مقالات وآراء

 د. عدنان منصور: قمة عربية بين رفضها للتهجير وعجزها عن منع التنفيذ!


لم يشهد العالم العربي منذ سايكس ـ بيكو وضعاً أخطر من الوضع الذي يعيشه اليوم في ظلّ هجمة أميركية ـ «إسرائيلية» شرسة، وهو انحطاط عربيّ لا مثيل له، في زمن العصر الأميركي ـ «الإسرائيلي»، وتسلّط الولايات المتحدة، واستبدادها، واندفاعها بكلّ قوة لرسم معالم جديدة لدول الشرق الأوسط الكبير، تطال سيادتها ووحدة أراضيها، ومستقبلها، ووجودها، وتفرض نفسها بالقوة، غير عابئة مطلقاً بالقرارات والقوانين الأممية والمجتمع الدولي.


يدرك ولا شك، الملوك والرؤساء والقادة، والزعماء والأمراء، والأحزاب، والإعلاميّون، والنقابيّون، والنشطاء العرب ما يحضّر لدولهم لوضعها على مشرحة قوى العدوان والتسلّط، بغية تقطيعها وتقسيمها. لكن هل توقف القادة العرب ملياً، ليعيدوا النظر بمسؤولية وطنية، وقومية عالية، وضمير حي، بسياساتهم، وبمدى صوابية مواقفهم وارتباطاتهم بالغرب، وتقييم حساباتهم السياسية، وولاءائهم وتحالفاتهم، إزاء ما يستهدف بلدانهم؟!


هل يعي العرب كلّ العرب، أنهم في مرحلة انهيار وانحطاط أمة وتفكيك أوطانها؟! وهل يأخذون بالاعتبار ما يحضر لدول المغرب العربي الكبير، ولِدولتي وادي النيل (مصر والسودان)، ولِدول شبه الجزيرة العربية، ودول الهلال الخصيب؟!


ما الذي فعله ويفعله القادة العرب لوقف الهجمة الأميركية، وتمدّد الاحتلال «الإسرائيلي» الذي يتوسّع على أكثر من أرض عربية؟!


من سخرية القدر، أنّ الدول العربية كانت تطمح بعد الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال والوحدة في ما بينها، فإذا بكلّ دولة تجد نفسها اليوم تستميت للدفاع والحفاظ على وحدة أرضها وسيادتها، تجنباً لتفكيكها وتقسيمها! أوَليس هذا هو الواقع المرير الذي ينطبق على دول عربية عديدة؟! أين هي وحدة العراق وأرضه في الوقت الحاضر عما كان عليه منذ عقود؟! أين وحدة السودان بعد تقسيمه؟! أين وحدة سورية التي كانت رائدة الوحدة العربية من وضعها الحالي، حيث تنهش جسدها، وتحتلّ أرضها قوات احتلال أميركية في الشرق، وتركية في الشمال، و»إسرائيلية» في الجنوب، وفصائل إرهابية، وقوى الأمر الواقع المنتشرة في كلّ مكان؟!

أين ليبيا واليمن والصومال من وحدة أرضهم وأمنهم واستقرارهم؟! أين فلسطين و»قضية العرب المركزية» التي منذ النكبة عام 1948 وهي تتصدّر بيانات القمم والمؤتمرات العربية والإسلامية والدولية، لنجدها اليوم تلفظ أنفاسها الأخيرة على يد دولة الاحتلال «الإسرائيلية»، التي تتحدّى كلّ العرب، تعبث بهم، تزدريهم، تفعل ما تريد ومتى تشاء، دون أن تجد من يصدّها ويقف في وجهها ويضعها عند حدّها. لماذا تغيب الإرادة العربية والقرار الحازم، رغم كلّ الإمكانات الهائلة التي يمتلكها العرب والتي تظلّ معلّقة على الدوام وغير فاعلة؟!


ما الذي ستحققه القمة العربية الطارئة التي عُقدت يوم الثلاثاء الماضي، لجهة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ورفض انتزاع وتهجير سكانه من أرضهم؟! هل الخطة العربية التي اعتمدتها القمة العربية كفيلة بمواجهة مشروع ترامب ـ نتنياهو 2025؟! مَن سيطبّق هذه الخطة؟! وهل سيقبل بها الثنائي الأميركي ـ الإسرائيلي، بعد أن عبّرت «إسرائيل» عن رفضها للخطة عبر وزارة خارجيتها، متهمة الدول العربية باستخدام الفلسطينيين «بيادق» ضدّها طيلة 77 عاماً، وبعد أن جدّدت دعمها لمقترح الرئيس ترامب الرامي إلى ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر ودول أخرى؟!


مع تزامن رفض تل أبيب للخطة العربية، وتعثر المفاوضات حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار التي دخلت طريقاً مسدوداً، يستعدّ جيش الاحتلال «الإسرائيلي» لاستئناف عملياته العسكرية في قطاع غزة بعد رفض نتنياهو التزامه باتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، والقاضي بتطبيق المرحلة الثانية منه، والذي دخل حيّز التنفيذ في حينه.


الاتفاق الذي أخلّ به نتنياهو وتنصّل منه، ينصّ في مرحلته الثانية على إطلاق المزيد من الأسرى الفلسطينيين، والذي كان جزءاً أساسياً من المرحلة الأولى. إلا أنّ نتنياهو تمسّك بالمقترح الجديد للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وهو الإفراج عن نصف الأسرى «الإسرائيليين» لدى حماس، وهذا ما يتعارض مع الاتفاق الأساسي…
لم تتوقف «إسرائيل» عند هذا الحدّ، في إخلالها بالاتفاق، إذ أوقفت إدخال المساعدات الإنسانيّة إلى قطاع غزة، وتروّج بقطع الكهرباء والمياه عن القطاع.


أمام فجور «إسرائيل»، وعدوانها المتواصل على دول عربية، وما تقوم به لاختزال فلسطين وشعبها من الخريطة العربيّة، وبعد كشفها للعلن عن نياتها العدوانية والتوسعية في دول عربية عديدة، وفي ظلّ هيجان قرصان العالم وجبروته، ودعمه اللامحدود لدولة الاحتلال، وتجاهله للقرارات الأممية، والمواثيق الدولية، وحقوق الشعوب، تبقى دولنا العربية على قارعة طريق الكاوبوي الأميركي يتحكم في قراراتها، ومصيرها.


أيّ تاريخ يسطره العرب اليوم من خلال قممهم ومؤتمراتهم وبياناتهم وتوصياتهم؟! قبل ثلاثة وعشرين عاماً، وجهت «إسرائيل» صفعة ما بعدها صفعة للقادة العرب برفضها على الفور المبادرة العربية للسلام أثناء القمة العربية في بيروت عام 2002، غير مكترثة بهم وبمبادرتهم.
حينها، اعتقدنا وهماً أنّ القادة العرب سيثأرون لكرامتهم وكرامة أمتهم فإذا بردّ فعلهم اقتصر على تمسكهم بالمبادرة منذ ذلك الوقت، دون أيّ اعتبار من دولة الاحتلال!


مرة أخرى تردّ «إسرائيل» بوقاحتها المعهودة على الخطة العربية التي تبنّاها القادة العرب، غير مبالية بالمطبّعين معها، والمهرولين باتجاهها، أو بالمنبطحين أمامها، أو بطالبي الودّ والقربى الإبراهيميّة منها؟!


ألا تخوّل إمكانات العالم العربي أن يكون له مكان فاعل محترم بين الأمم؟! ما الذي سيفعله القادة العرب بعد الإهانة الثانية التي وجهتها «إسرائيل» الى خطتهم؟!


منذ عام 1948، وأمام أعين قادة العرب وقممهم العربية العادية والطارئة، ضاعت فلسطين واغتُصبت، وأمامهم احتُلت سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان، وأمامهم احتلت «إسرائيل» أجزاء من لبنان، وفي وجوههم رفعت خارطتها التوراتية التي تلتهم كامل أو أجزاء من دول عربية، دون ردّ فعل منهم، فيما «إسرائيل» وحتى اللحظة، تعتدي وتحتلّ، وتتوسّع، وتهدّد، وتكشف عن خططها التوسعية يوماً بعد يوم.


بعد كلّ ذلك، هل أدرك القادة العرب أنّ «إسرائيل» لا تريد مطلقاً السلام، إنما تريد السيطرة الكاملة على غزة، وإخلاء الضفة الغربية، (يهودا والسامرة) من الفلسطينيين، وتقرير مستقبل دول الشرق الأوسط بيدها ويد قرصان العالم، والسطو على ثرواتها وخيراتها وأموالها وفرض الأمر الواقع عليها؟! متى سيشرب القادة العرب حليب السباع ولو مرة واحدة في هذا الزمن العربي الرديء، ليقولوا كلمتهم المدوية، ويتخذوا القرارات الحاسمة التي تشرّفهم وتشرّف بلدانهم وشعوبهم، ويعيدوا النظر في مواقفهم التي جنحت كثيراً باتجاه العدو «الإسرائيلي»، وخدمت مصالحه دون مبرر على حساب العرب وقضاياهم، وبالذات «القضية المركزية» التي جعلوها شعاراً لهم، فيما الولايات المتحدة ودولة الاحتلال تعملان بكلّ قوة على تفكيك دولهم، وتقسيم بلدانهم والسيطرة عليها وعلى ثرواتها!


القادة العرب طرحوا خطتهم، و»إسرائيل» ردّت، فما الذي سيفعلونه بعد اليوم؟! إنها محنة القمم العربية، وفشل القرار العربي الموحّد والحاسم على الدوام، وعجزهم عن المواجهة الذي يترك «إسرائيل» تعربد، وتعتدي وتحتلّ دون رادع عربي، لأنها تعرف مسبقاً مع مَن تتعاطى، وتعرف جيداً حقيقته الكاملة!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى