلم “ديترويت” تعكس واقعًا مؤلمًا يعيشه العديد من المجتمعات.

أوضحت أن “العنصرية هي آفة عالمية، ووجودها داخل أجهزة الشرطة يساهم في تفاقم الانتهاكات ضد الأقليات العرقية.”

وأضافت أن “أحداث العنف التي شهدتها بعض الدول الغربية نتيجة لتجاوزات الشرطة يجب أن تكون درسًا لجميع الحكومات بضرورة مواجهة العنصرية الممنهجة.”

من جانبه، أشار إبراهيم السعدي، مواطن فلسطيني مقيم في فرنسا، إلى أن “الشرطة في فرنسا تمارس بعض الأساليب القمعية بحق المتظاهرين والمهاجرين.”

وعلق قائلاً: “رأيت بأم عيني في احتجاجات السترات الصفراء كيف تعاملت الشرطة بقسوة مع المتظاهرين، وكأنهم أعداء وليسوا مواطنين يعبرون عن آرائهم.” وأضاف أن هذه الممارسات تغذي مشاعر الغضب والتمرد لدى الشعوب.

أوضحت دينا رشدي، مواطنة مصرية من أسوان، أن العنصرية لا تقتصر على الغرب، مشيرة إلى أن “الأفارقة واللاجئين السود في مصر يعانون من معاملة قاسية من قبل الشرطة.”

وقالت إن هناك حاجة ملحة لتثقيف أفراد الشرطة حول كيفية التعامل مع الفئات المختلفة من المجتمع بإنسانية واحترام.

انتهاك حقوق الطفل: غياب الإنسانية في التعامل مع الجيل الصغير

أكد الدكتور محمود سالم، أخصائي طب الأطفال والنفسية من الأردن، أن “انتهاك حقوق الأطفال من قبل الشرطة هو أمر مأساوي وغير مقبول.”

أشار إلى أن فيلم “البؤساء” قدم صورة حقيقية لانتهاكات الشرطة بحق الأطفال، قائلاً: “عندما يتعرض الأطفال للعنف من قبل من يفترض أن يحموهم، تكون النتيجة كارثية على الصحة النفسية والاجتماعية للجيل الصغير.” وأكد أن هناك حاجة ملحة لتدريب أفراد الشرطة على التعامل مع الأطفال بأساليب رحيمة.

من جانبه، أوضح سامي الجندي، مواطن سوري يعيش في القاهرة، أن اللاجئين السوريين الأطفال في مصر يواجهون تحديات كبيرة مع السلطات، حيث يتعرض بعضهم للاعتقال أو الاحتجاز في ظروف سيئة.

قال: “أحد أطفالي تم احتجازه في مركز للشرطة بسبب اتهامات كاذبة بسرقة هاتف، رغم أنه لم يكن متورطًا في أي جريمة.” وأضاف أن الشرطة تعاملت معه بقسوة وكأن حقوقه كطفل غير موجودة.

في نفس السياق، أكدت إيمان الخطيب، ناشطة في مجال حقوق الطفل من تونس، أن حقوق الأطفال يجب أن تكون في مقدمة اهتمامات الدولة.

وقالت: “لا يمكن أن نسمح للشرطة باستخدام العنف ضد الأطفال أو انتهاك حقوقهم بأي شكل من الأشكال.” وأضافت أن هناك حاجة ماسة لإصلاح النظام الأمني لضمان حماية الأطفال من هذه الممارسات.

أين الحل؟

أوضح الدكتور محمد الشافعي، خبير في السياسات الأمنية من مصر، أن مواجهة تعسف الشرطة تتطلب إصلاحات جذرية في النظام الأمني، ليس فقط في البلدان النامية بل في جميع أنحاء العالم.

قال: “الأفلام يمكن أن تثير الوعي، لكنها ليست الحل. الحل الحقيقي يكمن في تنفيذ إصلاحات قانونية ومؤسساتية قوية تحاسب الشرطة وتحمي حقوق المواطنين.” وأضاف أن وسائل الإعلام والمجتمع المدني يجب أن تستمر في الضغط لتحقيق تلك الإصلاحات.

وأكدت ليلى مراد، ناشطة حقوقية مصرية، أن اليوم العالمي لمناهضة تعسف الشرطة يجب أن يكون فرصة لتسليط الضوء على الانتهاكات وتوحيد الجهود العالمية لمكافحتها. “الشرطة وُجدت لحماية المواطنين، وليس لقمعهم. إذا استمر التعسف دون محاسبة، فإن العالم كله سيكون الضحية.”

تعسف الشرطة هو قضية عالمية تحتاج إلى إصلاحات عاجلة وجذرية لضمان حماية حقوق الإنسان والعدالة. في اليوم العالمي لمناهضة تعسف الشرطة، ينبغي أن تزداد الجهود المشتركة بين الحكومات، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام لضمان محاسبة الأجهزة الأمنية وضمان ألا يصبح المواطن ضحية لتلك الانتهاكات.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى