مصر

د.خالد بن راشد الخاطر يكتب: نبوءة يوسف حددت دورتين اقتصاديتين بين الرواج والركود

قال يوسف عليه السلام”اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ” والمقصود بعليم هنا – والله هوأعلم – هوعلم التنبؤ بالمستقبل، التنبؤ الاقتصادي على وجه الخصوص.
فيوسف لديه علم بالمستقبل من تفسيره لرؤيا الملك، وقد بحثت في كتب التفسير، ولم أجد تفسيراً صريحاً بهذا المعنى، ولكن ربما يكون أقربها له هو ما أطلق عـلـيـه ابـن كـثـيـر بـصـفـة عـامـة “ذو عـلـم وبـصـيـرة بما يتولاه”، وقول شيبة بن نعامة عليم بسني الجدب.
“فـالـبـصـيـرة” يـمـكـن التعبيرعنها أيـضـا”بـالـرؤيـة .”والعليم هو أقصى درجات العلم، لقوله تعالى، “وفوق كـل ذي عـلـم عـلـيـم”. فمهما بـلـغ أحـد مـن عـلـم، فدائما هناك من هو أعلم منه. وكـل العلوم يمكن اكتسابها إلا علم الغيب فهو من اختصاص الخالق، يطلع منه ما يشاء، لمن يشاء من خلقه. ولـم يوجد أحـد حينها أعلم من يوسف بما هو آتٍ من سني القحط، ولذلك كان هو”أعلم” من غيره بمدى الحاجة لاتباع سياسات تقشفية فـي دورة الـرواج، فكان هـو الأجـدر مـن غيره بتولي المنصب والأقـدرعـلـى تنفيذ هـذه السياسات ،لعلمه بتبعاتها وعـواقـب عـدم تنفيذها، وهـذا كـان سـبـب طلبه للمنصب، ولـو تـولاه غـيـره لمـا استطاع تـنـفـيـذ هـذه الـسـيـاسـات غـيـر المـفـهـومـة ولا المـقـبـولـة شعبياً. ويذكر أن الملك قال ليوسف: ومن لي بتدبير هذه الأمور )أي تطبيق هذه السياسات(؟ ولو جمعت أهـل مصر جميعا ما أطـاقـوا، ولـم يكونوا فيه أمناء؛ فقال يوسف عند ذلك: اجعلني على خزائن الأرض.


دورتان اقتصاديتان


لقد تنبأ يوسف عليه السلام بدورتين اقتصاديتين ،دورة رواج تـتـبـعـهـا دروة رك ـود، ووض ـع الـخـطـط المناسبة – من استثمار، وتوفير، وإنفاق – لكل دورة ،وإلا لهلك الناس في دورة الركود وحلت بالبلاد كارثة عظيمة، لأنه كان سيحدث توسع في الإنفاق وإسراف في الاستهلاك مع ارتفاع الفوائض، ولن تستغل دورة الرواج بالشكل الأمثل.
ومن المـؤسـف أن هذا هـو الـنـمـط المـتـكـرر فـي دول الخليج مع كل دورة رواج وفترة انهيار نفطية، فهناك إس ـراف وتـبـذيـر مـع الـفـوائـض الـنـفـطـيـة وفـشـل في استغلالها لتنويع الاقـتـصـادات، وتقشف وعجوزات وضـرائـب مـع الانـهـيـارات، فـلـمـاذا؟ وم ـا ال ـذي كـان يتوفر ليوسف آنـذاك، وتفتقده دول الخليج الـيـوم؟ الـسـر فـي المـسـؤول ولـيـس فـي المـنـفـذ. فـالمـلـك تـوفـرت لديه الإرادة السياسية في الإصـلاح، فسعى ليوسف صـاحـب الاخـتـصـاص، لـلاسـتـعـانـة بعلمه وكـفـاءتـه ،فمكنه من حل الأزمة استباقيا، لأن همّ الملك الأول كان هو المصلحة العامة. فسعي الملك لمواجهة الأزمـة كان منذ البداية حين قال “يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تـعـبـرون”. ولـم يستكنْ بعد حصوله على الفتوى، بل واصل السعي لصاحب الفتوى حتى أوكل إليه الأمر كله، لأنه كان الأكثر كفاءة له من غيره ،فأوكل الملك الأمرلأهله. وكذلك يعطينا يوسف درساً فـي السمو على صـغـائـرالأمـور. فمع سـوء معاملتهم لـه، بسجنه لسنوات في حادثة إفـك اللُّبست له ظلما وبهتانا، لم يتردد في إنبائهم بما يعلمه من كارثة مقبلة، بل ورسم لهم خطة متكاملة للنجاة منها بدون
طلب منهم، وبدون شروط مسبقة منه عليهم، كإطلاق سراحه مثلا، من محبسه الذي لا زال فيه، و لم يمنعه من ذلك حب انتقام أو حقد، أو طمع في المقابل. فجاء رد الاعـتـبـار لـه مـن القمة، فلم يُسلب جـهـده وحقوقه الفكرية، ولـم يتنكروا لـه أو ينسوه بعد أن قـدم لهم وصفته لحل الأزمـة وحـصـلـوا منه على مـا يـريـدون، كما يحدث فـي أيامنا هـذه، بـل تـم الاعـتـراف الـتـام له
بصدقه وعلمه ومكانته مـن أعـلـى سلطة فـي الـدولـة وهي الملك، الذي عندما تبين له صدق يوسف وعلمه وكـفـاءتـه، لـم يتركه، بـل أنـزلـه المكانة التي يستحقها وتليق بـه، فقال “ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قـال إنـك الـيـوم لدينا مكين أمـين” أي يخص به نفسه دون غـيـره، نـظـرا للقيمة العالية الـتـي يمثلها يوسف في نظر الملك، والخدمات الجليلة التي يمكن أن يقدمها له. فمكنه الملك، أي أتاح له الأسباب والثقة ،فأمنه واستأمنه على تدبير شؤون مملكته.
وأطـوال الـدورات الاقتصادية هي في الغالب كما هيعليه منذ أيـام سيدناُ يـوسـف حتى يومنا هـذا. فقد أثبتت الدراسات التي أجريت على الاقتصاد الأمريكي أن مـعـدل أطـوال الـدورات الاقـتـصـاديـة يـتـراوح بـين 5 و10 سنوات.


الكفاءة في إدارة الموارد


أمـا المـقـصـود بـ “حـفـيـظ”، فليس الـنـزاهـة مـن الفساد والأمـانـة فحسب )كما يتصورالبعض(، فهذا مفروغ مـنـه، وإلا لـقـال إنـي “أمـين” عـلـيـم. ولا عـدم الإسراف والتبذير والتخبط والعشوائية، التي تكلف الخزينة العامة أكثر مما يجب، ولكن المقصود بها “الكفاءة” في استغلال الموارد، أي إدارتها بأقل تكلفة ممكنة، وهذه تشمل كل المعاني السابقة .
والمطلوب الكفاءة في إدارة المـوارد الـنـاضـبـة لـك المستقبل ومـاذا سيحدث بعد الـفـوائـض؟ فالمياه الـنـفـطـيـة مـن الـسـيـاسـات الـثـلاث: المـالـيـة، والـنـقـديـة ،والم ـوارد الـتـي قـد تـكـون وفـيـرة الـيـوم، قـد تنضب أو وسعرالصرف.
تكسد غداً، فلا بد من التحوط لأسوأ الاحتمالات .فمرونة سعرالصرف تساعد على امتصاص صدمات وك ـل دره ـم تـنـفـقـه الـيـوم لـه ثـمـن غ ـداً. فـالـتـبـذيـر النفط، وتنويع الاقتصاد، وتحرير السياسة النقدية ،والإس ـراف فـي الإنـفـاق، إمـا أن يـؤديـا إلـى اسـتـنـزاف بحيث توجه نحو إدارة الـدورة الاقتصادية المحلية ،الموارد عند الحاجة إليها مستقبلا، أو يرفعا معدلات بينما يؤدي ربط العملات إلى شل السياسة النقدية التضخم، وكلاهما سيئ. وسياسة سعرالصرف، وإبـقـاء الاحتياطيات عرضة وعدم الكفاءة في إدارة الموارد لا تعطي أفضل النتائج ،لـلاسـتـنـزاف، والـعـمـلات عـرضـة لـلـمـضـاربـات أثـنـاء ونهايتها الفشل، أما الفساد فيدمر البلاد والعباد .الأزمات الاقتصادية والسياسية الحادة .
إن الـسـمـاح لـسـعـر الـصـرف بـالانـخـفـاض والارتـفـاع تقشف أثناء الرواج مـع سـعـر الـنـفـط، يـسـاعـد على لقد كان يوسف أول اقتصادي بنك التسويات الدولية مواجهة تحديات الإنفاق العام نـعـرفـه اسـتـخـدم سـيـاسـات عند انخفاض مداخيل النفط ،معاكسة للدورة الاقتصادية ،يتبع خطط يوسف وخفض معدلات التضخم عند أي تـقـشـف فـي دورة ال ـرواج ، ارتفاعها.
مـن الاحـتـيـاطـيـات أو تقترض )لتمويل الـعـجـوزات(، والتي لا تستطيع أيـاً من ذلك ،فستكون في وضع صعب وستواجه تحديات كبيرة .
إن ربـط العملات يضع تحديات مضاعفة على دول المجلس، فمن جهة تُستنزف الاحتياطيات للتعويض عـن فـشـل الـسـيـاسـات الـنـقـديـة وسـعـرالـصـرف فـي مـواجـهـة انـهـيـار أسـعـار الـنـفـط، بـسـبـب الـشـلـل الـذي يحدثه الربط، ومن جهة أخرى يتم تحييد جزء كبير مـن الاحتياطيات جانبا لـلـدفـاع عـن أسـعـار الصرف الثابتة.
ومـسـتـويـات الاحـتـيـاطـيـات مـن الـصـرف الأجـنـبـي منخفضة فـي البحرين )عـلـى وجـه الـخـصـوص( مما
يـهـدد بـضـغـوطـات عـلـى الـديـنـار الـبـحـريـنـي مـجـددا ،وأزمـة سعرصرف ربـمـا تـطـال سلطنة عـمـان لتشابه الـظـروف. حينها تكون الـعـدوى قابلة لتطال أعضاء آخـريـن فـي مـنـظـومـة الـربـط الـخـلـيـجـيـة بالدولار ،كالسعودية مثلا.
الصناديق السيادية الخليحية: الأقل شفافية حول العالم
إن التطور الوحيد الذي حققته دول المجلس منذ طفرة الـنـفـط الأولـى فـي سبعينيات الـقـرن المـاضـي هـو في جانب بناء صناديق التحوط )السيادية(، ولكن هذا لا يكفي، فستتآكل هـذه الاحتياطيات في ظل الفشل في التنويع، وفِي إصلاح هيكل إدارة الاقتصاد الكلي ،بتبني نظام سعر صرف وسياسة نقدية أكثر مرونة ،
ويـسـمـح بـتـوجـيـهـهـمـا نـحـو إدارة الدورة الـنـفـطـيـة وتنويع الاقتصاد المحلي.
ولا تزال الـصـنـاديـق الـسـيـاديـة الـخـلـيـجـيـة بـحـاجـة للكثير مـن الإصـلاح والـتـطـويـر. فـهـي الأقـل شفافية حـول الـعـالـم، إذ لا يـعـرف مـا يـدخـلـهـا ولا مـا يخرج مـنـهـا، ولا كـيـف تـدار، ولا تخضع لمعايير المحاسبة والمسؤولية، كما أن أحجامها أصغر مما يفترض أن تكون عليه مـقـارنـة بـالمـداخـيـل الهائلة الـتـي تحققت لدولها خاصة أثناء الطفرة النفطية الأخيرة.

لماذا فشل التنويع الاقتصادي


لـقـد فـشِـلـت دول الـخـلـيـج فـي تـنـويـع اقـتـصـاداتـهـا )عـبـر الـطـفـرات النفطية المـتـعـاقـبـة( لـسـبـبـين: الـوفـرة الـسـيـاسـات لعلمه بتبعاتها وعواقب عـدم تنفيذها، وهذه
السياسات يدعو إليها الآن بنك التسويات الدولية ،واقـتـصـاديـون مـرمـوقـون بـعـد الأزمـة المـالـيـة العالمية 2008 لتجنب تـراكـم الاخـتـلالات فـي الاقـتـصـاد الكلي أثناء فترات الرواج التي تقود إلى أزمات لاحقا.
وكـان هناك إفصاح و شفافية في رسم وتنفيذ هذه السياسات، فيوسف شرح لهم ما هي المشكلة والأزمة المقبلة، وكيفية مواجهتها، وهذا يعزز الثقة واليقين ويدفع الجميع نحو التعاون لإنجاح السياسات في تحقيق أهدافها.
ويـوسـف – عـلـيـه الـسـلام – هـوأيـضـا أول اقـتـصـادي نعرفه استخدم سياسات التحوط بالتخزين والتوفير وتـركـيـم الم ـوارد فـي أوق ـات الـفـوائـض لـتـسـتـخـدم في أوقـات الانكماش، لإدارة الـدورة الاقتصادية بسلاسة
والـتـخـفـيـف مـن حـدة الانـكـمـاش، وهـي نـفـس الـفـكـرة
التي بنيت عليها الصناديق السيادية لإدارة الـدورة النفطية.
إدارة الدورة الاقتصادية بدول الخليج
فـي دول الـخـلـيـج، هـنـاك اعـتـمـاد كـامـل عـلـى الـنـفـط ،وفـشـل فـي الـتـنـويـع، فـشـل فـي الـتـنـبـؤ، ضـعـف فـي التحوط، فشل في إدارة الدورة الاقتصادية )النفطية(؛
لا شـفـافـيـة، لا رقـابـة، لا مـحـاسـبـة، لا مـسـؤولـيـة، بل سياسات ردود أفعال توسعية إسرافية مع الفوائض ،وانكماشية تقشفية وضريبية مع الركود مما يطيل ويعمق أمد الركود.
فدول مجلس التعاون تستخدم نصف سياسة مالية ،سياسة الإنفاق الحكومي في رد فعل موافق للدورة
النفطية، أي توسع في الإنفاق مع الرواج وتقشف مع
الانـكـمـاش، بينما تبقى السياسة النقدية وسياسة سعرالصرف معطلتين بسبب الربط بـالـدولار، وهذا
يـضـع ضـغـوطـات عـلـى الاحـتـيـاطـيـات ويـؤجـج وضـع
الـدورة الاقتصادية، أي يعمق الانكماش مع الركود ،ويرفع التضخم في الرواج.
إن ضيق حيّز السياسات بسبب ربط معظم عملات
دول مـجـلـس الـتـعـاون ب ـال ـدولار، يـضـع – مـن جهة – ضـغـوطـا كـبـيـرة عـلـى الاحـتـيـاطـيـات والـصـنـاديـق الـسـيـاديـة للتعويض عـن فشل الـسـيـاسـات فـي إدارة
ال ـدورة الـنـفـطـيـة، ومـن جـهـة أخـرى يـشـكـل ذلـك عبئا
وهـي سـيـاسـات غـيـر شعبية عليه السلام في فـالـدول ذات أسـعـار الـصـرف لأنها غيرمفهومة. الـثـابـتـة تـواجـه تـحـديـات أكـبـر لكن كانت لدى يوسف القدرة الترشيد خلال الرواج ف ـي الإن ـف ـاق ال ـع ـام بـسـبـب عـلـى الإق ـن ـاع وتـنـفـيـذ هـذه انـهـيـار أسـعـار الـنـفـط، فـإمـا أن تـخـفـض الإن ـف ـاق، أو تـسـحـب
توفر الرؤية والتخطيط السليم أولى خطوات النجاح ومواجهة الأزمات
الاقـتـصـاديـة )الم ـوارد الطبيعية الـهـائـلـة(، والتكلفة السياسية .
فـالـتـنـويـع الاق ـت ـص ـادي ق ـرارس ـي ـاس ـي ولـيـس اقـتـصـاديـاً، ولـه متطلبات )إصـلاحـات( اقـتـصـاديـة وتـكـلـفـة سـيـاسـيـة، ول ـذل ـك ه ـو بـحـاجـة لإرادة سياسية.
وعـمـلـيـة تـنـويـع نـاجـحـة سـتـقـوض نـمـوذج الـنـمـو الريعي الخليجي القائم على استقطاع الريع وإعادة توزيعه بما يتسق وتعظيم فرص البقاء في السلطة ،وسيشكل ذلك تهديدا للنظام السياسي القائم للدولة الـريـعـيـة الـخـلـيـجـيـة. فـالـتـنـويـع ضـد طـبـيـعـة الـدولـة الريعية الأوتوقراطية لأنه يجردها من أهم مقومات بـقـائـهـا وهـي آلـيـة تـوزيـع الـريـع. ولـن تـنـوع الـدولـة الريعية إلا مجبرة، أي عند كساد أو نضوب مواردها الـطـبـيـعـيـة، أو لـتـحـولات اقـتـصـاديـة أو سـيـاسـيـة ضاغطة .
دروس في الرؤية والقيادة من قصة يوسف
إن أول شـرط لـلـقـيـادة وصـنـع الـسـيـاسـة هـو تـوفـر الـرؤيـة. فلابد أن تتوفر لـدى صانع السياسة القدرة على تكوين رؤية مستقبلية، واستشراف لما يمكن أن يـكـون عليه المستقبل، ووضـع سـيـنـاريـوهـات بأسوأ الاحـتـمـالات لأزمـات مستقبلية والإع ـداد لها بوضع الحلول المناسبة استباقيا.
فـهـذه هـي وظـيـفـة ال ـدول ـة، وه ـذا يـتـطـلـب كـفـاءات قيادية وإداريـة خلاقة مبدعة تستطيع تكوين رؤى مـسـتـقـبـلـيـة، ورس ـم وتـنـفـيـذ سـيـاسـات سـلـيـمـة بـنـاء عليها.
فيجب أن تتوفر فيمن يقومون على الخدمة العامة والـقـطـاع ال ـع ـام، مـن وزارات ومـؤسـسـات، ووزراء ومـسـؤولـين، الـقـدرة عـلـى تـكـويـن رؤى لـقـطـاعـاتـهـم واسـتـشـراف لمـا يـكـون عليه المستقبل فـي مجالاتهم ،ووض ـع الـخـطـط المـنـاسـبـة اسـتـبـاقـيـا لـلـتـحـولات والأزمات المقبلة.
وهـذا يتطلب كـفـاءات قـيـاديـة تستطيع اسـتـشـراف المستقبل وتـصـمـيـم الـسـيـاسـات المـنـاسـبـة، وكـفـاءات
إدارية تستطيع تنفيذها. وقد يجمع صانع السياسة بـين الاثـنـتـين كـمـا فـعـل يـوسـف، أي بـين الـتـصـمـيـم والتنفيذ.
فالكفاءات القيادية والإدارية تستطيع جذب وتركيم
رأس المال البشري، وبناء القدرات والكفاءات الوطنية
لأنها بحاجة إليها ولا تخاف منها. ولـو خـاف الملك
من يوسف لما سعى إليه وأخرجه من السجن، وقلده
أعـلـى المـنـاصـب، وأنـقـذ الـبـلاد والـعـبـاد، وحـافـظ على استقرار مملكته .
ولتكوين رؤى واسـتـشـراف سليم للمستقبل، هناك
حاجة لبناء القدرات البحثية على المستوى الوطني ،
وعـلـى مـسـتـوى المـؤسـسـات وال ـوزارات، والاهـتـمـام بـالـبـاحـثـين والأب ـح ـاث والـنـشـر الـعـلـمـي والمـهـنـي ،ومراكمة رأس المال البشري المتخصص، ولن يتم ذلك إذا كانت الإدارة ضعيفة وفاقدة الأهلية.
هدم رأس المال البشري
فـالإدارة الضعيفة وغيرالمتمكنة تخاف من الكفاءات وتحاربها، وتعمل على تفريغ المؤسسة والوزارة منها
لأنها تـرى فيها مصدرمنافسة أو تهديد لمصالحها ولبقائها وبقاء من يرثها في المنصب، وهذا يؤدي إلى
هدم رأس المال البشري وإرسال رسائل خاطئة تحرّف النشء عن بناء قدراتهم، وتؤدي إلى تدهور مخرجات القطاع العام وتآكله .
وعلى قدر كفاءة الإدارة في أي نظام ودولـة، يتحدد
سقف رأس المال البشري فيهما. فـإدارة كفوءة تعطي سقفا مرتفعا، وإدارة ضعيفة تعطي سقفا منخفضا
يحد من تكون رأس المال البشري، ورأس المال البشري هو العنصر الأهـم، والتحدي الأصعب في أيـة عملية تنمية وتنويع اقتصادي. يتبع غداً

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى