
في ذكري الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة تعسف الشرطة .. أوضح مختصون ومواطنون مصريون أن جهاز الشرطة تحوّل منذ انقلاب 23 يوليو 1952 إلى أداة قمعية في يد النظام، تُستخدم لقهر وإسكات الشعب.
فكيف أصبحت الشرطة ذراعًا أمنية قاسية يُستخدم ضد المواطنين؟ وكيف تطورت العلاقة بين النظام والشرطة عبر العقود الماضية؟ موقع “أخبار الغد” يقدم نظرة معمقة حول دور الشرطة في حماية النظام على حساب حقوق الشعب.
الشرطة في عهد عبدالناصر: “رفع الرأس” تحت القمع
أكد الدكتور أحمد سلامة، أستاذ العلوم السياسية بإحدي الجامعات، أن عهد جمال عبدالناصر، رغم شعاراته التحررية، شهد قمعًا واسعًا ضد المعارضة.
“عبد الناصر رفع شعار “ارفع رأسك يا أخي”، لكن الشرطة كانت تعمل على إسكات كل من يحاول الاعتراض على سياسات النظام، وكانت أداة لتقييد الحريات”، يقول الدكتور أحمد.
ويشير إلى أن قمع مظاهرات الطلاب في 1968 كان مثالًا واضحًا على كيفية استخدام الشرطة في مواجهة المواطنين بدلاً من حمايتهم.
من جهته، أوضح المواطن جمال محمود، موظف حكومي، أن والده تعرض للاعتقال في فترة عبد الناصر بسبب آرائه المعارضة،
ويضيف: “أبي كان يتحدث ضد الحكومة في جلساته الخاصة، لكن الشرطة اعتقلته بتهمة التحريض، وكان التعذيب هو مصيره”. جمال يؤكد أن الشرطة في عهد عبد الناصر كانت أداة ترويع لكل من يجرؤ على الاختلاف مع النظام.
عهد السادات: تأسيس “أمن النظام”
أشار المحامي خالد إبراهيم، المتخصص في قضايا الحريات، إلى أن الرئيس أنور السادات أسس جهاز الأمن المركزي بعد مظاهرات 1977 ليكون ذراعًا خاصة للنظام في مواجهة المعارضة الداخلية.
“أدرك السادات أن قمع التظاهرات والاحتجاجات الشعبية يتطلب قوة خاصة قادرة على المواجهة القاسية، ولذلك أُنشئ الأمن المركزي ليكون القوة الضاربة في يد النظام”، يقول خالد. ويرى أن هذه الفترة شهدت تصاعدًا في استخدام الشرطة كأداة سياسية لقمع أي تحرك شعبي.
وأكدت الناشطة السياسية هالة مصطفى أن السبعينيات كانت مرحلة تأسيس القمع المنظم. “شهدت البلاد تضييقًا على الحريات العامة وقمعًا لكل من حاول الخروج عن المألوف، وكانت الشرطة في واجهة هذه المعركة ضد الشعب”، توضح هالة.
وترى أن السادات لم يختلف كثيرًا عن عبد الناصر في التعامل مع المعارضة، لكنه كان أكثر مهارة في استخدام أجهزة الأمن.
مبارك: قمع الطوارئ الطويل
أوضح الدكتور سامي عبد الجواد، أستاذ علم الاجتماع، أن فترة حكم حسني مبارك تميزت بقسوة بالغة في تعامل الشرطة مع الشعب.
“استمر حكم مبارك لأكثر من ثلاثة عقود تحت مظلة قانون الطوارئ، وكانت الشرطة تستخدمه كغطاء لاعتقال المواطنين وتعذيبهم دون أي محاسبة”، يقول الدكتور سامي.
ويضيف أن التعذيب والاعتقالات التعسفية أصبحت سمة العصر، حيث كان يمكن للشرطة أن تقبض على أي شخص دون سبب واضح وتحتفظ به لأجل غير مسمى.
وأكد المواطن حسن عبد الرحيم، تاجر من القاهرة، أن شقيقه تعرض للاعتقال التعسفي في عهد مبارك. “شقيقي كان ناشطًا سياسيًا صغيرًا، لكن الشرطة اعتقلته وعذبته بلا رحمة، ولم نكن نعلم مكانه لأسابيع”، يقول حسن.
ويرى أن الشرطة كانت أداة البطش الأساسية للنظام في هذا العهد، وأن القانون كان في يد رجال الأمن الذين لا يخشون المساءلة.
بعد الثورة: تغيير شكلي أم استمرار للقمع؟
أكد الدكتور هشام نصر، خبير في القانون الجنائي، أن الثورة المصرية في 25 يناير 2011 كانت بمثابة صدمة كبيرة لجهاز الشرطة، لكن التغيير كان سطحيًا.
“رغم الإطاحة بمبارك، استمرت الشرطة في نفس ممارساتها القديمة. القيادات لم تتغير، والتعذيب والاعتقالات استمرت”، يقول هشام.
ويشير إلى أن رجال الشرطة أصبحوا يعملون تحت حماية القضاء، حيث تم تبرئة الكثير من الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين خلال الثورة.
من ناحيته، أشار المواطن محمد عبدالسلام، سائق تاكسي، إلى أن التعامل مع الشرطة اليوم لم يختلف كثيرًا عما كان عليه قبل الثورة. “ما زلت أرى نفس المعاملة السيئة.
رجال الشرطة يتصرفون وكأنهم فوق القانون، ولا يمكن لأحد أن يعترض أو يواجههم”، يقول محمد. ويؤكد أن الشرطة أصبحت رمزًا للقمع بدلاً من أن تكون جهازًا لحماية المواطن.
دور النيابة والقضاء: حماية أم تواطؤ؟
أوضح المحامي يوسف علي، المتخصص في القضايا الجنائية، أن النيابة العامة والقضاء المصري يلعبان دورًا حاسمًا في حماية رجال الشرطة من العقاب.
“قضايا التعذيب والقتل التي يتهم فيها رجال الشرطة غالبًا ما تنتهي ببراءتهم. النظام القانوني متواطئ مع جهاز الشرطة في قمع المواطنين”، يقول يوسف. ويرى أن العدالة مفقودة تمامًا في قضايا الشرطة، مما يعزز شعور المواطنين بأنهم بلا حماية قانونية.
وفي نفس السياق، أكد المحامي إبراهيم منصور أن استمرار تبرئة رجال الشرطة في القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان يزيد من شعورهم بأنهم فوق القانون.
“كلما خرج ضابط من محكمة بريئًا رغم تورطه في جريمة قتل أو تعذيب، ازداد النظام قسوة، واستمر القمع بلا حدود”، يوضح إبراهيم.
25 يناير: ذكرى ثورة تحولت إلى كابوس للشرطة
أكدت الباحثة مريم عوض، المتخصصة في العلوم السياسية، أن يوم 25 يناير 2011 أصبح يومًا أسودًا في تاريخ الشرطة. “كانت الشرطة في ذلك اليوم تواجه انتفاضة شعبية غير مسبوقة، واضطرت للهرب أمام غضب الجماهير. هذا اليوم سيظل جرحًا عميقًا في ذاكرة الشرطة المصرية”، تقول مريم.
وترى أن النظام اليوم يسعى بكل قوته لضمان عدم تكرار هذا المشهد، عبر قمع أي بوادر للاحتجاج أو الانتفاض الشعبي.
وفي شهادة المواطن أحمد مصطفى، موظف في القطاع الخاص، أكد أن الشرطة بعد 25 يناير أصبحت أكثر عدوانية تجاه المواطنين. “كلما خرجت دعوة للتظاهر أو الاحتجاج، تنتفض الشرطة بكل قسوتها.
يبدو أنهم مصممون على منع تكرار ما حدث في 2011 بأي ثمن”، يقول أحمد. ويرى أن النظام الحالي يتعامل مع أي تحرك شعبي على أنه تهديد وجودي يجب سحقه.
مطالب الإصلاح: هل من أمل؟
أوضح الناشط الحقوقي كريم عبدالله أن الإصلاح الحقيقي لجهاز الشرطة لا يمكن أن يحدث دون إرادة سياسية قوية. “يجب أن يكون هناك محاسبة حقيقية للضباط المتورطين في الجرائم، وإعادة هيكلة كاملة للجهاز الأمني.
هذا هو الأمل الوحيد لضمان حقوق المواطنين”، يقول كريم. ويشير إلى أن الإصلاحات الشكلية التي تحدث بين الحين والآخر لا تكفي لتغيير عقلية الشرطة أو أساليبها القمعية.
وفي نفس السياق، أشار المواطن سامح حسين، طالب جامعي، إلى أن الشباب في مصر يشعرون باليأس من إمكانية حدوث تغيير حقيقي في جهاز الشرطة.
“نحن نرى نفس القيادات ونفس الممارسات. لا شيء يتغير. الشرطة ما زالت تعتقل وتضرب وتعذب بلا رحمة”، يقول سامح.
القمع مستمر والعدالة مفقودة
رغم مرور عقود على استخدام الشرطة كأداة لقمع الشعب، فإن هذه الممارسات ما زالت قائمة حتى اليوم. الثورة التي أطاحت بمبارك لم تحقق تغييرًا جذريًا في عقلية الجهاز الأمني.
وبينما يطالب المواطنون بالإصلاح والمحاسبة، يظل القمع مستمرًا، وتبقى الشرطة في مصر ذراعًا لا غنى عنها لحماية النظام على حساب حقوق الشعب.