رمضان موسكو: بين الثلوج والتقاليد .. حضور إسلامي متزايد رغم التحديات

أكدت موسكو هذا العام تفردها في شهر رمضان المبارك حيث تساقطت الثلوج وانخفضت درجات الحرارة إلى قرب الصفر، إلا أن هذه الظروف لم تثنِ المسلمين عن إحياء الشهر الفضيل بطقوسهم الدينية.
مع تزايد عدد المسلمين في العاصمة الروسية، شهدت المدينة نمواً في عدد المشاركين في الفعاليات الإسلامية والصلوات الجماعية، مما يعكس التغيرات السكانية والثقافية في موسكو.
وأشار الدكتور محمد عبد السلام، أستاذ الدراسات الإسلامية بإحدي الجامعات، إلى أن “الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في روسيا، ومع تزايد عدد المسلمين في موسكو والجمهوريات المجاورة، أصبح هناك اهتمام متزايد بإقامة فعاليات شهر رمضان”.
وأضاف عبد السلام: “هذه الفعاليات ليست مجرد مناسبات دينية، بل تمثل فرصة لتعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي بين المسلمين والروس من مختلف الأديان”. ويؤكد أن هذه الظاهرة تجسد طبيعة التعايش السلمي في روسيا متعددة الأديان والقوميات.
من جهته، أوضح علي الحاج حسن، مقيم في موسكو، أن “الطلب على المساجد يزداد بشكل كبير في رمضان، ومع وجود أربعة مساجد فقط في العاصمة، نواجه تحديات في توفير الأماكن الكافية للمصلين”.
وأضاف الحاج حسن: “نأمل في المستقبل أن تتم الموافقة على بناء مساجد جديدة تلبي احتياجات المجتمع المسلم المتزايدة”.
وأشارت سلمى إبراهيم، مقيمة في موسكو من أصول مصرية، إلى أن “التنوع الكبير بين المسلمين في موسكو يمنح الشهر الفضيل طابعاً فريداً.
نرى مسلمين من أصول روسية، وقوقازية، ومن جمهوريات آسيا الوسطى يتشاركون في الإفطار والتراويح، مما يعزز الشعور بالانتماء والتواصل بين مختلف الجاليات الإسلامية”.
فيما أشار الدكتور خالد الأحمد، خبير في شؤون الجاليات الإسلامية، إلى أن “الجالية الإسلامية في موسكو أصبحت أكثر تنظيماً في السنوات الأخيرة، حيث تنظم فعاليات رمضانية كبرى مثل الخيام الرمضانية التي تجذب الكثير من المسلمين وغير المسلمين”.
وأضاف الأحمد: “هذه الفعاليات تلعب دوراً هاماً في تعزيز الصورة الإيجابية عن الإسلام والمسلمين في روسيا”.
وأوضح محمود عليوي، مواطن لبناني يعيش في موسكو منذ أكثر من 15 عاماً، أن “إحياء رمضان في موسكو يتطلب بعض التكيف مع العادات المحلية والظروف المناخية، ولكن هذا لم يمنعنا من الاستمتاع بالشهر الفضيل. نلتقي مع أصدقائنا وعائلاتنا في موائد الإفطار الجماعية التي أصبحت تقليداً مهماً هنا”.
وأكد ياسين مصطفى، شاب من جمهورية تتارستان ويقيم في موسكو للدراسة، أن “السنوات الأخيرة شهدت اهتماماً متزايداً من الشباب المسلم بالأسئلة الدينية، وخاصة ما يتعلق بالصيام والعبادات”.
وأشار مصطفى إلى أن “المواقع الإسلامية وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت مصدراً رئيسياً للمعلومات الدينية، مما يساهم في توعية الشباب حول المسائل الشرعية”.
وفي السياق ذاته، أشار الدكتور يوسف كريم، أستاذ علم الاجتماع في إحدي الجامعات، إلى أن “شهر رمضان في روسيا يمثل فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين”.
وأضاف: “نلاحظ أن العديد من الروس غير المسلمين يشاركون في الفعاليات الرمضانية، مما يساهم في تعزيز التفاهم الثقافي والديني بين مختلف مكونات المجتمع الروسي”.
وفيما يخص الجانب الروحي، أكد عبد الله السعيدي، مدير إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية، أن “شهر رمضان هو فرصة للمسلمين لممارسة أعمال الخير وتقديم المساعدات للفقراء”.
وأوضح السعيدي أن “مبادرات مثل حقيبة البركات تلعب دوراً كبيراً في نشر القيم الإنسانية وتعزز روح التضامن بين المسلمين”.
من جهة أخرى، أوضحت فاطمة محمود، ناشطة سياسية مقيمة في موسكو، أن “التحدي الأكبر الذي يواجه المسلمين هنا هو قلة الأماكن المخصصة للصلاة، وخاصة صلاة الجمعة والتراويح”.
وأضافت: “رغم هذا، نجد أن الجاليات الإسلامية تنظم الفعاليات في مختلف أنحاء المدينة، مما يسهم في تجاوز هذه العقبة”.
كما أشار إبراهيم الشافعي، خبير في الشؤون الإسلامية، إلى أن “التجربة الرمضانية في موسكو تختلف عن غيرها من البلدان الغربية،
حيث أن المسلمين هنا هم جزء أصيل من المجتمع الروسي، وليسوا مهاجرين كما في أوروبا”. وأكد الشافعي أن “هذا يجعل التقاليد الإسلامية جزءاً من التراث الثقافي الروسي”.
وأكدت نورا البصري، طالبة من أصول عراقية، أن “شهر رمضان في موسكو يمنح فرصة فريدة للتعرف على تقاليد المسلمين من مختلف الجنسيات.
الإفطار الجماعي يمثل تجربة ثقافية غنية، حيث نتشارك الأطباق والتجارب الدينية”. وأضافت: “رغم البرد والثلوج، نجد دفء الروح في التجمعات الإسلامية”.
وأكد مروان قاسم، أحد المسلمين في موسكو، أن “شهر رمضان يمثل فرصة لتعزيز الهوية الإسلامية والتفاعل مع المجتمع الروسي.
نأمل في المستقبل أن تتوسع الفعاليات الرمضانية لتشمل مزيداً من الأماكن والأنشطة التي تساهم في تعزيز التفاهم بين مختلف الديانات والثقافات في روسيا”.
يمثل شهر رمضان في موسكو تفاعلاً فريداً بين الهوية الإسلامية والتقاليد الروسية المتعددة الثقافات. يتزايد عدد المسلمين في العاصمة، مما يطرح تحديات تتعلق بالبنية التحتية الدينية واستيعاب الجالية المسلمة.
ورغم هذه التحديات، يستمر المسلمون في تعزيز الروابط الاجتماعية وتوسيع المشاركة في الفعاليات الدينية والاجتماعية، مما يسهم في تعزيز القيم الإنسانية والتواصل الثقافي.