حوارات وتصريحاتملفات وتقارير

رمضان في الغربة بين فقدان الطقوس الروحانية وخلق أجواء بديلة بأيديهم

في شهر رمضان المبارك، يعيش الكثير من المسلمين المغتربين مشاعر مختلطة بين حنين للماضي وتحديات الحاضر.

موقع “أخبار الغد” يعرض آراء مجموعة متنوعة من المواطنين والمختصين والمهتمين حول التغيرات التي تطرأ على أجواء رمضان عندما يُحتفل به بعيدًا عن الوطن، وكيف يمكن للمغتربين إعادة خلق الروحانيات والطقوس الرمضانية في بيئات مختلفة، وأحيانًا غير مواتية.

يستعرض موقع “أخبار الغد” آراء مواطنين مصريين وعرب، ويحمل في طياته نقاشًا عميقًا حول فقدان أو استعادة الهوية الإسلامية وسط ضغوط الحياة في بلدان غير إسلامية.

رمضان في الغربة .. طقوس غائبة أم مشاعر حاضرة؟

أكد محمود سعيد، وهو مغترب مصري يعيش في كندا منذ 7 سنوات، أن الاحتفال بشهر رمضان في بلاد الغربة يختلف كليًا عن ما كان يعيشه في بلده.

يقول: “رمضان في مصر كان يعني العائلة، الجيران، صوت الأذان، والمساجد الممتلئة بالمصلين. هنا، يصعب عليّ الشعور بنفس الأجواء. النهار طويل جدًا، ووقت الإفطار متأخر للغاية، وهذا يؤثر على الروحانيات التي كنا نعيشها هناك. لكن، أحاول جاهدًا أن أعوض هذا الفراغ بتنظيم إفطارات جماعية مع أصدقائي المغتربين، لنخلق نوعًا من التواصل والحميمية في غياب العائلة.”

أهمية نقل الطقوس للأجيال الجديدة

أشارت ندى الشامي، وهي مغتربة سورية تعيش في ألمانيا، إلى أن أكبر تحدي يواجه المغتربين هو نقل طقوس رمضان إلى الجيل الجديد.

تقول: “أبناؤنا هنا لا يعرفون معنى رمضان كما عرفناه نحن. لم يعيشوا فرحة الفانوس ولا تجمعات الإفطار الجماعية. هنا يجب أن نبتكر طقوسًا جديدة نخلقها بأيدينا. أحاول دائمًا أن أشرح لأطفالي أهمية الشهر الفضيل، وأصنع لهم الأجواء التي تربيت عليها، لكن الأمر ليس سهلاً خاصةً في بيئة تختلف ثقافتها عن ثقافتنا الإسلامية.”

تحديات الصيام في البلدان ذات النهار الطويل

أوضح الدكتور أحمد خليل، أستاذ الشريعة الإسلامية في إحدى الجامعات الكندية، أن التحدي الأكبر الذي يواجه المسلمين المغتربين في بعض البلدان هو طول ساعات النهار.

يقول: “في بعض الدول الأوروبية وكندا، يستمر النهار لأكثر من 18 ساعة في فصل الصيف. هذا يمثل تحديًا كبيرًا للمسلمين الصائمين. نواجه أحيانًا أسئلة حول إمكانية تقليص ساعات الصيام استنادًا إلى أوقات الصلاة في مكة أو المدينة، وهناك اجتهادات مختلفة في هذا الشأن. لكن يبقى الأهم هو الحفاظ على الروحانية وعدم جعل الصيام أمرًا منهكًا جسديًا فقط.”

المجتمع الغربي ورمضان: قبول أم تهميش؟

أكدت ليلى حسان، مغتربة تونسية تعيش في فرنسا، أن المجتمع الغربي قد لا يكون متفهماً لطبيعة الصيام والطقوس الرمضانية.

تقول: “في بيئة العمل، لا يعرف الزملاء معنى الصيام، ويتعاملون معه أحيانًا ببرود أو عدم فهم. عندما أشرح لهم سبب صيامي، أجد البعض يتفاعل بإيجابية والبعض الآخر لا يهتم. هذا قد يجعل المغترب يشعر بالعزلة خلال هذا الشهر الفضيل، خاصةً إذا لم يكن محاطًا بأشخاص يشاركونه نفس العقيدة.”

رمضان والغربة .. ضياع الهوية أم تعزيزها؟

من جانب آخر، أشار حمدي إبراهيم، مغترب مصري في أستراليا، إلى أن الغربة قد تكون فرصة لتعزيز الهوية الدينية لدى الفرد.

يقول: “قد يظن البعض أن رمضان في الغربة يُفقدك روحانيات الشهر، ولكن العكس صحيح بالنسبة لي. في ظل غياب الضغوط الاجتماعية والعائلية، أجد نفسي أكثر قربًا من الله، وأكثر التزامًا بالعبادات. الغربة علمتني أن أخلق جنتي الروحية الخاصة بعيدًا عن ضوضاء الحياة.”

الرمضان الافتراضي: هل يعوض الغياب؟

أوضحت سعاد مراد، مهندسة برمجيات مغربية تعيش في الولايات المتحدة، أن التكنولوجيا لعبت دورًا كبيرًا في تعويض جزء من الطقوس الرمضانية الغائبة.

تقول: “بفضل الإنترنت، أصبح بإمكاننا التواصل مع الأهل والأصدقاء يوميًا عبر الفيديو، وكذلك متابعة البرامج الدينية التي كانت جزءًا من حياتنا في رمضان. حتى الأذان والقرآن يمكن سماعهم عبر التطبيقات المختلفة، مما يعيد بعضًا من روحانية الشهر إلى حياتنا اليومية هنا.”

بين العودة إلى الوطن والبقاء في الغربة

أشار سمير الحاج، مغترب لبناني يعيش في السويد، إلى أن العديد من المغتربين يفكرون في العودة إلى أوطانهم خلال شهر رمضان.

يقول: “أعرف العديد من العائلات التي تختار العودة إلى بلدها الأصلي خلال هذا الشهر الفضيل لتعيش الأجواء التي تفتقدها في الغربة. شخصيًا، أجد أن العودة إلى الوطن في رمضان تمنحني إحساسًا بالدفء والانتماء، لكن الظروف المادية والعملية قد لا تسمح بذلك دائمًا.”

العزلة في رمضان: بين الأجواء المفقودة والحنين للأهل

أكدت فاطمة علي، مغتربة جزائرية تعيش في النرويج، أن رمضان في الغربة يمكن أن يكون فترة صعبة نفسيًا.

تقول: “أحيانًا أشعر بالعزلة الشديدة خلال رمضان، خاصة عندما أتذكر أجواء الإفطار مع العائلة في الجزائر. الأجواء هنا باردة وعملية أكثر من اللازم، ولا يوجد إحساس بالمشاركة الاجتماعية التي كنا نعيشها في بلدنا. لكني أحاول تعويض هذا الفراغ بتنظيم إفطارات جماعية مع زملاء العمل المسلمين.”

أثر الغربة على الأطفال والهوية الدينية

أوضحت رانيا عبد الحميد، مغتربة مصرية في بريطانيا، أن أكبر مخاوفها هو تأثير الغربة على هوية أطفالها الدينية.

تقول: “في بيئة لا تحتفل برمضان، قد لا يشعر الأطفال بالانتماء لثقافتهم الإسلامية. أحاول جاهدًة أن أعلمهم الطقوس وأشرح لهم أهمية هذا الشهر، لكن الخوف دائمًا هو أن يفقدوا هذا الاتصال بمرور الوقت. هنا يأتي دورنا كأمهات وآباء في أن نكون قدوة لهم ونخلق لهم أجواء رمضان بأنفسنا.”

رمضان والجانب الروحاني: الغربة تزيده أم تنقصه؟

أشار الدكتور محمد الزعبي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، إلى أن الغربة قد تكون فرصة لتعزيز الجانب الروحاني للفرد.

يقول: “الغربة قد تعزل الشخص عن ضغوط العادات والتقاليد، مما يجعله يركز أكثر على الجانب الروحاني للصيام والعبادة. لكنها أيضًا قد تؤدي إلى شعور بالوحدة والعزلة، وهو ما يتطلب جهدًا إضافيًا للحفاظ على الروحانية.”

الحلول الممكنة: كيف يعيد المغتربون خلق رمضان؟

أوضحت سارة الكيلاني، مغتربة أردنية في الولايات المتحدة، أن الحل الوحيد لتعويض غياب الأجواء الرمضانية هو خلقها بأنفسنا.

تقول: “عندما أدركت أن رمضان لن يكون كما عرفته في بلدي، قررت أن أصنعه بنفسي. أشارك أطفالي في إعداد الطعام، أزين المنزل بالفوانيس، وأدعو أصدقائي إلى إفطارات جماعية. صحيح أن الأجواء ليست مثالية، لكنها أفضل بكثير من ترك الشهر يمر دون أي شعور خاص.”

هل يمكن إعادة روحانية رمضان في الغربة؟

يتبين أن رمضان في الغربة يشكل تحديًا كبيرًا للمغتربين، بين طول ساعات النهار، غياب الأجواء الدينية، والتحديات التي يواجهها الأطفال في الحفاظ على هويتهم.

ومع ذلك، تبقى المسؤولية الأكبر على عاتق المغتربين أنفسهم في خلق أجواء رمضانية تعيد إلى قلوبهم وروحانياتهم ما فقدوه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى