حوارات وتصريحات

رمضان في الفاشر: الحصار يُفاقم المعاناة وارتفاع الأسعار يُشعل الغضب ويُفجر أزمة إنسانية

أوضح المواطنون والمختصون أن الأوضاع في مدينة الفاشر بولاية دارفور قد بلغت مستوى غير مسبوق من التأزم، وذلك نتيجة الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي.

تعاني المدينة من حصار خانق، وأزمة اقتصادية متفاقمة، مما دفع الأسر والتجار إلى التكيف بطرق غير تقليدية لمواجهة التحديات.

يُشعل هذا الوضع نقاشًا واسعًا حول غياب الدعم الدولي وتفاقم الأزمة الإنسانية التي لا يبدو أن لها نهاية في الأفق القريب.

الأزمة الغذائية وتداعيات الحصار:

أكد المواطن عبد الرحمن آدم، أحد سكان الفاشر، أن الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية يمثل عبئًا كبيرًا على الأسر، خاصة في ظل حلول شهر رمضان المبارك.

“لقد أصبح من الصعب علينا تأمين احتياجاتنا اليومية. كان الطعام الأساسي مثل الدقيق والزيت متاحًا بأسعار معقولة، ولكن الآن أصبح الحصول عليه شبه مستحيل. حتى اللحوم المحلية التي كانت بديلاً عن الدجاج المستورد أصبحت مكلفة للغاية بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع.”

وأشار المزارع عبد الله موسى إلى أن القطاع الزراعي حاول سد جزء من النقص الذي أحدثه الحصار على المدينة،

“نحن نحاول زيادة إنتاج الذرة والدخن، لكن الموارد محدودة والطلب يفوق العرض بكثير. هذا الضغط يزيد من معاناتنا كمزارعين في توفير الغذاء للسكان الذين يعتمدون على هذه المحاصيل بشكل أساسي.”

أوضحت فاطمة حسن، أم لخمسة أطفال، أن الوضع يزداد صعوبة يومًا بعد يوم، “لم نعد قادرين على تلبية احتياجات أطفالنا الغذائية. الأسعار تضاعفت، وحتى الخضروات التي كنا نعتمد عليها أصبحت باهظة الثمن. نلجأ الآن إلى تقليل الوجبات وإيجاد بدائل أقل تكلفة، لكن هذا لا يكفي لسد احتياجاتنا.”

إغلاق الأسواق وتدمير البنية التحتية:

أكد التاجر محمد عثمان، أن القصف المدفعي الممنهج الذي تشنه قوات الدعم السريع قد دمر الأسواق تمامًا.

“لقد أصبح السوق الكبير، وهو السوق الرئيسي في الفاشر، مجرد أنقاض. معظم التجار فقدوا أعمالهم وأصبحوا عاطلين عن العمل، ولا يوجد سبيل لإعادة بناء ما تهدم في ظل هذه الظروف. كنا نأمل في عودة الأمان حتى نتمكن من استعادة حياتنا الاقتصادية، لكن الأمل يتلاشى مع كل يوم.”

وأشار المهندس عبد الله علي، المختص في شؤون البنية التحتية، إلى أن تدمير المرافق الأساسية مثل الكهرباء والمياه أدى إلى تعطل المستشفيات والمدارس والخدمات الحيوية الأخرى.

“الوضع كارثي بكل المقاييس. نحن بحاجة ماسة إلى دعم خارجي لإعادة بناء ما تهدم، لكن غياب المساعدات الدولية يزيد من عمق الأزمة.”

أوضحت الناشطة المجتمعية ليلى إبراهيم أن النساء والأطفال هم الأكثر تضررًا من هذه الحرب، “نشاهد يوميًا معاناة النساء اللاتي فقدن مصادر رزقهن، والأطفال الذين لا يجدون حتى أبسط حقوقهم في التعليم والغذاء. نحن نحاول تنظيم مبادرات مجتمعية لمساعدتهم، لكن الجهود المحلية وحدها لا تكفي.”

رفض جماهيري وغياب الدعم الدولي:

أكد المواطن عبد الكريم محمد أن المجتمع الدولي يغيب تمامًا عن مساعدة سكان الفاشر، “لم نرَ أي مساعدات دولية منذ بدء الحصار. كنا نعتمد على بعض التبرعات من الخارج، لكنها أصبحت قليلة وغير كافية. هذا الوضع فاقم من معاناة الأسر التي تعتمد على التكافل الاجتماعي لتلبية احتياجاتها اليومية.”

وأشار الدكتور أحمد سعيد، خبير في الشؤون الإنسانية، إلى أن غياب الدعم الدولي في هذه الأزمة يشكل خذلانًا للمجتمع المحلي،

“الفاشر في وضع مأساوي، والحصار جعل الوصول إلى المدينة شبه مستحيل. نحتاج إلى استجابة سريعة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتقديم المساعدات الغذائية والطبية، وإلا سنواجه كارثة إنسانية أكبر.”

أوضح النازح عبد الله حماد أن الأوضاع في مراكز الإيواء أصبحت لا تطاق، “نعيش في ظروف قاسية داخل هذه المراكز. لا يوجد طعام كافٍ، ولا مياه نظيفة. نحن نحتاج إلى مساعدة عاجلة، لكن لا نرى أي بوادر لتحسن الوضع.”

المساعدات المحلية والدور الخيري:

أكدت وزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية في شمال دارفور، بأن الوزارة استطاعت توزيع سلة غذائية لأكثر من 4500 أسرة خلال شهر رمضان المبارك.

“لقد وفرت الوزارة الدخن والسكر والبلح والزيت، لكن هذه الجهود لا يمكن أن تغطي كل الأسر المحتاجة. الوضع يتطلب تضافر الجهود بين الجهات المحلية والدولية لضمان استدامة هذه المساعدات.”

وأشار الإمام محمد الفاتح، المشرف على أحد المطابخ الخيرية، إلى أن المبادرات الخيرية المحلية تعمل على تخفيف الأعباء عن النازحين والأسر الفقيرة.

“نحاول تقديم الطعام والمساعدات الغذائية قدر المستطاع، لكن مع تزايد الأعداد والاحتياجات، أصبح من الصعب تلبية جميع الطلبات. نحن بحاجة إلى دعم خارجي لمواصلة هذه الجهود.”

أوضحت المواطنة زينب علي، التي تعمل في إحدى الجمعيات الخيرية المحلية، أن التعاون المجتمعي يلعب دورًا محوريًا في مواجهة هذه الأزمة.

“نحن نتكاتف مع جيراننا وأقاربنا لتبادل الموارد. الجميع هنا يحاولون مساعدة بعضهم البعض، لكن الغياب التام للمساعدات الدولية يجعل المهمة صعبة للغاية.”

التكيف المجتمعي والصمود:

أكد المواطن صالح عبد الرحمن أن سكان الفاشر أظهروا قدرة كبيرة على التكيف مع الظروف الصعبة، “لقد أصبحنا نعتمد أكثر على المنتجات المحلية. بات الوعي بأهمية الاكتفاء الذاتي أمرًا حتميًا، مما ساعد على تحسين أوضاع بعض المزارعين، لكن هذا ليس كافيًا لسد كل احتياجاتنا.”

أشارت المواطنة عائشة محمد، إحدى الأمهات في الفاشر، إلى أن الأسر باتت تتكيف مع الأزمة بتغيير أنماط استهلاكها، “لقد قللنا من استهلاكنا للطعام، وبتنا نبحث عن بدائل أرخص. أصبحنا نعد الطعام بكميات أقل، ونحاول التعايش مع هذا الواقع الجديد.”

أوضحت الخبيرة الاقتصادية أميرة عبد الله أن التكيف المجتمعي مهم في مثل هذه الأزمات، “رغم المعاناة الكبيرة، إلا أن الناس يجدون طرقًا للتكيف، سواء من خلال التعاون المجتمعي أو الاعتماد على المنتجات المحلية. لكن هذا الحل مؤقت، ولا يمكن استمراره دون تدخل دولي لرفع الحصار وتقديم المساعدات اللازمة.”

في ظل غياب الحلول الواضحة واستمرار الحصار على مدينة الفاشر، تزداد الأوضاع الإنسانية سوءًا يومًا بعد يوم.

ورغم أن المواطنين أظهروا قدرة عالية على التكيف والتعاون، إلا أن الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو دون تدخل دولي عاجل. الحرب في السودان لا تؤثر فقط على المتحاربين، بل تسلب المواطنين أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى