حوارات وتصريحات

فطور رمضان في إثيوبيا: بين التقاليد الريفية والتغيرات الحديثة

أشار العديد من المواطنين والمختصين إلى أن الاحتفاء بشهر رمضان في إثيوبيا يشهد تطورات كبيرة، وسط تنوع ثقافي وديني كبير.

هذا الشهر الفضيل الذي يشمل المسلمين في الريف والمدن على حد سواء، يظهر تقاليد فريدة تختلف من منطقة لأخرى.

رغم المكاسب التي حققها المسلمون في البلاد، فإن بعض المظاهر والاحتفالات الرمضانية تثير نقاشات واسعة حول التغيرات التي شهدتها في السنوات الأخيرة.

الإفطارات الجماعية في المدن: بين الترحيب والانتقاد

أكد محمد آدمو، أحد سكان أديس أبابا، أن الإفطارات الجماعية في الشوارع أصبحت رمزًا للاندماج الاجتماعي والروح الجماعية.

“إن هذه الإفطارات تساهم في جمع الناس بمختلف طبقاتهم الاجتماعية، حيث يتجمع الآلاف في ساحة مسكل لتناول الإفطار معًا.

هذا المشهد يعكس التضامن والتآخي بين المواطنين”. ومع ذلك، يرى آدمو أن هذه الإفطارات تسبب أحيانًا بعض المشكلات مثل إغلاق الطرق وتعطيل حركة المرور.

من جهته، أوضح جمال أببيي، أحد التجار في العاصمة، أن تنظيم الإفطارات الجماعية ساعد في دعم العمل الخيري والتبرعات خلال رمضان.

“نشهد تزايدًا في إخراج الزكاة والتبرعات من قبل التجار والمزارعين، خاصة خلال الإفطارات الجماعية. إنها فرصة لسد حاجة الفقراء والمحتاجين، ويصبح رمضان شهرًا للخير والعطاء”.

اختلاف التقاليد بين الريف والمدن

أشار الشيخ عمر علي، من إقليم أمهرة، إلى أن تقاليد رمضان في الريف تختلف كثيرًا عن المدن. “في القرى، يحرص المسلمون على إقامة الإفطارات في المساجد أو المنازل، ويشارك الجميع في هذا العمل الخيري.

لكل فرد من أفراد المجتمع دور في تحضير الطعام وتقديمه”. وأضاف أن هذه الأجواء تعزز من الروابط الاجتماعية وتمنح الشهر الفضيل طابعًا خاصًا في الأرياف.

في المقابل، أكدت مريم محمد، من سكان إقليم تيغراي، أن مظاهر الاحتفاء برمضان في بعض المناطق الريفية قد تضاءلت في السنوات الأخيرة.

“الاحتفالات أصبحت أقل تقليدية، بسبب تأثيرات الحداثة والهجرة إلى المدن. الكثير من الشباب يفضلون الانتقال إلى المدن خلال رمضان للالتحاق بالإفطارات الجماعية والفعاليات الكبرى”.

مسابقة القرآن الوطنيّة: إنجاز كبير للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

أوضح المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن المسابقة الوطنية لحفظ القرآن التي يقيمها المجلس لأول مرة تعتبر إنجازًا كبيرًا.

“لقد نظم المجلس هذه المسابقة لتعزيز حفظ كتاب الله وتشجيع الشباب على التمسك بتعاليم الدين الإسلامي. إنها خطوة مهمة تعكس التقدم الذي حققه المسلمون في إثيوبيا بعد سنوات من التهميش”.

وأكد المجلس بأنه يشرف أيضًا على العديد من البرامج الدعوية والتوعوية خلال رمضان، بالإضافة إلى برامج إفطار الصائم، التي تنفذ في معظم المدن والقرى.

أثر رمضان على التجارة والنشاط الاجتماعي

أشار إياسو جبري، صاحب متجر في إقليم أوروميا، إلى أن حركة التجارة تتباطأ بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان.

“نلاحظ انخفاضًا في عدد الزبائن خلال النهار، لكن النشاط يتزايد بشكل كبير بعد الإفطار، حيث يخرج الناس للتسوق وقضاء حاجاتهم. هذا التغير في نمط الحياة يعكس الاحترام الكبير الذي يوليه المسلمون لهذا الشهر الفضيل”.

وأضاف أن التجار المسلمين يسارعون إلى إخراج زكاة أموالهم خلال الشهر، وهي عادة قديمة متجذرة في الثقافة المحلية. “رمضان يمثل فرصة كبيرة لتقديم المساعدة للفقراء، ويعد هذا الشهر الأكثر أهمية من الناحية الخيرية”.

اعتكاف العلماء والعبادة في الريف

أشار الشيخ يونس أحمد، أحد علماء الدين في إقليم شعوب جنوب إثيوبيا، إلى أن العلماء في الأرياف يعتزلون الناس خلال شهر رمضان للتفرغ للعبادة والذكر.

“نرى الكثير من الشباب والرجال يتوافدون على المساجد ومراكز تحفيظ القرآن خلال الشهر الفضيل، خاصة في العشر الأواخر. الاعتكاف والذكر يعتبران جزءًا أساسيًا من طقوس رمضان في الريف”.

وأوضح أن مراكز مثل مركز زابي مولا لتحفيظ القرآن تشهد إقبالًا كبيرًا من الراغبين في حفظ القرآن. “هذا المركز يقدم خدمات تعليمية ودينية على مدار العام، ولكن في رمضان يتحول إلى مركز عبادة واعتكاف يلتف حوله الناس”.

التأثير الاجتماعي والثقافي لشهر رمضان

أكدت فاطمة عبد السلام، ناشطة اجتماعية من إقليم بني شنقول، أن رمضان يمثل فرصة لتعزيز الوحدة بين المسلمين في إثيوبيا.

“رغم الاختلافات الثقافية بين القوميات المختلفة، فإن رمضان يوحد الجميع تحت مظلة واحدة. نرى الشباب والشيوخ يشاركون في برامج التوعية والإفطارات الجماعية، ويعملون معًا لدعم الفقراء والمحتاجين”.

وأضافت أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية يلعب دورًا كبيرًا في تنظيم الفعاليات والأنشطة الرمضانية في مختلف أنحاء البلاد.

“هذه الجهود تساعد في تعزيز الروحانية والانتماء بين المسلمين، وتساهم في نشر قيم التسامح والاحترام بين مختلف فئات المجتمع”.

التوترات بين التقاليد والتطورات الجديدة

أشار محمود يوسف، أستاذ الدراسات الإسلامية في إحدي الجامعات، إلى أن هناك توترًا واضحًا بين التقاليد الريفية والممارسات الحضرية الحديثة.

“التغيرات التي شهدتها المدن الكبرى مثل أديس أبابا في تنظيم الإفطارات الجماعية والاحتفالات الدينية قد لاقت ترحيبًا من البعض، ولكنها أثارت قلقًا لدى آخرين. بعض المناطق الريفية تعتبر هذه الممارسات جديدة وغريبة عن تقاليدهم”.

وأوضح أن هذه التوترات تتطلب حوارًا مفتوحًا بين مختلف فئات المجتمع للحفاظ على التوازن بين التراث والتجديد.

“من الضروري أن تحترم الممارسات الجديدة التقاليد القديمة وأن يتم تعزيز الروابط بين الريف والمدن في هذا الشهر الفضيل”.

رمضان في إثيوبيا ليس مجرد شهر عبادة، بل يمثل فترة من التلاحم الاجتماعي والتجديد الثقافي والديني. رغم التنوع الكبير في الممارسات والتقاليد بين المناطق الريفية والمدن،

فإن الاحتفاء برمضان يعكس روح التضامن والتآخي بين المسلمين في البلاد. ومع ذلك، تبقى هناك تساؤلات حول تأثير التغيرات الحديثة على التقاليد الرمضانية المتجذرة في الثقافة الإثيوبية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى