“إيكونوميست”: كيف انتصر أحمد الشرع في سوريا؟

نيكولاس بيلهام يكشف وجهًا جديدًا للرئيس السوري أحمد الشرع في تحقيق صحفي مثير
أصدر مراسل مجلة “ايكونوميست” في الشرق الأوسط، نيكولاس بيلهام، تقريرًا متعمقًا يستند إلى شهادات شهود عيان، يكشف من خلاله تطور شخصية الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبو محمد الجولاني) وكيفية تشكيل هويته من منابته العائلية والمناطقية، فضلًا عن تفاعلاته الاجتماعية والجهادية.
يأخذنا البيلهم في جولة إلى صيف 2021، حيث يروي قصة خالد الأحمد، المستشار السابق للرئيس بشار الأسد، وهو يقترب من نقطة عبور تجمع بين مناطق تسيطر عليها الفصائل الإسلامية السنية. يشعر الأحمد، من الطائفة العلوية، بقلق بالغ، حيث كانت تلك المناطق تمثل تهديدًا له كونه وجهًا متعارضًا مع مظهرهم الديني والعسكري. لكن تأتي المفاجأة عندما يستقبله أحمد الشرع بحرارة في مقر قيادته، على الرغم من الفوارق التي تفصل بينهما.
يتناول التقرير تفاصيل ذلك اللقاء الإنساني، حيث يسترجع الأحمد ذكريات طفولته مع الشرع ويتحدثان عن مستقبل سوريا بعد انهيار نظام الأسد. يكشف الأحمد عن طموح الشرع في إعادة بناء دمشق بعد استيلائه على السلطة، مما يضيف طبقة جديدة من التعقيد على شخصية الرجل وكيفية تفاعله مع الأوضاع المتغيرة في بلاده.
وفي تصريح له، قال الأحمد: “لقد رحّب بي كصديق، وليس كعلوي. لقد كان لقاء لم الشمل بعد طول غياب.” هذه الكلمات تعكس التحول العميق في علاقات القوة في سوريا، حيث يمكن للصداقة أن تخترق الحواجز التي فرضتها الظروف السياسية القاسية.
أحمد الشرع: الرجل المرن الذي يحاور الجميع بلا أيديولوجية ثابتة
في ظل التوترات السياسية والاجتماعية المتزايدة في سوريا، يبرز أحمد الشرع كشخصية مثيرة للجدل، قادر على التواصل مع جميع الأطياف والإنتماءات. يتمتع بموهبة فريدة في إقناع كل من يلتقي به بأنه يتبنى قضاياه، مما يجعله شخصية محورية في المشهد السوري.
أحمد الشرع، المعروف أيضاً بأسماء مثل أسامة العبسي الواحدي وعدنان علي الحاج، عاش حياة مليئة بالتغيرات والتحديات. يعتبر البعض أن خدمته في المحادثات مع الجهاديين والليبراليين تعكس مرونته الاستثنائية. يظهر الشرع كشخصية تتجاوز الحدود التقليدية للإيديولوجيات، وهو ما أكده الخبير في الجماعات الجهادية آرون زيلين، قائلاً: “لم يتبن أحمد الشرع أي أيديولوجية معينة.. كانت بوصلته الوحيدة هي القوة. لقد تمكن من البقاء على قيد الحياة لأنه لم يكن لديه أيديولوجية”.
بينما يتحدث البعض عن بلاه الإيديولوجيات، يظل السؤال قائماً حول هوية الشرع الحقيقية وماضيه الغامض. لقد مر بتجارب تشكيل هويته كالأوراق التي تتغير مع فصول السنة، حيث تتكثف الشكوك حول دوافعة الحقيقية في وقت يعيش فيه السوريون في حالة من الانتظار والترقب.
كما صرح أحد تجار النفط الذي زار قصر الشعب في دمشق: “أحمد الشرع رأسمالي حتى النخاع!”، في إشارة إلى قدرة الشرع على التكيف مع مختلف الظروف من أجل تعزيز موقفه.
ومع ذلك، بينما يتمتع الشرع بهذا الغموض والنجاح في البقاء، يشعر السوريون بأن صبرهم بدأ ينفد، وهم ينتظرون منه إثبات الالتزام بالوعود التي أعلن عنها.
أزمة السلطة في سوريا: الشرع تحت الضغوط الدولية لإجراء انتخابات عاجلة
تحت وطأة الضغوط المستمرة من المجتمع الدولي، يواجه بشار الشرع تحديات كبيرة لتأمين حكمه في بلاد مزقتها الحرب، حيث يتداخل مستقبل البلاد مع رغبات متعددة لفصائل مسلحة وتيارات دينية.
يُظهر الوضع الراهن في سوريا صراعًا مستمرًا بين الفصائل المختلفة، التي تتباين في خلفياتها الدينية وولاءاتها السياسية. بينما تسعى بعض الجماعات إلى السيطرة على السلطة، يحث كبار القادة الغربيين وغير الغربيين الشرع على تنظيم انتخابات تضمن تمثيل جميع فئات المجتمع، بما في ذلك العلويين والمسيحيين والأقليات الأخرى. إن فشل الشرع في إدارة هذه المطالب المتزايدة قد يؤدي إلى تفاقم الوضع وزيادة منسوب العنف والفوضى، مما يعكس بشكل واضح أن مستقبل الشرق الأوسط يعتمد على كيفية استجابته لهذه التحديات.
عبر السنين، برع الشرع في تجسيد هويات متعددة، من المتمردين القوميين إلى الجهاديين، مما عكس قدرته على التكيف مع الظروف المتغيرة. ومع ذلك، يواجه الآن خيارات صعبة، حيث تتزايد دعوات المشاركة السياسية من جميع الاتجاهات، وهو ما يواجهه بقلق خشية من انحياز بعض الفصائل إلى الجهاديين، مما يزيد من حدة الفوضى.
“المجتمع الدولي ينتظر خطوات فعلية من الشرع لضمان استقرار سوريا”، يقول أحد المحللين السياسيين. “التحدي الأول هو إدارة العملية السياسية بشكل حكيم لتفادي تصعيد العنف.”
الشرع: رحلة رجل سياسي في زمن التغيرات الجذرية في الشرق الأوسط
في قلب الصراعات السياسية والتحولات التاريخية، تبرز قصة حسين الشرع، الذي تنقل بين هويات متعددة وسط أجواء مضطربة. من شاب يتنكر كجهادي إلى رجل دولة يرتدي البدلة الرسمية، يمثل الشرع رمزاً للتغيرات في الشرق الأوسط.
مرت مسيرة حسين الشرع بمراحل متقلبة منذ أن استولى حزب البعث على السلطة في سوريا، حيث عاين الأحداث من زوايا مختلفة. وُلد الشرع في عائلة ترى في صدام حسين مدافعاً عن قضايا الطائفة السنية، مما جعله يتبنى مواقف قومية شجاعة في وقت كانت فيه هذه النقاشات خطراً في سوريا. بعد تعرضه للاعتقال بسبب نشاطاته السياسية، اختار حسين أن يفر إلى دول عربية أخرى قبل أن يستقر في السعودية، حيث أسس هناك عائلة وبدأت مسيرته المهنية في مجال النفط.
عاد حسين إلى دمشق في عام 1988 ليصبح مستشاراً لرئيس الوزراء مع تأثير كبير على قرار الحكومة السورية في إدارة وزارة النفط. رغم القيود الاقتصادية والدبلوماسية التي فرضتها الأجواء السياسية في عهد حافظ الأسد، كانت له هوية مميزة عكست تحديات الحياة في العاصمة السورية.
“لقد شكلت طفولة أحمد الاجتماعية والمبنية على الصداقة بين الطوائف المختلفة، دليلًا على أن التواصل والتعاون يمكن أن يتجاوز الأزمات السياسية”، كما يصرح أحد أصدقاء العائلة، مشيراً إلى التأثير العميق لعائلة الشرع على الأجيال اللاحقة.
أحمد الشرع: من مراهق خجول إلى قائد جهادي بارز يستقطب الأضواء
يعتبر أحمد الشرع واحداً من أبرز الشخصيات الجهادية التي ظهرت في العراق خلال السنوات الأخيرة، حيث تمكن من التحول من حياة مراهقة هادئة إلى زعيم مؤثر في تنظيم القاعدة، مما أثار اهتماماً واسعاً حول مسيرته وتاريخه.
عاش أحمد الشرع في بيئة معقدة ومليئة بالتحديات، حيث نشأ في عائلة من الجولان وفقد اهتمامه بالمجتمع الذي حوله بسبب تداعيات النزوح والصراعات السياسية في سوريا. لطالما عانى من مشاعر الاغتراب نتيجة لخلفيته العائلية، حيث كانت والده، حسين الشرع، شخصية بارزة تتبنى العلمانية وتشارك في الحراك الفكري الذي شهدته سوريا في أواخر التسعينات. على الرغم من ذلك، بدأ الشرع في البحث عن هويته الجديدة في الإسلام، حيث ارتاد المساجد وشارك في أنشطة دينية ساهمت في تشكيل آرائه السياسية.
“كان أحمد يشعر دائماً بأنه غير مقبول لمجرد كونه ابن الجولان، وكان ذلك يؤثر عليه بشكل كبير”، قال أحد زملائه في الدراسة. ومع مرور الوقت، تطورت اهتمامات الشرع إلى الجهادية بعد الأحداث السياسية التي شهدتها المنطقة، بما فيها غزو العراق عام 2003، مما دفعه إلى الهجرة إلى العراق للانخراط في المقاومة ضد الاحتلال الأميركي.
بحسب أحد الكتاب السوريين، حسام جزماتي، “لم يكن أحمد الشرع في البداية جهادياً متمرساً، بل كان مجرد شاب يبحث عن معنى له في كل ما يحدث من حوله”، وقد أسهم تفاعله مع الأوساط السلفية الجهادية في تأصيل أفكاره وتطوير مهاراته العسكرية. وفي فترة وجيزة، أصبح الشرع معروفاً بموهبته في صناعة المتفجرات وانخرط في تنظيم القاعدة، حيث واصل صعوده في صفوف الجماعة حتى أصبح نائباً للزعيم الأردني أبومصعب الزرقاوي.
دراسة جديدة تكشف كيف ساهم الشرع في تشكيل مشهد “داعش” والثورة السورية
في إطار تحليل تاريخي فريد، تبرز دراسة جديدة التأثير العميق الذي تركه الشرع في تأصيل حركة “داعش” وتأجيج نار الثورة السورية. تكشف الدراسة كيف نجح الشرع في إقناع الأميركيين بأنه جزء من السكان المحليين، مما أثر بشكل كبير على طريقة معاملتهم له وسمح له بالنجاة من معسكرات العزل.
تتوسع الدراسة في تفاصيل تجربته في سجون أميركا، حيث تم احتجازه في سجن أبو غريب ومعسكر بوكا، الذي ضم العديد من الشخصيات البارزة في المشهد الجهادي، مثل أبو بكر البغدادي. تشير الأبحاث إلى أن بداية عام 2011 شهدت إطلاق سراح عدد كبير من الجهاديين من السجون، من بينهم الشرع الذي ساهم في تحويل تنظيم القاعدة إلى “الدولة الإسلامية في العراق”.
مع تسارع الأحداث في المنطقة، وتحديداً مع بداية الاحتجاجات في سوريا في فبراير 2011، أصبحت القضية أكثر تعقيداً. فقد تمثل الشرع كأحد الجهاديين المهيمنين، بعد أن أججت انتفاضة درعا وحشية النظام السوري مشاعر الاحتجاجات.
يقول أحد الباحثين في هذا المجال: “يعتبر الشرع شخصية مركزية في هذا الرصد التاريخي. إذ تمكن من الانتقال من سجين إلى لاعب رئيسي في ميدان المعركة السياسية والنضالية، مضيفاً المزيد من التعقيد لنسيج الصراع في الشرق الأوسط.”
إنشاء جبهة النصرة: تفاصيل الصعود المبكر لتنظيم داعش في سوريا
في تطور مثير للجدل يعود إلى عام 2011، تم الكشف عن المعلومات المتعلقة بصياغة اقتراح لإقامة فرع للدولة الإسلامية في العراق في سوريا تحت مسمى “جبهة النصرة”. هذه المحاولة، التي تمت برعاية حسين الشرع، كانت تهدف إلى تعزيز وجود الجماعة المتشددة في بلاد الشام.
بدأت الأحداث عندما أرسل الشرع، الذي كان يمثل أحد القادة الرئيسيين في تلك الفترة، اقتراحاً موسعاً من ثلاثين صفحة إلى أبو بكر البغدادي. عبر وسطاء، حاول الشرع إقناع البغدادي بأن الأولوية يجب أن تكون لتوسيع نطاق العمليات الجهادية في منطقة الشام. انطلقت هذه الخطة مع مجموعة صغيرة من الأتباع، حاملي بطاقات هوية مزورة وأحزمة ناسفة، للتهرب من القبض عليهم أثناء عملياتهم الاستطلاعية.
بعد تلقي تمويل قدره 50 ألف دولار، استطاع الشرع وأفراد مجموعته التنقل عبر نهر الفرات إلى منطقة الشحيل، التي كانت تعتبر ملاذًا آمنًا للجهاديين في ذلك الوقت. على مدار الأشهر التالية، جال الشرع في مدن سورية متعدة، حيث قام بتعليم أتباعه كيفية تصنيع القنابل وتجميعها.
في حادثة بارزة، تمت أولى العمليات الانتحارية للجماعة في 23 ديسمبر 2011، حيث فجرت امرأتان سياراتيهما المفخختين أمام مبان حكومية في دمشق، مما أسفر عن مقتل المئات. وتبع ذلك تنفيذ عمليات أخرى أدت إلى مزيد من الضحايا، بينما أعلن أحد أفراد جبهة النصرة عبر فيديو نشر في يناير 2012 عن وجود الجماعة ونجاحها في تنفيذ العمليات.
“الجهاد الآن في بلادكم”
صرح أحد الانتحاريين في الفيديو الذي تم تداوله قائلاً: “الجهاد الآن في بلادكم”، مما يعكس عزيمة الجماعة على استقطاب المزيد من المتطوعين للانضمام إلى صفوفها في سوريا.