رمضان في السودان: معاناة وتحديات وتفاؤل في ظل الحرب

رمضان في السودان يأتي هذا العام محملاً بالتحديات الكبرى وسط أجواء الحرب المستمرة منذ أبريل 2023. يعكس الشهر الكريم مزيجًا من المعاناة والصمود، حيث يواصل السودانيون العمل على إعادة بناء حياتهم وأعمالهم، رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها الحرب على جميع المستويات.
أكدت مجموعة كبيرة من المواطنين ورجال الأعمال في السودان أن رمضان لهذا العام جاء محملاً بمزيج من التحديات والآمال، في ظل الحرب التي تسببت في تغييرات جذرية على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية.
الفرار من الخرطوم إلى أديس أبابا
أوضح عبد الرحمن محمد، وهو أحد رجال الأعمال المتضررين من الحرب، قائلاً: “لم أجد مناصاً من مغادرة الخرطوم بعد اندلاع الحرب منتصف أبريل 2023.
فقدت كل شيء تقريباً؛ محلاتي التجارية، منزلي وسياراتي تم سرقتها بالكامل. بعد وصولي إلى أديس أبابا مع أسرتي، واجهت تحديات هائلة في محاولة إعادة بناء حياتي التجارية، فقررت افتتاح مطعم سوداني نظراً لتزايد عدد السودانيين الفارين إلى إثيوبيا”.
يشير عبد الرحمن إلى أن رمضان كان فرصة ذهبية لمطعمهم، حيث قدموا وجبات سودانية تقليدية وشهيرة مثل “الحلومر”، والتي وجدت رواجاً كبيراً بين السودانيين، على الرغم من الصعوبات التي واجهتها في التحضيرات المتواصلة دون إجازات.
الحرب وانعكاساتها على القطاع الخاص
أشار الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل إلى أن الحرب كان لها تأثير كارثي على القطاع الخاص السوداني. “القطاع الخاص تكبد خسائر ضخمة، تصل في بعض القطاعات إلى 90% في الخرطوم، و88% في ولاية الجزيرة، بينما تقدر الخسائر في دارفور بحوالي 80%”.
وأضاف المهل: “إجمالي الخسائر يُقدر بحوالي 130 مليار دولار، منها 90% غير مؤمنة. على الرغم من ذلك، يتوقع أن يعود القطاع الخاص للعمل بوتيرة أسرع من القطاع العام، إذا ما توفرت السياسات المستقرة والإدارة الواعية”.
انتعاش الأسواق في رمضان رغم الحرب
أكد التاجر محمد الحاج أحمد أن شهر رمضان دائماً ما يشهد نشاطاً اقتصادياً كبيراً حتى في ظل الظروف الصعبة. “قبل حلول رمضان بحوالي عشرة أيام، تبدأ الأسواق في الانتعاش وتزداد حركة البيع والشراء، خصوصاً في المواد الغذائية. الناس تكون مستعدة لشراء الاحتياجات الأساسية، مما يرفع الأسعار ويزيد من الأرباح”.
يضيف محمد: “رغم الحرب، إلا أن التجار يسعون لتقديم سلال غذائية للصائمين، ويقوم البعض بإخراج سلال إضافية من أموالهم الخاصة، في حين تزداد حركة التبرعات والإكراميات للفئات الضعيفة”.
رمضان كريم رغم الظروف
أشار يوسف الطيب، رجل أعمال من أم درمان، إلى أن اسم “رمضان كريم” لم يأت من العدم. “رغم كل التحديات، الله يوفّر احتياجات الناس. هناك سعادة حقيقية بين الجميع، حتى بين التجار ورجال الأعمال، الذين يسعون بكل جهد لمواصلة العمل وتقديم المساعدة للفئات المحتاجة”.
وأوضح يوسف: “لقد خسرنا الكثير بسبب الحرب، لكننا نعمل بجد لإعادة بناء أعمالنا، وقد افتتحنا فروعاً جديدة في بورتسودان وعدنا للعمل في أم درمان بعد تحسن الأوضاع الأمنية جزئياً”.
التحديات الجمركية والمعوقات الحكومية
يشكو عبد الكريم آدم، مالك إحدى الشركات الصغيرة، من تعامل السلطات الحكومية في فترة ما بعد الحرب. “الحكومة تفرض رسوم جمارك وجبايات بأرقام فلكية، دون مراعاة الخسائر الفادحة التي تكبدها القطاع الخاص. نحاول جاهدين النهوض مجدداً والمساهمة في إعادة إعمار البلاد، لكننا نواجه عراقيل ضخمة”.
وأضاف عبد الكريم: “يشعر رجال الأعمال بأنهم يسيرون على النار، لكننا مصرّون على البقاء والعمل رغم كل هذه الصعوبات”.
هجرة الأعمال والنزوح الداخلي
أوضحت الناشطة الاقتصادية ليلى عثمان أن الحرب أدت إلى نزوح عدد كبير من رواد الأعمال داخل البلاد وخارجها. “بعض رجال الأعمال اختاروا الهجرة إلى الخارج، بينما نزح آخرون داخلياً بحثاً عن أماكن أكثر أماناً للعمل. هذا التشتت قد يؤدي إلى ضياع وتفكك الاقتصاد والخدمات، لكنه أيضاً قد يشكل بداية جديدة في حال تم استغلال الفرص المتاحة”.
وأكدت ليلى: “إذا تم تحقيق استقرار سياسي واقتصادي، فقد يعود الاقتصاد السوداني إلى التعافي خلال ثلاث سنوات، خصوصاً إذا تم تبني التكنولوجيا الحديثة والسياسات الفعّالة”.
الحركة التجارية خلال رمضان
أشار التاجر صديق عبد الله إلى أن حركة التجارة خلال رمضان تكون دائماً في حالة انتعاش، حيث يُقبل الناس على شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية. “التجار يستعدون لهذا الشهر بفترة كافية، ويجهزون سلال غذائية خاصة بالصائمين”.
وأضاف صديق: “حتى في ظل الحرب، يشهد السوق حركة نشطة، حيث يعتمد الكثير من الناس على المساعدات والزكاة التي يتم توزيعها بشكل واسع خلال رمضان”.
المساعدات الرمضانية ودور المجتمع
أوضح الناشط في العمل الخيري أحمد عبد الرحمن أن المجتمع السوداني معروف بتعاونه وتضامنه خلال رمضان. “في كل عام، تشهد البلاد توزيع كميات ضخمة من المساعدات والسلال الغذائية للفئات الضعيفة، ورغم الحرب هذا العام، إلا أن التبرعات لم تتوقف”.
وأضاف أحمد: “الناس هنا يعوّلون كثيراً على هذا الشهر لتقديم الخير والمساعدة. حتى رجال الأعمال الذين تضرروا من الحرب يسعون للمساهمة بقدر الإمكان”.
التحديات الأمنية والاقتصادية
أشار المحلل السياسي عمر علي إلى أن التحديات الأمنية والاقتصادية ما زالت تشكل عقبة كبيرة أمام استعادة الاقتصاد السوداني عافيته. “الوضع الحالي يحتاج إلى قبضة أمنية قوية واستقرار سياسي حتى يتمكن القطاع الخاص من العودة إلى العمل بكامل قوته”.
وأكد عمر: “بدون استقرار، ستظل الأوضاع متأزمة، لكن هناك بوادر أمل في حال تم تحقيق المصالحة الوطنية وإيجاد حلول سياسية شاملة”.
المشروبات الرمضانية السودانية
أكدت ربة المنزل فاطمة أحمد أن المشروبات السودانية مثل “الحلومر” و”الكركديه” تظل جزءاً لا يتجزأ من مائدة الإفطار السودانية، حتى في ظل الحرب.
“رغم ارتفاع الأسعار، إلا أننا نحاول بكل جهد شراء هذه المشروبات التي تعد تقليداً عريقاً في رمضان”. وأضافت فاطمة: “هذا الشهر يحمل الكثير من القيم والتقاليد التي نحافظ عليها مهما كانت الظروف”.
رمضان بين الأمل والمعاناة
أشار الشاب السوداني محمد عمر إلى أن رمضان يحمل معاني كبيرة للسودانيين، حيث يجتمع الناس على الإفطار رغم المعاناة.
“الحرب أثرت على الجميع، لكننا نحاول الاستمرار في الحياة ومواجهة التحديات. رمضان يجمعنا ويجعلنا نتعاون رغم كل الظروف”. وأضاف محمد: “نأمل أن تحمل الأيام القادمة خيراً وسلاماً للسودان، وأن نتمكن من إعادة بناء حياتنا”.
رغم قسوة الظروف التي يعيشها السودانيون في ظل الحرب، يظل رمضان رمزًا للتكاتف والتضامن. يستمر الأمل في قلوب الجميع، مواطنين ورجال أعمال، الذين يجتهدون في مواجهة الأزمات والصعوبات.
يبقى الشعب السوداني متمسكًا بروح التعاون، مع تطلعٍ دائم لمستقبل أكثر استقرارًا وسلامًا. فرجال الأعمال والمواطنون على حد سواء يسعون لمواصلة حياتهم ومواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، وكلهم أمل في تحقيق الاستقرار والسلام.