تقاريرحوارات وتحقيقات

رمضان في أوغندا: 200 عام من التعايش والتحديات والهوية المتجذرة في المجتمع

مضى أكثر من 200 عام على دخول الإسلام إلى أوغندا، تلك الدولة الواقعة في قلب شرق أفريقيا، والتي يصدح فيها صوت الأذان مبددًا صمت الأحياء في مختلف المقاطعات.

ورغم هذا التاريخ العريق، فإن المسلمين الأوغنديين يواجهون العديد من التحديات التي تتراوح بين الاعتراف بحقوقهم الكاملة كأقلية دينية، والحفاظ على تقاليدهم الإسلامية المتجذرة في المجتمع.

موقع “أخبار الغد“، يستعرض واقع المسلمين في أوغندا من خلال آراء المواطنين، المتخصصين، والمهتمين بالشأن الإسلامي هناك.

تقديرات متباينة حول أعداد المسلمين

أوضح “إيمانويل موتومبا”، أحد المسلمين في أوغندا، أن الإحصائيات الرسمية الحكومية تشير إلى أن عدد المسلمين في البلاد يبلغ حوالي 7 ملايين من أصل 44 مليون نسمة.

ومع ذلك، يؤكد أن هذه الإحصاءات لا تعكس الواقع، مشيرًا إلى أن تقديرات المجلس ترى أن عدد المسلمين يصل إلى 14 مليون نسمة.

“لدينا طريقة خاصة لإحصاء المسلمين، حيث يقوم إمام المسجد في كل منطقة بتعداد المسلمين في منطقته، مما يعطينا أرقامًا أكثر دقة”، أضاف موتومبا.

من جهة أخرى، أشار الباحث الاجتماعي “إلياس سيندا” إلى أن الفجوة في التقديرات تعكس إشكالية تاريخية في تعامل الحكومة مع الأقليات الدينية.

“الإسلام موجود في أوغندا منذ أكثر من 200 عام، لكن المسلمين ما زالوا يعانون من نقص في التمثيل والإحصاءات الرسمية”، يقول سيندا، مؤكدًا أن هذا التناقض يؤثر على وضع المسلمين في السياسات العامة.

التنوع الثقافي والانسجام المجتمعي

وأكدت “فاطمة ناكونا”، ناشطة في حقوق الأقليات الدينية، أن المسلمين في أوغندا يعيشون جنبًا إلى جنب مع بقية الطوائف الدينية دون تمييز، موضحة أن المجتمع الأوغندي بشكل عام متسامح ويقبل التنوع.

“تعتبر أوغندا مثالاً للتعايش بين الأديان، فالمسلمون لهم أماكن عبادة ومؤسسات تعترف بها الحكومة”، تقول ناكونا.

في المقابل، يشير “عبد الكريم موغانغا”، مسلم في مقاطعة جينجا، إلى أن العادات والتقاليد الإسلامية لا تزال مزدهرة في القرى أكثر من المدن الكبرى، حيث يقل التمسك بالعادات الإسلامية تدريجيًا مع تأثير العولمة والتمدن.

“هناك الكثير من التقاليد المتجذرة في المجتمع المسلم الأوغندي، لكنها بدأت تختفي بمرور الوقت، خاصة في العاصمة كامبالا”، أوضح موغانغا.

دور المؤسسات الإسلامية في الحياة اليومية

من جهة أخرى، أكد “محمد بامولو”، ناشط في حقوق الأقليات الدينية، أن المؤسسات الإسلامية في أوغندا تقوم بدور حيوي في المجتمع، حيث يتولى المجلس مسؤولية تنظيم شؤون المسلمين وتعليم الدين الإسلامي في المدارس الخاصة بهم.

“لدينا أكثر من 15 ألف مسجد موزعة على 78 منطقة إسلامية في أوغندا، وهذا يعكس النمو والازدهار الذي يشهده المجتمع الإسلامي هنا”، أشار بامولو.

وأضاف “سليمان كاتومبا”، أحد رجال الأعمال المسلمين، أن المسلمين يشاركون في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك العمل في الحكومة والقطاع الخاص.

“نحن موجودون في كل المجالات، والمسلمون في أوغندا لديهم حضور قوي في الحكومة والأعمال”، قال كاتومبا، مشيرًا إلى أن ذلك يعزز من دور المسلمين في بناء المجتمع.

شهر رمضان: حينما تعم روحانية الشهر الجميع

أكد “عيسى ناكاندا”، أحد سكان العاصمة كامبالا، أن رمضان في أوغندا ليس مجرد حدث ديني للمسلمين فحسب، بل يشارك فيه المجتمع بأكمله.

“حتى غير المسلمين يعلمون بقدوم رمضان، والعديد منهم يشاركوننا الإفطار، وخاصة الأطفال”، يقول ناكاندا مبتسمًا.

وأضاف أن التقاليد الرمضانية تشمل إعداد وجبات الإفطار وتوزيعها على المحتاجين، حيث يجتمع المسلمون في المساجد لتناول الإفطار بعد صلاة المغرب.

في المقابل، أشارت “مريم كاينا”، إحدى الناشطات في المجتمع المدني، إلى أن أجواء رمضان تعكس الوحدة والانسجام بين المسلمين وغير المسلمين في أوغندا.

“هناك عادات جميلة مثل قرع الطبول لإيقاظ الناس لتناول السحور، وهذه العادات لا تزال موجودة في بعض القرى”، تقول كاينا.

وأكدت أن “الدعاء للأموات”، أو ما يعرف بـ”الدواء”، يعد من التقاليد الراسخة التي تحافظ عليها الأسر المسلمة المقتدرة.

الاقتصاد وأثره على المائدة الرمضانية

وعن الوجبات الرمضانية، أوضح “يوسف ناموكولا”، طاهٍ يعمل في أحد المطاعم الشعبية، أن نوعية الوجبات تختلف باختلاف الحالة المادية للمسلمين.

“بعض الناس يتناولون وجبات بسيطة مثل الكاتوغو، التي تتكون من الموز الأخضر المطبوخ مع اللحم أو الفاصوليا، بينما يعتمد البعض الآخر على وجبات تقليدية أكثر تكلفة مثل البيلاو والماتوكي”، قال ناموكولا.

وفي السياق ذاته، أكد “إبراهيم كاكوندا”، أحد سكان منطقة إمبالا، أن الإفطار الجماعي في أوغندا يقتصر غالبًا على المساجد، بينما يفضل البعض تناول وجباتهم في منازلهم أو المطاعم.

“الإفطار في المسجد تجربة مميزة، لكن بالنسبة للبعض الآخر يكون من الأسهل طلب الطعام من المطاعم”، أشار كاكوندا.

الدعوة والنشاط الديني خلال رمضان

أشار الشيخ “محمد كاموجا”، أحد الدعاة المعروفين في أوغندا، إلى أن رمضان يمثل فترة مزدحمة للغاية للدعاة، حيث يتنقلون بين العائلات لتلبية دعواتهم لتناول الإفطار والمشاركة في الدعاء للأموات.

“كل يوم لدي دعوة مختلفة، وهذا يعكس مدى اهتمام العائلات المسلمة بالتقاليد الدينية خلال رمضان”، يقول كاموجا.

وأضافت “زهرة كامبالا”، إحدى المدافعات عن حقوق المرأة المسلمة، أن النساء يلعبن دورًا كبيرًا في إحياء هذه التقاليد، حيث يقمن بتحضير وجبات الإفطار والدعوة للمشاركة في النشاطات الدينية.

“رمضان في أوغندا هو وقت للتواصل الاجتماعي والديني، والنساء هن الأساس في هذه الأنشطة”، تقول كامبالا.

التحديات التي تواجه المسلمين في أوغندا

وعلى الرغم من هذا التنوع الديني والروحانية العالية، فإن المسلمين في أوغندا لا يزالون يواجهون تحديات عدة.

“هناك نقص في التمويل والدعم اللازمين للمؤسسات الإسلامية، والعديد من المسلمين يشعرون بأنهم غير ممثلين بشكل كافٍ في الحكومة”، أشار “عبد الله موكوبي”، ناشط حقوقي.

وأكد “علي موسيسا”، أحد الشباب العاملين في العاصمة، أن المسلمين يواجهون تحديات اقتصادية أيضًا خلال رمضان، حيث يعمل البعض في ظروف صعبة ويحتاجون إلى تأخير السحور للحصول على قوة أكبر أثناء العمل.

“نحن نعمل لساعات طويلة خلال رمضان، لكننا نحرص على المشاركة في الإفطار الجماعي كلما أمكن”، يقول موسيسا.

مجتمع مسلم ينمو بالرغم من الصعاب

حيث يتضح أن المسلمين في أوغندا يمثلون جزءًا حيويًا من المجتمع، بالرغم من التحديات التي تواجههم سواء من حيث الاعتراف الرسمي بعددهم أو تمثيلهم في الحكومة.

ومع ذلك، يبقى رمضان والمناسبات الدينية فرصة لتعزيز الروابط المجتمعية وتأكيد الهوية الإسلامية في هذا البلد المتعدد الطوائف.

تبرز أوغندا كدولة تتيح التعايش السلمي بين الأديان، رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المسلمين. يبقى الأذان رمزًا للوجود الإسلامي في أوغندا، حيث يعيد صوت المآذن الحنين إلى قرون من التقاليد والروحانية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى