الاكتئاب في رمضان: مشاعر سلبية وسط الأجواء الروحانية تُثير جدلًا مجتمعيًا واسعًا

في وسط أجواء رمضان الروحانية والاجتماعية، يعاني العديد من الأفراد من مشاعر الحزن والاكتئاب، رغم أن الشهر يُعد من أسعد الأوقات في العالم الإسلامي.
بينما يتجاهل البعض هذه المشاعر خوفًا من الحرج أو سوء الفهم، يؤكد خبراء أن الأسباب وراء هذه الأحاسيس عميقة، مما يستدعي تسليط الضوء على هذه الظاهرة ومعالجتها بوعي.
العزلة الاجتماعية وتفاقم مشاعر الوحدة
أشار الدكتور أيمن شحاتة، أستاذ الطب النفسي بإحدي الجامعات، إلى أن العزلة الاجتماعية في رمضان تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية.
قال شحاتة: “العديد من الأشخاص يعيشون في عزلة خلال رمضان بسبب ضغوط الحياة المختلفة مثل العمل أو السفر، مما يجعلهم يشعرون بالوحدة.
عدم المشاركة في الأجواء الاجتماعية قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر الاكتئاب، خصوصًا مع مشاهدة الآخرين يحتفلون على وسائل التواصل الاجتماعي”. وأكد أن الحل يكمن في محاولة البحث عن طرق للتواصل مع العائلة والأصدقاء ولو عن بُعد.
من ناحية أخرى، قالت منى حسني، وهي موظفة في أحد الشركات الخاصة: “على الرغم من محاولاتي للتواصل مع عائلتي وزملائي، إلا أنني أشعر بالوحدة خلال رمضان.
أعمل في مدينة بعيدة عن أهلي، وهذا يجعلني أشعر بالعزلة أكثر خلال الشهر الكريم، حيث يشارك الجميع في الأنشطة الرمضانية بينما أكون وحدي”. ورأت أن وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من شعورها بالعزلة.
الحنين إلى الماضي وتأثيره على المشاعر الحالية
أوضح الدكتور حسن عبدالله، أستاذ علم النفس في إحدي الجامعات، أن الحنين إلى الماضي قد يكون سببًا كبيرًا لمشاعر الحزن في رمضان.
وقال عبدالله: “الكثير من الناس يستذكرون اللحظات الجميلة التي عاشوها في الماضي، خصوصًا في رمضان. هذه الذكريات قد تُثير مشاعر الحزن والحنين بسبب استحالة استرجاع تلك الأيام. الحل يكمن في التركيز على الحاضر وتقدير اللحظات التي نعيشها الآن”.
وأضافت هبة علي، معلمة بإحدى المدارس الخاصة: “أشعر بالاكتئاب أحيانًا في رمضان لأنني أتذكر والديّ اللذين رحلا عن هذه الدنيا. كانت أجواء رمضان في المنزل مليئة بالدفء والحنان، لكن الآن الأمور مختلفة تمامًا، وهو ما يزيد من شعوري بالحزن”.
خيبة الأمل والطموحات العالية
أكد الدكتور أحمد عبدالرحمن، أستاذ الشريعة الإسلامية بإحدي الجامعات، أن الكثير من المسلمين يشعرون بخيبة الأمل خلال رمضان بسبب عدم تحقيقهم لأهدافهم الروحية أو الشخصية.
وقال: “يضع البعض معايير غير واقعية لأنفسهم فيما يتعلق بالعبادات أو الطاعات، مما يؤدي إلى الإحباط وخيبة الأمل إذا لم ينجحوا في الوفاء بها. يجب على الناس أن يدركوا أن الله يُقدر الجهد وليس الكمال، وأن يضعوا توقعات واقعية لتحقيق التوازن النفسي”.
من جانبها، أشارت سارة محمد، موظفة بشركة اتصالات: “قبل رمضان، كنت أنوي تحقيق العديد من الأهداف الروحية مثل ختم القرآن عدة مرات، ولكن بسبب ضغط العمل والالتزامات الأسرية لم أتمكن من ذلك. أشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه نفسي وأحيانًا ألوم نفسي على عدم الإنجاز”.
التوتر المالي والإفراط في التسوق
أوضح الدكتور خالد سامي، الخبير الاقتصادي، أن الأوضاع المالية تلعب دورًا كبيرًا في مشاعر الضغط والاكتئاب خلال رمضان.
وقال: “مع ارتفاع الأسعار في الأسواق بشكل غير مسبوق، يعاني العديد من الأسر من ضغوط مالية هائلة، خاصةً فيما يتعلق بشراء المواد الغذائية. هذه الضغوط تجعل الكثيرين يشعرون بالإحباط وعدم القدرة على تلبية احتياجات أسرهم خلال الشهر الكريم”.
من جهة أخرى، أكدت نادية إبراهيم، ربة منزل: “أجد نفسي في حالة من القلق الدائم بسبب الأسعار المرتفعة. على الرغم من محاولتي تنظيم الميزانية، إلا أن التسوق في رمضان أصبح عبئًا ماليًا كبيرًا. أشعر بالتوتر عندما لا أستطيع توفير كل ما تحتاجه عائلتي”.
الإجهاد والتعب بسبب العادات الغذائية
أشار الدكتور إيهاب فؤاد، أستاذ التغذية بإحدي الجامعات، إلى أن العديد من الناس يشعرون بالخمول والتعب خلال رمضان بسبب العادات الغذائية غير الصحية.
وقال: “الكثيرون يتناولون كميات كبيرة من الطعام بعد الإفطار، مما يؤدي إلى شعورهم بالتعب والخمول. ينصح بتناول وجبات متوازنة وعدم الإفراط في تناول الدهون والكربوهيدرات للحفاظ على مستويات الطاقة طوال اليوم”.
وأضافت مي أحمد، موظفة حكومية: “أشعر بالتعب بعد الإفطار بشكل دائم، وهذا يؤثر على قدرتي على أداء العبادات. أعتقد أن السبب يعود إلى تناول وجبات ثقيلة مليئة بالدهون، وهو ما يجعلني أشعر بالخمول”.
الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي
أوضح الدكتور محمد حمدي، خبير في علم النفس الاجتماعي، أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في زيادة مشاعر الاكتئاب لدى الناس خلال رمضان.
وقال: “الكثير من الناس يشعرون بالضغط عندما يشاهدون صور الآخرين وهم يعيشون أجواء رمضان المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا قد يجعلهم يشعرون بأنهم غير قادرين على مواكبة هذه المعايير، مما يزيد من شعورهم بالاكتئاب”.
وأكدت إيمان مصطفى، طالبة جامعية: “أحاول الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي خلال رمضان، لأنها تجعلني أشعر بأنني لا أعيش تجربة رمضان كما يجب. الجميع يظهر حياة مثالية على الإنترنت، بينما الواقع مختلف تمامًا”.
أهمية الدعم النفسي والاجتماعي
أشار الدكتور علاء فهمي، أستاذ الصحة النفسية، إلى أن الدعم النفسي والاجتماعي من الأصدقاء والعائلة يمكن أن يساعد في تقليل مشاعر الاكتئاب خلال رمضان.
وقال: “التواصل مع الآخرين وطلب الدعم العاطفي يمكن أن يساعد في التخفيف من مشاعر الوحدة والاكتئاب. يجب على الناس أن لا يترددوا في البحث عن هذا الدعم، سواء من العائلة أو الأصدقاء”.
وأضافت نهى حسن، موظفة بشركة تأمين: “لقد وجدت أن التحدث مع صديقاتي في أوقات الحاجة يساعدني على الشعور بالراحة. لا يجب أن نتحمل هذه المشاعر وحدنا، والدعم الاجتماعي يمكن أن يكون مفتاح التخلص من هذه الأحاسيس السلبية”.
تقديم حلول عملية للتخفيف من الضغوط
أكد الدكتور سامي مصطفى، خبير في التخطيط الأسري، أن التخطيط الجيد وإدارة الوقت يمكن أن يساعدا في تقليل الضغوط التي تواجه الناس خلال رمضان.
وقال: “التخطيط المبكر واتباع نظام غذائي صحي يمكن أن يقللا من مشاعر الإجهاد والتوتر. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك توازن بين الأنشطة الروحية والاجتماعية لتجنب الشعور بالإرهاق”.
وأكدت ليلى محمود، ربة منزل: “بدأت في تنظيم وقتي بشكل أفضل خلال رمضان، وهذا ساعدني في تقليل الشعور بالتوتر. كما أنني حاولت أن أكون أكثر واقعية بشأن ما يمكنني تحقيقه من طاعات خلال الشهر”.
رغم أن رمضان يُعتبر وقتًا للفرح والروحانية، إلا أن العديد من الناس يعانون من مشاعر الحزن والاكتئاب بسبب العوامل الاجتماعية والنفسية المختلفة. من المهم التوعية بهذه المشكلة وتقديم الدعم اللازم لتخفيف هذه المشاعر السلبية