رمضان تحت الركام: صمود غزة بين الحصار والجوع ودمار الأحلام المتساقطة

في قلب الركام وتحت سماء غزة المثقلة بالحزن، يعيش سكان القطاع أيام رمضان بروح لا تنكسر .. بينما يجتمع المسلمون حول موائد الإفطار، يجد أهل غزة أنفسهم أمام تحديات تتجاوز الصيام، معاناة يومية تتجسد في نقص الموارد، الدمار، والحصار المستمر الذي يخنق أحلامهم.
أكد أحمد شهاب، أحد سكان بيت لاهيا شمال قطاع غزة، أن رمضان في ظل الدمار الذي يخيم على القطاع ليس مجرد شهر صيام وعبادة، بل أصبح اختبارًا للإرادة والصبر.
وقال شهاب: “رغم أن الدمار أحاط بنا من كل جانب، فإننا لا نتخلى عن عاداتنا الرمضانية. نحاول جاهدين أن نحافظ على الجو الروحاني للشهر الكريم وسط هذا الخراب.
لا توجد وسائل راحة حقيقية هنا، ولكننا نحرص على إعداد مائدة الإفطار البسيطة من الموارد المتاحة، رغم الصعوبات التي تزداد يومًا بعد يوم.”
وأضاف: “الكهرباء تنقطع بشكل مستمر، والماء لا يكفي حاجاتنا الأساسية، لكننا نواصل حياتنا بالإصرار. هذا الدمار لن يكسر عزيمتنا.”
وأشار محمد أبو كاشف، أحد العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، إلى أن الوضع في غزة يتفاقم يومًا بعد يوم، وخاصة في شهر رمضان.
وقال: “الأسر هنا تعاني بشدة من نقص المواد الأساسية. لا يوجد سوى عدد قليل من الجمعيات الخيرية التي تقدم المساعدات، لكن احتياجات السكان تفوق بكثير ما يمكن أن يقدموه. الوضع الإنساني كارثي بكل المقاييس.”
وأوضح أبو كاشف: “الكثير من العائلات فقدت منازلها وأقاربها بسبب القصف، ومع ذلك نجدهم يحاولون جاهدين الالتفاف حول عاداتهم الرمضانية، كأنهم يعيدون بناء ما تبقى من ذاكرتهم وسط هذا الدمار.”
بدورها أوضحت سعاد الحلو، ربة منزل من سكان غزة، أن الحياة تستمر رغم الظروف الصعبة، ولكن بمرارة كبيرة.
وقالت: “رمضان هذا العام مختلف عن أي عام آخر، نحن نصوم ونعاني في نفس الوقت. لا نستطيع أن نوفر حتى أبسط الأشياء على مائدة الإفطار. بعض الأيام نكتفي بالقليل من الخبز والماء، ولكن رغم ذلك نحرص على الاجتماع كأسرة واحدة في هذا الشهر الفضيل. هذا التلاحم الأسري هو ما يمدنا بالقوة لمواجهة الصعاب.”
من جهته، أكد الدكتور سامي منصور، أخصائي نفسي، أن آثار الحصار والدمار لا تؤثر فقط على الظروف المعيشية بل تترك جروحًا نفسية عميقة لدى سكان غزة.
وقال: “الكثير من الأطفال والنساء يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة للعيش في هذه البيئة المحطمة. شهر رمضان يمثل لهم بصيصًا من الأمل والطمأنينة، ولكن صعوبة توفير الاحتياجات الأساسية تزيد من معاناتهم.”
وأضاف منصور: “الأمل الوحيد يكمن في استمرار الأسر بمحاولة الحفاظ على عاداتهم الرمضانية، فهذا يساعد على استقرارهم النفسي ولو قليلاً في ظل هذه الكوارث المتلاحقة.”
وأشارت مريم حسونة، ناشطة حقوقية، إلى أن العالم يغض الطرف عن ما يحدث في غزة، رغم الكارثة الإنسانية التي تتفاقم يومًا بعد يوم.
وقالت: “أكثر ما يؤلمنا هو أننا نعيش في حصار دائم، بينما يتفرج العالم علينا دون أن يحرك ساكنًا. هذا الدمار ليس فقط نتيجة للحرب، بل نتيجة للتجاهل الدولي واللامبالاة تجاه معاناة سكان غزة.”
وأضافت: “حتى في شهر رمضان، حيث يُفترض أن تتوفر المساعدات وتخفيف المعاناة، نجد أن الأوضاع تزداد سوءًا بسبب نقص الموارد واستمرار الحصار.”
من جانبه، أوضح محمود دغمش، بائع في سوق شعبي، أن الأسواق في غزة تشهد ركودًا كبيرًا خلال رمضان، نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وقال دغمش: “كان رمضان في السنوات الماضية يمثل فرصة لنا للتجارة وكسب لقمة العيش، ولكن الآن، الناس بالكاد يستطيعون شراء الطعام الأساسي. الأسعار مرتفعة والموارد شحيحة، وهذا أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين.” وأشار إلى أن “الأمل في أن تتحسن الأوضاع ضعيف، لكننا نحاول الصمود بقدر الإمكان.”
وأشار الحاج خليل أبو عودة، وهو رجل مسن من سكان جباليا، إلى أن الحياة في غزة أصبحت تحديًا يوميًا، وليس فقط خلال شهر رمضان.
وقال أبو عودة: “لقد عشنا في ظل الحصار والدمار لسنوات طويلة، ونحن نعلم أن الحياة لن تكون سهلة. لكن في رمضان، تشعر أن المعاناة تزداد بشكل أكبر.
حتى الأشياء البسيطة التي كنا نعتبرها من البديهيات أصبحت الآن من الصعب تحقيقها، مثل توفير طعام الإفطار لعائلتي.” وأضاف: “رغم ذلك، نحن مستمرون في حياتنا ومتمسكون بعاداتنا، فنحن لم نعد نملك سوى الأمل والصبر.”
وأكدت نهى الديراوي، طالبة جامعية من سكان غزة، أن الشباب يعانون بشكل خاص من الظروف المعيشية الصعبة، حيث يواجهون تحديات كبيرة في مواصلة دراستهم والحصول على فرصة عمل.
وقالت الديراوي: “الدمار ليس فقط ماديًا، بل نفسيًا أيضًا. الكثير من الشباب يشعرون بالإحباط وفقدان الأمل في المستقبل. في رمضان نحاول أن نتجاوز هذه الصعوبات، لكن الحياة أصبحت تحديًا كبيرًا بالنسبة لنا.”
وأضافت: “أحلم بأن أتمكن من إكمال دراستي والعمل في مجال تخصصي، لكن في ظل هذه الأوضاع، يبدو هذا الحلم بعيد المنال.”
بدوره، أوضح إبراهيم شعت، أستاذ الاقتصاد بإحدي الجامعات، أن الحصار المفروض على غزة أثر بشكل كبير على الاقتصاد المحلي، مما زاد من معاناة المواطنين خلال شهر رمضان.
وقال شعت: “الحصار الاقتصادي هو السبب الرئيسي في تدهور الأوضاع المعيشية. لا توجد فرص عمل حقيقية، والبطالة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. هذا يؤثر على القدرة الشرائية للأسر،
وبالتالي نجد أن الكثير منهم يعانون من نقص الطعام والموارد الأساسية، خاصة في شهر رمضان.” وأضاف: “يجب أن يكون هناك تدخل دولي لإنهاء هذا الحصار الجائر، وإلا فإن الأوضاع ستستمر في التدهور.”
وأشار المهندس زياد الخطيب، خبير في إعادة الإعمار، إلى أن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في غزة يجعل من الصعب على الأهالي ممارسة حياتهم الطبيعية، خاصة خلال المناسبات الدينية مثل رمضان.
وقال الخطيب: “الكثير من المنازل تضررت بشكل كبير ولا يمكن ترميمها بسبب نقص المواد اللازمة للإعمار. هذا يجعل الأسر تعيش في ظروف قاسية للغاية. في رمضان، يحاول الناس جاهدين الحفاظ على عاداتهم، لكن العيش وسط هذا الدمار يجعل الأمر شبه مستحيل.”
وأكدت إيناس البيوك، طبيبة من غزة، أن القطاع الصحي يعاني بشكل كبير خلال شهر رمضان بسبب نقص الأدوية والإمدادات الطبية.
وقالت البيوك: “نحن نعمل بظروف صعبة للغاية، خاصة في ظل تزايد أعداد المرضى الذين يعانون من سوء التغذية أو الأمراض الناتجة عن الظروف المعيشية السيئة.
في رمضان، تتفاقم هذه المشاكل بسبب نقص الغذاء والمياه النظيفة، مما يزيد من العبء على القطاع الصحي.” وأضافت: “الوضع خطير جدًا، وإذا لم يتم التدخل لتوفير الإمدادات الطبية، سنواجه كارثة صحية حقيقية.”
وأشارت هناء شراب، باحثة اجتماعية، إلى أن المجتمع الغزي يعاني من تفكك اجتماعي نتيجة الظروف الصعبة، مما يزيد من التوترات بين الأسر.
وقالت شراب: “الكثير من العائلات تفقد تماسكها بسبب الضغوط الاقتصادية والمعيشية. في رمضان، نلاحظ أن الكثير من الأسر تعاني من ضغوط إضافية نتيجة عدم قدرتها على توفير الاحتياجات الأساسية، وهذا يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية.”
وأضافت: “يجب أن يكون هناك دعم أكبر للأسر المتضررة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة والحفاظ على التماسك الأسري.”
وأشار الناشط الإنساني عبد الله عبيد، إلى أن الحلول الحقيقية لمشكلات غزة تكمن في إنهاء الحصار وإعادة إعمار القطاع.
وقال عبيد: “ما يحدث في غزة هو كارثة إنسانية متكاملة. رمضان يمثل لنا فرصة للتضامن والصمود، لكنه أيضًا يكشف عن حجم المعاناة التي نعيشها يوميًا. الحل الوحيد هو الضغط الدولي لإنهاء الحصار وفتح الباب أمام إعادة الإعمار، لكي نتمكن من العودة إلى حياة طبيعية.”
ورغم الحصار والدمار، يواصل أهل غزة صمودهم، متمسكين بالأمل والإصرار على الحياة. رمضان الذي يُفترض أن يكون شهرًا للسلام والطمأنينة، هنا في غزة يتحول إلى معركة يومية للبقاء. الأمل الوحيد يكمن في إنهاء الحصار، لإعادة بناء حياة تحت أنقاض الأحلام المتكسرة.