فانوس رمضان بين التراث العريق والتحديات الحديثة: صناعة تواجه خطر الاندثار

أصبح “فانوس رمضان” جزءًا لا يتجزأ من مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم، حيث يجتمع المواطنون في الأحياء الشعبية والمناطق الحديثة لشراء الفوانيس وإضفاء لمسة من التراث والروحانية على منازلهم.
لكن هذه العادة الرمضانية تواجه تحديات كبيرة في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع المصري، ومع تعدد الآراء حول أهميته اليوم، بات الجدل حول الفانوس كارثيًا للبعض ومثيرًا للآخرين.
الأصل والتاريخ:
يشير المؤرخون إلى أن الفانوس ظهر في مصر قبل دخول الفاطميين بكثير. حيث أوضح الدكتور أيمن الطيب، أستاذ التاريخ الإسلامي بإحدي الجامعات، أن الفانوس كان جزءًا من الطقوس الاحتفالية للأقباط في مصر، وأثر هذا التقليد على المجتمع الإسلامي بعد دخول الفاطميين.
وقال: “ارتبط الفانوس في أذهان المصريين بشهر رمضان، ولكن لا يمكن إنكار أنه كان موجودًا في الثقافة المصرية منذ عصور طويلة قبل الإسلام”.
التحولات في استخدام الفانوس:
أكد الحرفي محمود عبد العال، الذي يعمل في صناعة الفوانيس منذ 30 عامًا، أن الفانوس مر بتحولات عديدة، ليس فقط في التصميم وإنما في استخدامه أيضًا.
وقال: “في الماضي كان الفانوس يُستخدم للإضاءة الفعلية ليلاً، لكنه أصبح الآن زينة تملأ المنازل والشوارع”. وتابع قائلاً: “هذا التحول أثر على الصناعة، حيث كانت تعتمد بشكل أساسي على النحاس والزجاج الملون، أما الآن فهي غالبًا تعتمد على البلاستيك والإضاءة الكهربائية”.
صناعة الفوانيس بين الماضي والحاضر:
أوضح محمد عبد الرحمن، صاحب ورشة فوانيس، أن صناعة الفوانيس تدهورت مع ظهور الفوانيس المستوردة من الصين. وأضاف: “الفانوس المصري المصنوع من النحاس والزجاج الملون أصبح سلعة نادرة ومكلفة، وهذا دفع الكثير من الحرفيين إلى التوقف عن إنتاجها”. وأشار إلى أن “الفوانيس الصينية أرخص لكنها لا تحمل نفس القيمة التراثية”.
تأثير الفانوس المستورد:
أشارت نادية السيد، باحثة في التراث الشعبي، إلى أن الفوانيس المستوردة أثرت سلبًا على صناعة الفوانيس التقليدية.
وقالت: “الجيل الجديد يميل إلى شراء الفوانيس البلاستيكية لأنها رخيصة وتأتي بأشكال جذابة، لكن هذا يضعف التراث المصري”. وأضافت: “على الرغم من أن بعض الناس يحاولون إحياء هذا التراث، إلا أن التحديات الاقتصادية تجعل الفوانيس التقليدية غير متاحة للجميع”.
آراء المواطنين:
يقول أحمد إبراهيم، موظف في القطاع الحكومي: “أشتري الفانوس لأولادي كل رمضان. أحب أن أحافظ على هذا التراث، لكن بصراحة، الفوانيس التقليدية غالية، فأضطر أحيانًا لشراء الفوانيس البلاستيكية المستوردة”. ويضيف: “لكن مهما تغيرت الأشكال، يبقى الفانوس رمزًا لرمضان في بيتنا”.
أما سعاد عبد الحميد، ربة منزل، فتقول: “أحب الفانوس التقليدي المصنوع من النحاس والزجاج. أشعر أنه يحمل روح رمضان القديمة”. وتضيف: “لكن بصراحة لا أستطيع شراءه كل عام لأنه غالٍ جدًا، فأكتفي بتزيين البيت بالفوانيس المستوردة”.
دور الفوانيس في الثقافة الرمضانية:
أوضح الدكتور حسين منصور، أستاذ الثقافة الشعبية بإحدي الجامعات، أن الفانوس له دور كبير في تعزيز الروابط الاجتماعية.
وقال: “الفانوس ليس مجرد أداة للإضاءة أو الزينة، بل هو جزء من الثقافة التي تعزز الروحانية وتجذب الأطفال والكبار على حد سواء للاحتفال بالشهر الكريم”. وأضاف: “لكن مع مرور الزمن تغيرت هذه العادات بسبب التحولات الاقتصادية والاجتماعية”.
الفانوس في ظل التكنولوجيا:
يؤكد عادل مرزوق، مختص في تكنولوجيا الإضاءة، أن الفانوس التقليدي أصبح غير عملي في ظل التطورات التكنولوجية.
وقال: “أصبح الأطفال يفضلون الفوانيس التي تحتوي على أضواء LED وتصدر أصواتًا رمضانية”. وأضاف: “التكنولوجيا أثرت على شكل الفانوس التقليدي، لكن هذا ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا، فالابتكار يمكن أن يحافظ على التراث بطرق جديدة”.
تطور الفانوس في الأسواق:
قال مصطفى حسين، تاجر في منطقة باب الشعرية: “الفوانيس اليوم أصبحت متنوعة بشكل غير مسبوق. تجد الفانوس المصنوع من البلاستيك والمزود بأغاني رمضان، وكذلك الفانوس المعدني التقليدي”. وأضاف: “لكن يبقى الطلب على الفوانيس البلاستيكية أكبر، لأنها أرخص وأسهل في البيع”.
تأثير العولمة:
أوضحت فاطمة محمد، باحثة في الاقتصاد، أن العولمة ساهمت في تغيير نمط استهلاك الفوانيس.
وقالت: “مع دخول المنتجات المستوردة من الصين، تغيرت طبيعة صناعة الفوانيس في مصر. أصبحت السوق تفضل المنتجات الرخيصة على حساب الجودة والتراث”. وأضافت: “هذا التغيير أثر على الحرفيين التقليديين الذين كانوا يعتمدون على هذه الصناعة”.
رأي الحرفيين:
أشار أحمد علي، صاحب ورشة في منطقة تحت الربع، إلى أن “الفانوس المصري التقليدي لا يزال له عشاقه، ولكن التحدي الأكبر هو التكلفة”.
وأضاف: “نحن نصنع الفوانيس بالنحاس والزجاج، وهي مواد باهظة الثمن، بينما الفانوس المستورد أرخص وأسرع في الإنتاج”. وتابع قائلاً: “أخشى أن يندثر هذا الفن بسبب ارتفاع التكاليف وضعف الطلب”.
في ظل التحديات الاقتصادية والتكنولوجية التي تواجهها صناعة الفوانيس التقليدية في مصر، يبقى الفانوس جزءًا لا يتجزأ من روح رمضان. تتباين الآراء حول ما إذا كانت هذه الصناعة قادرة على البقاء أم لا، لكن المؤكد أن الفانوس سيظل رمزًا مرتبطًا بالذاكرة الشعبية المصرية، مهما تغيرت الظروف.