مقالات ورأى

عز الدين الهواري يكتب: دماء الضفة تستغيث.. سردية الإبادة الصهيونية لا تتوقف

ليست حربًا عسكريةً، بل هي مسخٌ وجودي، وطقسٌ يوميٌّ من التطهير العرقي المُمنهج، تُزهق فيه الأرواح تحت سمع العالم وبصره، وتُدفن معها آخر بقايا الوهم بـ”إنسانية” الاحتلال. هنا في الضفة، حيث تُسحق الحجارة بأحذية الغزاة، وتُحرق البيوت وتُهدم فوق رؤوس أصحابها—أطفالٍ ونساءٍ وشيوخ—بدمٍ بارد، مثل برود أخلاقهم. هؤلاء ليسوا جنودًا، بل سفاحون قتلة، ناهبون، وتُدنّس المساجد بدماء المصلّين، فتُكتَبُ فصولٌ من التاريخ الأسود.. تاريخٌ لن يُغسله إلا طوفانُ الثأر.

الصهاينة لا يقتلون الأجساد فحسب، بل يذبحون الزيتون كأنهم يقطعون شرايين الأرض، ويهدمون المدارس كأنهم يمحون ذاكرة الأجيال، ويفجّرون محطات المياه كأنهم يغتالون الحياة نفسها. إنها إبادةٌ بطيئةٌ بلا قناع، تتنكّر بلباس “الأمن” لتُبررَ وحشيةً لا تعرف القانون ولا الرحمة. فكيف تُحاكم وحوشًا تجعل من تعذيب الأطفال فنًّا؟! كيف تُحاور مَن يرون دم المسلم ماءً؟!

لقد حوّلوا الضفة إلى ساحةٍ لتجاربهم الدموية: نساءٌ تُسحب أجنّتهنّ من الأرحام، شيوخٌ تُكسر عظامهم على حواجز الموت، أطفالٌ تُسرق براءتهم أمام أعين الأمهات المُكبّلات. إنه الاحتلال الذي يَستلذّ الألم، ويُزهّد في الحياة، ويُقدّس الموت.. فهل يُنتظر من أمةٍ أن تُبارك جلاديها؟!

وما يحدث اليوم في الضفة هو الذروة الدموية لكل جرائمهم: أكثر من أربعين ألف فلسطيني يُهجَّرون قسرًا من بيوتهم، أحياءٌ بكاملها تُمسح من الخريطة كأنها لم تكن، شوارع تُحوَّل إلى ركام، خزانات مياه تُفجَّر، وأشجار تُقلع من جذورها. اذهبوا إلى الضفة لتشهدوا “مذابح” لا تستثني شيئًا: مذابح للبشر، والحجر، والشجر، والذاكرة. اذهبوا لتروا كيف يُحوّلون الحياة إلى جثث، والبيوت إلى مقابر، والأطفال إلى أرقام في سجلات الشهداء.

بنجامين فرانكلين لم يكذب حين وصفهم بـ”الوباء الذي يفسد الحضارات”، فهم جينٌ خبيثٌ في جسد الإنسانية: دمّروا الاقتصاد في أوروبا بالربا، وأشعلوا الحروب في الشرق بالوكالة، وها هم اليوم يكتبون فصلاً جديدًا من الفوضى بدم الفلسطيني. إنهم لا يختلفون عن غزاة التاريخ: التتار أرقّ منهم قلبًا، والنازيون أكثر منهم “أخلاقًا”!

نعم، إنهم يزرعون الكراهية بكل جريمة، لكنهم ينسون أن دماء الشهداء تُخصّب أراضي الثورة. سيأتي يومٌ تتحول فيه كل صرخةٍ تحت التعذيب إلى رصاصةٍ في خاصرة الاحتلال، وكل دمعةِ يتيمٍ إلى شعلةٍ تُحرق مستوطناتهم. إنها سنّة الكون: الظلمُ يُنتجُ مقاومةً، والمقاومة تنتصر ولو بعد حين.

السلاح؟ إنه قدرنا الوحيد في معادلة الوجود هذه. فمَن يذبح الأطفالَ بالعشرات لا يفهم لغة الحوار، ومَن يغتال الأحلامَ في المهد لا يُردعه إلا رصاصُ الكرامة. لقد حوّلونا إلى أمةٍ لا تعرف سوى لغة الدم.. فليتحملوا ويلاتِ هذه اللغة حين تعود إليهم.

الضفةُ اليوم شاهدٌ: لن تُغفر الجريمة، ولن تموت القضية، ولن تندمل الجراح إلا بزوال الكيان السرطاني. فالأرض تُورّثُ الدمَ، والدمُ يُورّثُ النصرَ.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى