رمضان: بين العادات العريقة والتقاليد الشعبية .. اختلافات وتقاليد عميقة تجسد الروحانية

مع حلول شهر رمضان المبارك كل عام، تبدأ التحضيرات لاستقبال هذا الشهر الكريم بطريقة مليئة بالبهجة والتقاليد المتنوعة.
وبينما تتشابه روحانية الشهر الفضيل في العالم الإسلامي، تختلف الممارسات والعادات من دولة لأخرى، وكل بلد يضفي طابعه الخاص على رمضان، من الأناشيد الرمضانية إلى المساجد الكبرى وطقوس المسحراتي والمشروبات الشهيرة التي تُزين موائد الإفطار.

الأناشيد الرمضانية: صوت التراث يصدح بقدوم الشهر الفضيل
أوضح عبدالله محمود، خبير في التراث الشعبي المصري، أن الأناشيد الرمضانية تعد جزءًا أساسيًا من استقبال رمضان، وتبعث في النفوس إحساسًا بالاحتفال.
“أغنية ‘رمضان جانا’ لمحمد عبد المطلب التي غناها لأول مرة في عام 1943 ما زالت حتى اليوم جزءًا من طقوس رمضان. هي أيقونة تمزج بين التراث المصري والروحانيات الرمضانية، ويحرص الجميع على ترديدها مع حلول الشهر”.
وأشار خالد العتيبي من قطر، إلى أن أغنية “رمضان جانا” أصبحت واحدة من أشهر الأغاني الرمضانية في العالم العربي. “تتردد هذه الأغنية في كل بيت قطري، سواء عبر التلفاز أو الراديو، وتعد إشارة واضحة لبداية الشهر الفضيل وتضيف نكهة خاصة للأجواء الرمضانية”.
في المغرب، أوضحت ليلى عبد القادر، أن الموسيقى التقليدية في رمضان تختلف عن باقي الدول. “في كل عام، ومع رؤية هلال رمضان، يُبث على التلفزيون العمومي المغربي عزف موسيقى تقليدية تسمى ‘تهلالت’، وهي ترتبط بروح صلاة الفجر وتذكر الناس بجوهر رمضان الروحاني”.
مسميات رمضان: تنوع العبارات وعظمة المعاني
أشار الدكتور جمال حسن، أستاذ جامعي، إلى أن الأسماء المتعددة التي يُطلقها المسلمون على شهر رمضان تعكس قيمة هذا الشهر وأهميته الروحية.
“شهر الرحمة، شهر المغفرة، وشهر البركة، كلها أسماء تعكس جمال وروحانية هذا الشهر. في كل اسم، نجد دلالة على ما يحمله الشهر من قيم دينية عظيمة تذكر المسلمين بضرورة الاستغفار والتوبة”.
وفي الكويت، أوضحت فاطمة عبد الله، باحثة اجتماعية، أن مسمى “الشهر الفضيل” هو الأكثر انتشارًا في بلادها.
“هذا المسمى يعزز الإحساس بالتقدير والتبجيل للشهر، مما ينعكس على السلوك اليومي، سواء من خلال الإفطار الجماعي أو المشاركة في الصلاة في المساجد الكبرى مثل مسجد الدولة الكبير”.
صلاة التراويح: المساجد في رمضان مقصد للتقوى والتجمع
أكد الشيخ يوسف الحداد، مقيم في قطر، أن صلاة التراويح تجمع الناس من مختلف المناطق، ليعمروا المساجد بالصلاة والدعاء.
“خلال شهر رمضان، تصبح المساجد مركزًا للتجمع الروحاني، حيث يتوافد الناس بكثرة لأداء التراويح. الأجواء في المسجد تكون ممتلئة بالروحانية، وتعزز الإحساس بالأخوة الإسلامية”.
في المغرب، تحدث عبد الحق سعيد، أحد مرتادي المصليات الخارجية في مدينة سلا، عن ظاهرة المصليات المفتوحة التي تقام خصيصًا لاستقبال المصلين في رمضان.
“المصليات الكبيرة المُعدة لتراويح رمضان تجذب الآلاف من المصلين، وتمنحهم فرصة لأداء الصلاة جماعة في أجواء مفتوحة، مما يعزز روح الجماعة والترابط”.
أما في الأردن، أوضح أيمن الطراونة، أحد المصلين في مسجد الملك عبد الله الأول، أن المسجد الكبير في عمان يشهد إقبالًا غير مسبوق في رمضان.
“هذا المسجد بقبتِه الزرقاء يضم مصلين من مختلف أنحاء المملكة. خلال الشهر الفضيل، تتحول الأجواء هنا إلى مزيج من الإيمان والتواصل المجتمعي”.
مدفع الإفطار: تقليد رمضاني بين الماضي والحاضر
أشار الباحث التاريخي أحمد علي، إلى أن مدفع الإفطار كان ولا يزال جزءًا من تقاليد رمضان الشعبية في العديد من الدول العربية.
“بداية هذا التقليد تعود إلى العصور المملوكية، وتحديدًا إلى عهد الوالي خوش قدم في القرن التاسع الهجري. وما زال المدفع يُطلق في مصر والعديد من الدول العربية كإشارة لبدء الإفطار، وهو تقليد يُعيد الناس إلى عبق التاريخ”.
أما في الكويت، أشار عبد الله الخالدي، إلى أن مدفع الإفطار ما زال يتمتع بشعبية كبيرة. “على الرغم من التطورات التكنولوجية، فإن المدفع الرمضاني يُطلق في المناطق الرئيسية في الكويت، خاصة في الأماكن العامة، ليمنح الجميع شعورًا بالاحتفال الجماعي”.
مشروبات رمضان: طقوس مميزة على موائد الإفطار
أوضحت الدكتورة ندى سعيد، خبيرة التغذية، أن المشروبات الرمضانية تُعد من أبرز الطقوس المرتبطة بالشهر الفضيل.
“في دول الخليج، يُعتبر ‘فيمتو’ المشروب الرمضاني الأبرز، فهو مشروب تقليدي على كل مائدة إفطار. يتميز بنكهته الخاصة التي تعيد للكثيرين ذكريات الطفولة المرتبطة برمضان”.
في مصر، تحدث محمود العطار، صاحب محل لبيع العرقسوس، عن دوره في الحفاظ على هذه العادة الرمضانية.
“العرقسوس مشروب رمضاني مصري أصيل، ولا يمكن أن يكتمل الإفطار بدونه. هناك شيء في نكهته يُنعش الروح ويُعيد الإحساس بأجواء رمضان التقليدية”.
أما في سوريا، أشار خالد حمود، صاحب متجر لبيع قمر الدين، إلى أن هذا المشروب يُعد عنصرًا أساسيًا في الإفطار.
“قمر الدين هو رمز للأصالة السورية، ويعتبر أحد المشروبات الأكثر شهرة في رمضان، لما له من فوائد صحية ودوره في تعويض الجسم عن السوائل”.
المسحراتي: صوت الليل الذي لا يُنسى
أوضح مصطفى محمود، أحد المسحراتية في حي السيدة زينب في القاهرة، أن مهنة المسحراتي ما زالت مستمرة، وإن كانت بأعداد أقل.
“المسحراتي جزء من التراث الشعبي المصري، ودوره في إيقاظ الناس لتناول السحور لا يزال له احترامه الخاص، على الرغم من تراجع الحاجة له مع وجود الهواتف والمنبهات”.
في السعودية، تحدث أحمد الجابري، أحد سكان مكة المكرمة، عن ذكرياته مع المسحراتي في حيّه. “في رمضان الماضي، كان المسحراتي يجوب الشوارع ويقرع على الطبل. لكن اليوم، قلما نراه، إلا أن صوته كان جزءًا من تجربتي الرمضانية منذ الطفولة”.
في المغرب، أوضح الباحث في التراث الشعبي عبد الله بن حسان، أن المسحراتي في المناطق المغربية كان يُعتبر أكثر من مجرد منادٍ للسحور. “في بعض المدن، كان المسحراتي يعزف على المزمار ويردد أناشيد دينية، مما يجعل تجربته مميزة وفريدة”.
عادات رمضانية حول العالم: طقوس خاصة ورموز تعبيرية
أكد محمد فؤاد، باحث في الثقافات الإسلامية، أن الشعوب الإسلامية تحتفي بشهر رمضان بطقوس تتنوع وتختلف بين دولة وأخرى.
“في إندونيسيا، يغتسل المسلمون في النهر بالماء والليمون، وهو طقس رمزي يعتقدون أنه يُطهّر الجسد استعدادًا للصيام. هذه العادة تجمع بين النظافة الجسدية والروحانية، وتُضفي أجواء احتفالية لبدء الشهر”.
في أفغانستان، أوضحت الباحثة زينب الهاشمي، أن الشعب الأفغاني يحتفل بانتهاء شهر رمضان برقصة “الأتان”،
وهي رقصة تقليدية تُمارس على نطاق واسع بعد الإفطار الجماعي. “هذه الرقصة تعبر عن فرحتهم بقدوم عيد الفطر وتحررهم من الصيام”.
أما في جزر القمر، تحدث خالد يونس، عن الطقوس الخاصة برمضان في بلاده، حيث يحمل السكان المشاعل ويتوجهون إلى السواحل مع بداية الشهر.
“هذه الطقوس تُضفي أجواء روحانية خاصة، حيث يعكس نور المشاعل على المياه ويقرع السكان الطبول، احتفالًا بقدوم الشهر الفضيل”.
رمضان، شهر الرحمة والبركة، يظل محفورًا في ذاكرة المسلمين عبر العصور بتقاليده الغنية وطقوسه الفريدة التي تتباين من بلد لآخر، لكنها تتحد في الهدف الروحاني المشترك.