مقالات ورأى

إسلام الغمري يكتب :“ممر داوود” هل تتحطم أحلام الصهاينة؟

في خضم الفوضى التي تعصف بالمنطقة، تتحرك إسرائيل بخطى ثابتة نحو تحقيق حلمها التوسعي القديم، مستغلةً حالة الانهيار التي عاشتها سوريا خلال السنوات الماضية. مشروع “ممر داوود”، الذي كان يُنظر إليه كضرب من الخيال، بات اليوم حقيقةً تتشكل على الأرض، لكنه لم يكتمل بعد، فالمعادلة لم تُحسم، والرهان على قدرة الشعوب وقواها الفاعلة في قلب الطاولة على المخطط الصهيوني لا يزال قائمًا.

ما قبل اليوم: كيف مهدت إسرائيل لمشروعها؟

في ديسمبر 2024، شنت إسرائيل عملية “سهم باشان”، متوغلةً في القنيطرة وجبل الشيخ ودرعا، مما أدى إلى تدمير 70-80% من القدرات الاستراتيجية السورية، وشلّ القوات الجوية والبحرية بالكامل. بالتزامن مع ذلك، استغلت تل أبيب حالة الفوضى والانقسامات الداخلية، خصوصًا في السويداء، حيث رُفع علمها في مشهد يعكس مدى اختراقها للمنطقة.

في الوقت ذاته، كانت سوريا تشهد تحوّلًا جذريًا. فبعد معارك حاسمة، تمكنت فصائل الثورة السورية بقيادة هيئة تحرير الشام من إسقاط نظام بشار الأسد في دمشق، ما أجبره على الفرار إلى روسيا، تاركًا البلاد في حالة فراغ سياسي وأمني. هذا السقوط المفاجئ منح إسرائيل فرصة لتعزيز نفوذها في الجنوب السوري، حيث تحركت بسرعة لاستغلال الانهيار الحاصل لصالح مشروعها التوسعي.

الواقع الراهن: “ممر داوود” بين التمدد والمقاومة

اليوم، تسعى إسرائيل لتكريس سيطرتها على مسار استراتيجي يمتد من الجولان المحتل، مرورًا بدرعا والسويداء، وصولًا إلى قاعدة التنف الأمريكية، ثم نحو مناطق نفوذ “قسد” في الرقة ودير الزور، ليتصل بكردستان العراق. الهدف واضح:
• السيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز في دير الزور والرقة.
• إضعاف الدول المجاورة، وعلى رأسها سوريا والعراق وتركيا، مع إبقاء إيران تحت التهديد الدائم.
• خلق واقع جيوسياسي جديد، يمنح إسرائيل نفوذًا واسعًا في قلب المنطقة العربية، تحت غطاء أمريكي مباشر.

لكن هذا المشروع لم يتحقق بالكامل بعد، إذ يواجه عقبات كبرى، أهمها:
1. المقاومة المحلية في الجنوب السوري، والتي لم تخضع بالكامل للنفوذ الإسرائيلي.
2. التدخل التركي المحتمل، حيث تتابع أنقرة التطورات بحذر، وتدرك أن نجاح “ممر داوود” سيشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة في ظل التمدد الكردي المدعوم إسرائيليًا.
3. التوترات الإقليمية، حيث بدأت بعض القوى الفاعلة في المنطقة تدرك خطورة المخطط الصهيوني، ما قد يدفع إلى تشكيل تحالفات جديدة لإفشاله.

الدور التركي… حجر العثرة أمام المشروع الصهيوني؟

تركيا، التي أطلقت عملية عسكرية واسعة في شمال سوريا ضد قوات “قسد” لمنع إقامة كيان كردي مستقل، تدرك جيدًا أن المشروع الإسرائيلي لا يهدد سوريا فحسب، بل يشكل خطرًا استراتيجيًا على أمنها القومي. فإذا نجح “ممر داوود”، فسيعني ذلك وجود نفوذ صهيوني مباشر على حدودها الجنوبية، مما يعزز النزعات الانفصالية، ويهدد استقرارها.

لذلك، فإن التحركات التركية في الفترة المقبلة ستكون حاسمة، سواء من خلال تكثيف الدعم للقوى الرافضة للمخطط الصهيوني، أو عبر تحركات عسكرية مباشرة قد تعيد خلط الأوراق في الجنوب السوري. أنقرة أمام اختبار استراتيجي: إما أن تتحرك لإجهاض المشروع في مهده، أو تجد نفسها في مواجهة كيان معادٍ على بوابتها الجنوبية.

هل تتحطم أحلام الصهاينة؟

إسرائيل، بدعم أمريكي غير محدود، تسابق الزمن لفرض واقع جديد في سوريا، لكنها لم تحقق هدفها بعد. الشعوب لم تقل كلمتها الأخيرة، والتحالفات لم تُحسم نهائيًا، والمقاومة لم تُكسر رغم الضغوط.

المعركة لا تزال مفتوحة، والمخطط الصهيوني رغم خطورته، ليس قدرًا لا يُرد. فالتاريخ يؤكد أن المشاريع الاستعمارية مهما بدت قوية، تتحطم أمام صمود الشعوب وإرادتها. والسؤال الحقيقي ليس إن كانت إسرائيل ستنجح في مشروعها، بل متى وأين ستتحطم أحلامها؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى