مقالات ورأى

يوسف عبداللطيف يكتب: خمسون عامًا من العمر… رحلتي إلى مصير حتمي

مع كل عيد ميلاد يمر عليّ، تأتي عبارات التهنئة المعتادة: “عيد ميلاد سعيد”، “كل عام وأنت بخير”، “العمر الطويل”.

لكن كلما تلقيت هذه التهاني، يبدأ شيء داخلي في التساؤل: ما معنى كل هذا؟ هل الاحتفال بمضي عام جديد في حياتي يعكس الفرح حقًا؟ أم أنه تذكير بأن الزمن يمضي بلا رجعة، وأننا نقترب أكثر من النهاية الحتمية التي تنتظرنا جميعًا؟

عند بلوغي اليوبيل الذهبي، بدأت أفكر في معنى الحياة وما حققته خلال هذه السنوات. خمسون عامًا مرت، ولكن بدلاً من الشعور بالسعادة، يغمرني شعور بالخوف والقلق.

العمر الذي أضافته لي هذه الأعوام لم يكن مجرد أرقام تُحتسب، بل هو انقضاء لأيامي في هذا العالم، وتقريب لخطوتي نحو الآخرة.

التفكر في الحياة والموت

مع كل عام جديد يضاف إلى عمري، أشعر أنني أقترب من الموعد الذي لا مفر منه: لقاء الخالق. لا يخيفني الموت بحد ذاته، بل ما بعد الموت هو ما يشغل فكري.

كيف سأقف أمام الله؟ هل استغليت هذه السنوات الخمسين في طاعته والعمل على ما يرضيه؟ أم أنها مضت دون أن أحقق الهدف الحقيقي من وجودي في هذا العالم؟

كلما اقتربت من هذه النهاية المحتومة، ازداد تساؤلي: هل هذه التهاني التي أتلقاها في عيد ميلادي هي تهاني حقًا؟ أم أنها إشارة خفية بأن الوقت يضيق، وأن الحياة الدنيا ما هي إلا وهم زائل؟

في كل مرة يحتفل فيها الناس بزيادة سنة في عمري، أرى أن الحقيقة تكمن في نقصان يوم من أيامي المتبقية، وأنني أقترب أكثر من ذلك اليوم الذي سأقف فيه بين يدي الله للحساب.

معنى الاحتفال: بين الفرحة والخوف

أصبح عيد ميلادي بالنسبة لي لحظة تفكر عميقة. هل من المفترض أن أفرح بمرور عام آخر؟ أم أنني يجب أن أستغل هذه الفرصة لتقييم حياتي؟ الحياة ليست مجرد سنوات نعيشها ونحتفل بها، بل هي فرصة للتوبة، للإصلاح، للاستعداد لما سيأتي بعد هذه الدنيا.

كلما أضافت الحياة عامًا جديدًا إلى عمري، أشعر أنني بحاجة إلى إعادة النظر في أولوياتي، في الطريقة التي أقضي بها وقتي.

إذا كان الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة في هذه الحياة، فكيف يمكننا الاحتفال بمضي الوقت الذي يقربنا منه؟

ربما يكون من الأفضل أن نعتبر كل عام جديد فرصة لإعادة ترتيب أفكارنا وأهدافنا، فرصة للتوبة والاستعداد للقاء الله. قد يكون الاحتفال الحقيقي بعيد الميلاد هو تأمل ما مضى من الحياة وما يمكننا فعله لتحسين ما تبقى منها.

النار والدنيا: دروس من الحياة

لقد شاهدت يومًا ما مشهدًا ظل محفورًا في ذاكرتي: رجل يحترق بنار الدنيا. هذا المشهد، على قسوته، جعلني أفكر في كيف أن الدنيا بكل ما فيها من صعوبات ما هي إلا لحظة عابرة.

إذا كانت نار الدنيا بهذه القسوة، فكيف ستكون نار الآخرة؟! نحن نعيش في هذه الدنيا وكأننا خالدون، نغفل عن حقيقة أن هذه الحياة مجرد اختبار قصير قبل الخلود الأبدي. كل يوم يمر يقربنا من الآخرة، ومع ذلك، نتمسك بالدنيا وكأنها هي الغاية.

الحديث الشريف الذي يقول إن نار الدنيا جزء من سبعين جزءًا من نار الآخرة يذكرنا بأن ما نراه هنا ليس سوى لمحة صغيرة مما ينتظرنا. هذه الحياة مليئة بالتجارب والابتلاءات، لكنها أيضًا فرصة للتوبة والاستعداد.

كلما رأيت النار تلتهم ذلك الرجل، أدركت أن هذه الدنيا ليست سوى مرحلة مؤقتة، وأن الآخرة هي الحقيقية التي يجب أن نستعد لها.

ثلاثة ابتلاءات يومية: فرصة للتأمل

قرأت يومًا ما مقولة تتحدث عن ثلاثة ابتلاءات يصاب بها الإنسان يوميًا. الأول هو نقصان عمره يومًا بعد يوم دون أن يشعر.

الثاني هو أنه يأكل من رزق الله، وسيُسأل عن مصدر هذا الرزق يوم القيامة. أما الابتلاء الثالث فهو اقتراب الإنسان من الآخرة وابتعاده عن الدنيا، ومع ذلك لا يكترث لهذه الحقيقة كما يجب.

هذه الابتلاءات تذكرني بأن الحياة الدنيا ليست سوى اختبار. إذا كان كل يوم يمر يُنقص من عمري ويقربني من الآخرة، فلماذا لا نعيش كل يوم كفرصة للتقرب إلى الله؟

نحن نعيش في عالم مملوء بالانشغالات الدنيوية، لكن الحقيقة تكمن في أن هذه الدنيا زائلة، وأن الآخرة هي الباقية.

التأمل في رحلة العمر

فإن احتفالي باليوبيل الذهبي لمولدي هو احتفال بمرور نصف قرن من التحديات والنجاحات والإخفاقات. لكن الأهم من كل هذا هو التفكير في ما ينتظرنا بعد هذه الحياة.

يجب أن نتذكر أن الوقت لا يتوقف، وأن علينا الاستعداد دائمًا لما هو قادم. العمر ليس مقياسًا للنجاح، بل كيفية استغلاله في طاعة الله وفي السعي نحو الخير.

فاليوم، وأنا أحتفل بهذا اليوم، أدعو الله أن يمنحني الحكمة للاستفادة مما تبقى من عمري، وأن يجعل كل عام قادم عامًا أفضل في طاعته ورضاه .. العمر ليس في السنوات التي تمر، بل في الأثر الذي نتركه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى