ملفات وتقارير

طقوس رمضان في الريف المصري.. أجواء روحانية وتقاليد متوارثة

يتميز الريف المصري بطابع خاص خلال شهر رمضان المبارك، حيث تظل العادات والتقاليد الأصيلة حاضرة بقوة رغم تغير الزمن.

فعلى الرغم من تشابه الطقوس الرمضانية في مختلف أنحاء مصر من حيث قراءة القرآن، والعبادات، والتجمعات العائلية، وتناول الأطعمة المميزة، فإن للريف طبيعته الخاصة التي تضفي على الشهر الكريم أجواءً روحانية واجتماعية فريدة.

التجمعات العائلية والإفطار الجماعي

رصدت أخبار الغد آراء عدد من أهالي الريف حول أبرز العادات والتقاليد الرمضانية، حيث أكدت أم ياسمين من محافظة المنوفية أن للشهر الكريم مذاقًا خاصًا في قرى ونجوع محافظة الشرقية، حيث تقوم العائلات بافتراش الأرض والتجمع على الإفطار في أول أيام رمضان في منزل كبير العائلة.

وأشارت إلى أن الموائد الريفية تمتلئ بالمأكولات التقليدية مثل المحاشي، الملوخية، الكنافة، والقطايف، إضافة إلى المشروبات الرمضانية المفضلة مثل العرقسوس، التمر هندي، والسوبيا، حيث تتفنن النساء في إعداد هذه الأطباق احتفالًا بالشهر الفضيل.

التجهيزات الرمضانية ومواجهة الغلاء

أكدت الحاجة ناصرة الصاوي من المنوفية أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لم تمنع الأهالي من الاستعداد للشهر الكريم، حيث تبدأ ربات البيوت في تخزين الخضروات والبقوليات والتوابل قبل أسابيع من رمضان، تحسبًا لارتفاع الأسعار وجشع التجار في الأيام الأخيرة.

بينما أشارت الحاجة منى حسين، ربة منزل من البحيرة، إلى أن أول أيام رمضان له طقوسه الخاصة داخل البيوت الريفية، حيث تذهب السيدات إلى الأسواق الشعبية الشهيرة لشراء الخضروات، اللحوم، والدواجن، وتبدأ منذ الصباح الباكر في إعداد المحاشي، قائلة: “المحاشي دي حاجة مقدسة عندنا، لازم تكون على السفرة في أول يوم، حتى لو الأسعار زادت أضعاف مضاعفة.”

عودة التجمعات الرمضانية بعد انقطاع

أوضحت الحاجة فاطمة السيد أن السنوات الماضية، وخاصة خلال فترة تفشي وباء كورونا، شهدت منع التجمعات الرمضانية.

حيث لم يكن هناك إفطار جماعي في الشوارع كما اعتاد الأهالي، لكن هذا العام تعود الأجواء إلى سابق عهدها.

حيث تجتمع العائلات مرة أخرى على موائد الإفطار في الهواء الطلق، ويدعو الأهالي المارة والمحتاجين لمشاركتهم الطعام، استمرارًا للتقاليد الريفية المتوارثة.

أنشطة رمضانية ومسابقات دينية

لا تقتصر الأجواء الرمضانية في الريف على الطعام والتجمعات فقط، بل تمتد إلى أنشطة دينية وثقافية ورياضية.

حيث يتم تنظيم مسابقات تحفيظ القرآن الكريم داخل المساجد، إلى جانب الدورات الرمضانية في كرة القدم الخماسية، والتي أصبحت إرثًا يتناقله الأبناء عن الآباء والأجداد.

وتُعرف هذه الدورات بمستواها التنظيمي المميز، حيث تجذب اهتمامًا كبيرًا من الأهالي.

إضافةً إلى بعض الطقوس الكوميدية والتقاليع الغريبة التي تضفي على هذه الفعاليات جوًا من البهجة والتفاعل الاجتماعي.

كرم الضيافة.. عادة موروثة منذ نصف قرن

يتميز الريف المصري بكرم الضيافة والمبادرات الإنسانية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك قيام بعض الأهالي بتقديم وجبات إفطار مجانية لركاب القطارات، خاصة إذا تصادف موعد دخول القطار إلى المحطة مع أذان المغرب.

وتُعد قرية أكياد التابعة لمركز فاقوس نموذجًا لهذا التقليد، حيث بدأت هذه العادة منذ أكثر من نصف قرن، عندما تعطل قطار خط الشرق أثناء أذان المغرب في العشر الأواخر من رمضان، فخرج العشرات من أهالي القرية، يحملون الطعام، لتقديم الإفطار للركاب، واستضافة الأسر التي لديها أطفال داخل منازلهم.

رمضان في الريف.. دفء العائلة ونبض الخير

يظل شهر رمضان في الريف المصري شهرًا للروحانية، والتكافل، والبهجة، حيث تتجلى فيه أجمل صور التعاون والمحبة بين الناس.

فبالرغم من التغيرات التي طرأت على المجتمع، إلا أن أهل الريف لا يزالون يحافظون على تقاليدهم المتوارثة، مؤكدين أن رمضان ليس فقط شهرًا للصيام والعبادة، بل هو أيضًا مناسبة لتعزيز العلاقات الاجتماعية ونشر الخير بين الناس.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى