
يخشى الكثيرون من أن تؤثر الأجهزة الذكية على الأجواء الروحانية والاجتماعية في رمضان بشكل سلبي، إلا أن هناك جانب أخر إيجابي يمكن من خلاله توظيف التكنولوجيا بطرق تعزز القيم الإسلامية وتقوي من الروابط الأسرية والمجتمعية وتسهل حركة المجتمع، وقد ارتبط شهر رمضان المبارك في مصر بطقوس وعادات دينية واجتماعية متوارثة عبر الأجيال، إحتى جاء التطور التكنولوجي وأحدث تحولات عميقة في طريقة ممارستها، ليظهر مفهوم “رقمنة رمضان”، حيث أصبحت التطبيقات الذكية، والمنصات الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من التجربة الرمضانية الحديثة.
وأصبحت الهواتف الذكية أداة رئيسية لمساعدة المسلمين في أداء عباداتهم خلال شهر رمضان، كما وفرت تطبيقات القرآن الكريم مثل “Ayat” و”Quran Majeed” تجربة قراءة سهلة مع تلاوات متنوعة وتفسيرات متعددة اللغات، بينما قدمت تطبيقات الأذكار مثل “Muslim Pro” و”Athan” إشعارات بالأذكار اليومية وأوقات الصلاة بناءً على الموقع الجغرافي للمستخدم.
ومع هذا التطور اللافت والمتسارع بات في الإمكان متابعة الدروس الدينية عبر منصات مثل “يُسر” و”Bayyinah TV” التي وفرت محاضرات في التفسير والحديث والتزكية، ما عزز الوعي الديني دون الحاجة إلى حضور حلقات العلم التقليدية في المساجد. ومنذ قرون، ارتبط شهر رمضان بصوت المسحراتي الذي جاب الشوارع ليلًا لإيقاظ الصائمين للسحور، إلا أن هذا التقليد بدأ في التراجع لصالح التكنولوجيا الحديثة، حيث ظهرت تطبيقات حاكت صوت المسحراتي مثل “Musaharati”، إضافة إلى الرسائل النصية والتنبيهات الصوتية التي وصلت إلى الهواتف لتذكير المستخدمين بالسحور.
كما أطلقت بعض الدول العربية مبادرات رقمية للحفاظ على هذا التقليد، مثل الاستعانة بروبوتات ذكية أو استخدام مكبرات الصوت الذكية لتشغيل نداءات السحور في الأحياء السكنية، وهو ما أثبت أن التكنولوجيا لم تلغ التقاليد بقدر ما أعادت تشكيلها بطرق عصرية. ولم تقتصر منصات التواصل الاجتماعي على الترفيه والتواصل، بل أصبحت ساحة للأنشطة الدينية والثقافية خلال رمضان. إذ انتشر عبر “تيك توك” و”إنستجرام” محتوى متنوع شمل تلاوات قرآنية قصيرة، ونصائح دينية، وتجارب شخصية مع الصيام.
زيادة الوعي
ويرى متخصصون أن التفاعل الرقمي قد يسهم في ترسيخ الوعي الديني من خلال النقاشات المفتوحة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن التطبيقات الدينية قد توفر فرصًا للأشخاص الذين يواجهون صعوبة في الالتزام بالعبادات التقليدية، مما يجعل رمضان أكثر شمولًا واتساعًا”. لكن الخطورة تكمن في الاندماج الكامل في العالم الرقمي قد يحول الشهر الفضيل إلى تجربة سطحية، حيث يصبح الإنسان مستهلكًا للمحتوى الديني والترفيهي دون أن يعيش الأجواء الروحانية الحقيقية.
وقد اعتمدت المؤسسات الدينية على منصات مثل “يوتيوب” و”فيسبوك لايف” لبث الخطب والدروس الرمضانية مباشرة، ما منح المسلمين في جميع أنحاء العالم فرصة متابعة علماء الدين والمشاركة في الفعاليات الدينية بسهولة، وأدى انتشار تطبيقات التوصيل مثل “طلبات” و”جاهز” و”Uber Eats” إلى تغيير مفهوم إعداد موائد الإفطار والسحور، حيث بات بإمكان الصائمين طلب وجباتهم بسهولة من المطاعم أو شراء المكونات الغذائية عبر الإنترنت دون الحاجة إلى زيارة الأسواق المزدحمة.
وسيلة للتباعد
ويرى البعض أن وسائل التكنولوجيا التي طغت على حياة الناس باتت من السلبيات التي قد تضيق على الناس وتتسبب في تباعد اجتماعي غير مقصود يتسع شيئا فشئيا، بسبب ما تُغيره خوازميتها من عادات قديمة، أحمد عوض مقيم الشعائر بمسجد التقوى في طنطا يقول في تصريحات خاصة لموقع أخبار الغد: قديما كان قرآن ما قبل الإفطار يصدح فى كل مكان، وكانت كل أسرة وكل محل فى الشارع يسمعون صوت قرآن ما قبل الإفطار، وغالبًا ما كان بصوت الشيخ مصطفى إسماعيل، أو الشيخ محمد رفعت ما كان يضيف بهجة وساعدة وانتباه.
ويضيف أن الجيل الحالي اغترب تماما عما كنا عليه من قبل حيث غاب عن حلقات القرآن بعد الصلاة والاستماع لدروس العلم، وباتت الهواتف الذكية وما عليها من برامج حديثة تشغل مساحة كبيرة من اهتمامات الشباب حتى بعد الصلاة تجد الشاب ينتهى من التسليم ويبدأ في سحب هاتفه ويتصفحه، ما يضيع عليه لحظات صفاء روحية في رمضان قد لا يسعفه العمر في إدراكها مرة أخرى.