
الاعتراف ليس ضعفًا، بل قوة فالإنسان الذي يراجع نفسه ويكشف عن أخطائه علنًا، إنما يعبر عن شجاعة نادرة، تدل على نضج سياسي ووطني. فالمراجعة ليست تراجعًا، بل هي شهادة على الضمير الجمعي للأمم، الذي لا يخشى النقد، بل يتجدد به، ويستمد منه قوته وعافيته.
تابعتُ مراجعات حمدين صباحي في يناير الماضي، وأثنيتُ على شجاعته في إعادة النظر في بعض مواقفه السياسية. فالمراجعة الصادقة والاعتراف بالأخطاء ليسا ضعفًا، بل هما دليلٌ على شجاعة الإنسان في مواجهة ذاته قبل مواجهة الآخرين.
ولأنني أؤمن بأن تاريخ مصر حلقاتٌ متصلة ومتواصلة، فإنني، كما بدأ صديقي حمدين صباحي مراجعته في 25 يناير 2025، في ذكرى انطلاقة ثورةيناير المجيدة، أبدأ اليوم، في 9 مارس 2025، في ذكرى ثورة 1919، أول وأعظم الثورات الشعبية المصرية، لأضع أمامكم 20 اعترافًا صادقًا، أتحمل فيها نصيبي من الأخطاء، دون أن أعفي أحدًا من مسؤوليته، ودون أن أحمّل أحدًا وزر ما لم يشارك فيه.
20 اعترافًا على طريق التصحيح
1. أعترف، بأسفٍ وحسرة، أن ثورة يناير لم تحقق لمصر كل ما طمحنا إليه. فبعد مرور 14 عامًا، علينا أن نقرّ بأن التحول الديمقراطي لم يكن لحظة خاطفة، بل عملية ممتدة تحتاج إلى استراتيجية وصبر. لم نبذل جميعًا جهدًا متجردًا لصياغة خارطة طريق بحجم مصر وبروح الثورة.
2. أعترف أن تغليب المصالح الحزبية والأيديولوجية جعلنا نفشل في تقديم بديل وطني توافقي يُعبّر عن الثورة ويكون عنوانًا لها. لم نحدد أهداف المرحلة الانتقالية بدقة، مما فتح الباب للفوضى والصراعات بدلاً من بناء رؤية جامعة للمستقبل.
3. أعترف أنني ساهمت، دون قصد، في غياب خارطة طريق واضحة للمرحلة الانتقالية، واكتفيت بتوافقات سطحية لم أنتبه إلى هشاشتها وقصر عمرها. انشغلنا بمحاربة الماضي أكثر من رسم ملامح المستقبل.
4. أعترف أن الخطاب السياسي كان أحيانًا شعبويًا أكثر مما ينبغي، قائمًا على رفض الواقع بدلًا من تقديم حلول واقعية تطمئن الداخل وتخفف من مخاوف الإقليم.
5. أعترف أننا استهَنّا بقدرات الدولة العميقة، وبدلًا من تعزيز الشراكة الوطنية، دخلنا في صراعات مبكرة، فانشغل الجميع بمعارك النفوذ، وأُغلقت أبواب التوافق قبل أوانها.
6. أعترف، رغم رفضي استفتاء مارس2011، أنني لم أعارض بالقدر الكافي استعجال الانتخابات البرلمانية، مما أدى إلى برلمان لم يكن معبرًا عن روح الثورة كما ينبغي.
7. أعترف أنني لم أنجح في إقناع القوى الإسلامية بأن غرور الانتصار البرلماني لا ينبغي أن يعميها عن ضرورة توسيع الشراكة. وعندما سعت لذلك، كان الوقت قد فات.
8. أعترف أنني أخطأت حين قبلت انتخابي عضوًا ثم وكيلًا في الجمعية التأسيسية للدستور، رغم أن البرلمان الذي انتخبها لم يكن يمثل كل شركاء الثورة.
9. أعترف أن إصدار الإعلان الدستوري 2012 كان خطأً فادحًا، حتى وإن تم التراجع عنه لاحقًا، إذ ترك جرحًا عميقًا في صفوف القوى السياسية.
10. أعترف أنني أخطأت حين اعتذرت عن تشكيل حكومة ائتلافية في 13 أبريل 2012، رغم أن رفض بعض القوى لم يكن ينبغي أن يدفعني إلى التخلي عن المحاولة.
11. أعترف أنني شاركت في اجتماعات القوى المدنية التي رفضت الحوار مع محمد مرسي، ولم أفصح عن بعض ما تلاحظ لي من مواقف، واكتفيت بالانسحاب، مما زاد الأزمة تعقيدًا.
12. أعترف أننا لم ندرك حجم التدخلات الإقليمية في المشهد المصري، مما جعل بعض القوى تقع في تحالفات مصلحية لم يُكشف عنها حتى اليوم.
13. أعترف أن الحراك الشعبي في 30 يونيو كان تعبيرًا عن غضب حقيقي، بغض النظر عن استغلاله لاحقًا.
14. أعترف أن هذا الغضب تم توظيفه لإجهاض المسار_الديمقراطي، وتحويله إلى أداة انقلابية استمرت آثارها الكارثية لـ14 عامًا.
15. أعترف أن الإعلام الذي شاركتُ في صناعته كان في بداياته عاطفيًا وصداميًا، مما حوّل المعركة السياسية إلى صراع صفري، زاد من حالة الانقسام.
16. أعترف أن الخلافات البينية بين القوى في الخارج أضرت بالحركة الوطنية وأضعفتها، بينما استفاد منها الطرف الآخر.
17. أعترف أن الخطاب السياسي ركّز على لوم الماضي أكثر مما ركز على بناء المستقبل، مما جعلنا نغرق في دوائر لا تنتهي من الجدل العقيم.
18. أعترف أننا وقعنا في خطأ الخلط بين الإعلامي والسياسي، مما أدى إلى تشويه صورة كليهما، وجعل الجميع خاسرًا إلا النظام.
19. أعترف أن المعارضة، سواء في الداخل أو الخارج، لم تنجح حتى الآن في توحيد صفوفها أو تقديم مشروع مشترك قادر على إحداث تغيير حقيقي.
20. أعترف أن العديد من التحالفات السياسية لم تقم على أسس واضحة، مما جعلها قصيرة الأجل ومليئة بالأزمات لاحقًا.
هذا بياني للناس، واعترافاتي للتاريخ، ولكن… ماذا بعد؟
الاعتراف ليس غايةً في ذاته، بل وسيلة للتصحيح. لن نصحح أخطاء الماضي بالبكاء على الأطلال، بل بوضع رؤية واضحة للمستقبل، والتوحد حول مشروع ديمقراطي حقيقي يتجاوز الانقسامات، ويستعيد الوطن للجميع.
فالمراجعة ليست ضعفًا، بل شجاعة، والأمل لم ينتهِ، بل لا يزال حاضرًا، وسيظل كذلك حتى نستعيد مصر الحرة الديمقراطية.