معسكر كرياندنقو في أوغندا: رمضان في المنفى تحت وطأة الجوع والمعاناة

أوضح تجمع اللاجئين السودانيين بمعسكر كرياندنقو في أوغندا أن معاناة اللاجئين السودانيين تتفاقم يوماً بعد يوم، خاصة في شهر رمضان المبارك.
في هذا المعسكر، الذي يأوي الآلاف من السودانيين الهاربين من الصراع في دارفور وأجزاء أخرى من السودان، يتداخل الألم مع محاولات البقاء على قيد الحياة.
رمضان في هذا المعسكر ليس كسابقه، حيث يغيب الأهل، وتفقد الأجواء الروحية الخاصة بهذا الشهر، ما يزيد من وطأة المنفى على قلوب اللاجئين.
أزمة إنسانية متفاقمة
أكد محمد آدم، أحد اللاجئين السودانيين في معسكر كرياندنقو، أن الحياة في المعسكر أصبحت لا تُطاق. وأشار إلى أن الصعوبات تفاقمت في شهر رمضان مع نقص الغذاء والماء.
يقول محمد: “كنا نعاني منذ وصولنا هنا، لكن رمضان جعل الأمور أكثر صعوبة. لا يوجد طعام كافٍ، والماء نشتريه من السوق بأسعار باهظة، وكل يوم يصبح تأمين وجبة الإفطار تحديًا”.
وأضاف آدم: “أحاول الحفاظ على تقاليدنا، وأقوم بإعداد الإفطار البسيط مع الجيران، لكن الأمر صعب. نشعر بالعزلة هنا، لا أجواء رمضانية، ولا حتى مساعدة من المنظمات الدولية”.
التحديات الصحية المتفاقمة
أشارت الدكتورة سلمى حسن، طبيبة متطوعة في معسكر كرياندنقو، إلى التدهور الصحي الخطير بين اللاجئين.
تقول سلمى: “الوضع الصحي كارثي. لا توجد أدوية كافية للأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم. هذا يجعل الصيام خطيرًا على العديد من اللاجئين. إضافة إلى ذلك، تعاني النساء الحوامل من نقص الرعاية الصحية المناسبة، مما يهدد حياتهن وحياة أطفالهن”.
وأضافت: “بعض اللاجئين يموتون بسبب عدم توافر العلاج اللازم، والوضع يتدهور يومًا بعد يوم. ناشدنا المنظمات الإنسانية مرارًا، ولكن لا يوجد استجابة. نحن نعيش في معسكر مع أكثر من مليون ونصف لاجئ، ومع ذلك لا نحصل على الحد الأدنى من الرعاية الصحية”.
العودة القسرية إلى العمل الشاق
أوضحت حليمة عمر، إحدى اللاجئات اللاتي اضطُرن إلى العمل لكسب لقمة العيش في معسكر كرياندنقو، أنها تعمل كبائعة فلافل لتوفير طعام لأسرتها.
تقول حليمة: “عندما وصلنا إلى هنا لم أكن أملك شيئًا. اضطررت للعمل بعد أن فقدت زوجي ولا أعلم عنه شيئًا منذ عامين. أحاول توفير قوت يومي بالكاد، فحتى دولارين يوميًا يعتبر إنجازًا”.
وتضيف: “الوضع صعب جدًا، لا نملك ما يكفي من المال، ومع ذلك يجب علينا تدبير أمورنا. في رمضان، تزيد المسؤوليات، ولكنني أشعر بالفقدان، فنحن هنا بعيدون عن أهلنا وجيراننا، وهذا يجعل الغربة أكثر ألمًا”.
الحرمان من مقومات الحياة الأساسية
أكد موسى عبد الرحمن، أحد النشطاء السودانيين في أوغندا، أن اللاجئين السودانيين في كرياندنقو يواجهون تحديات غير مسبوقة.
يقول موسى: “الأمر ليس مجرد نقص في الغذاء، بل هو غياب كامل لمقومات الحياة الأساسية. نحن نتحدث عن أناس يعيشون بدون ماء نظيف، وبدون طعام كافٍ، وبدون رعاية صحية. هذا الوضع يجب أن يتحرك العالم لإصلاحه فورًا”.
ويضيف: “نحن نعمل بجهودنا الذاتية لحفر آبار وتوفير الماء، ولكنها لا تكفي. اللاجئون هنا يضطرون إلى شراء الماء للمطابخ الخيرية، وهذا يزيد من معاناتهم”.
إحياء تقاليد رمضان في ظروف قاسية
أشارت أميرة إسماعيل، لاجئة سودانية أخرى في معسكر كرياندنقو، إلى الجهود المبذولة لإحياء تقاليد رمضان رغم الظروف القاسية.
تقول أميرة: “رمضان هذا العام مختلف تمامًا. نحن نحاول جاهدين إحياء التقاليد الرمضانية مثل تحضير “الحلو مُر”، والقيام بالإفطار الجماعي، وصلاة التراويح في الميادين الكبيرة، ولكن الشعور بالغربة والافتقاد للوطن يطغى على كل شيء”.
وتضيف: “لا يمكننا أن نشعر بروحانية رمضان كما كنا نشعر بها في السودان. لا يوجد الأهل ولا الجيران، ولا توجد الأجواء التي تعودنا عليها. حتى الطعام الرمضاني الذي كنا نتناوله أصبح صعب الحصول عليه”.
المطابخ الخيرية وإنقاذ الأسر الضعيفة
أوضح خالد عثمان، أحد مؤسسي المطابخ الخيرية في معسكر كرياندنقو، أن فكرة المطابخ الخيرية جاءت بعد إيقاف برنامج الغذاء العالمي دعمه للاجئين.
يقول خالد: “بدأنا هذه المطابخ بجهودنا الذاتية لتقديم الطعام للفئات الأكثر ضعفًا من الفتيات والأرامل والمطلقات والأطفال. الآن لدينا 13 مطبخًا خيريًا في جميع أنحاء المعسكر، واليوم نفتح المطبخ الخيري الـ14”.
ويضيف خالد: “لكن المشكلة هي أن المواد الغذائية التي لدينا لا تكفي حتى منتصف رمضان. إذا لم نحصل على دعم من المنظمات الخيرية أو الأفراد، فسيصبح الآلاف من اللاجئين السودانيين هنا عرضة للجوع. نحن بحاجة إلى مساعدة عاجلة”.
الحياة في معسكر كرياندنقو
أكدت فاطمة حسن، لاجئة سودانية من دارفور، أنها تعيش في معسكر كرياندنقو منذ سنتين مع أسرتها. تقول فاطمة: “الحياة هنا صعبة للغاية.
نحن نعيش في هذا المعسكر مع 57 ألف أسرة سودانية أخرى، إلى جانب مليون و800 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة. لا يوجد أي شكل من أشكال الدعم الحكومي أو الدولي الذي يساعدنا على التكيف مع الحياة هنا”.
وتضيف: “تم إدماجنا مع اللاجئين الآخرين دون توفير أي وسيلة تعيننا على الحياة. نحن نكافح كل يوم للبقاء، والحصول على الطعام والماء والرعاية الصحية أصبح تحديًا يوميًا”.
المطالبات المتكررة بلا استجابة
أوضح إبراهيم يوسف، ممثل لتجمع اللاجئين السودانيين في كرياندنقو، أنهم تقدموا بمطالبات عديدة للمنظمات الدولية والمحلية لدعم اللاجئين في جوانب الصحة والغذاء والماء.
يقول إبراهيم: “لقد حاولنا التواصل مع عدة جهات، ولكن لم يكن هناك استجابة حتى الآن. الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ونحن نعيش في ظروف إنسانية لا تُحتمل”.
ويضيف: “نحن بحاجة ماسة لدعم صحي خصوصًا، فهناك أعداد كبيرة من الأطفال يعانون من سوء التغذية، والنساء الحوامل يواجهن خطر الولادة بدون رعاية طبية مناسبة”.
مستقبل مظلم وأمل ضئيل
أشارت مريم علي، ناشطة سودانية في حقوق اللاجئين، إلى أن الوضع في معسكر كرياندنقو يعكس الأزمة الكبرى التي تواجه اللاجئين السودانيين في أوغندا.
تقول مريم: “هذا الوضع لا يمكن أن يستمر. اللاجئون هنا يعيشون في حالة من الفقر المدقع، والموارد التي يعتمدون عليها تنفد سريعًا. هناك حاجة ماسة لتحرك دولي لإنقاذ هؤلاء الناس”.
وتضيف: “المستقبل مظلم بالنسبة للكثير من الأسر هنا. لا يوجد أمل في العودة إلى السودان قريبًا، والظروف في المعسكرات تزداد سوءًا يومًا بعد يوم”.
إن معسكر كرياندنقو في أوغندا يعكس أزمة إنسانية كبيرة تتطلب تدخلًا فوريًا من المجتمع الدولي. رمضان في هذا المعسكر ليس سوى تذكير بمرارة اللجوء وفقدان الوطن.
وبينما يحاول اللاجئون السودانيون البقاء على قيد الحياة وسط هذه الظروف الصعبة، يتبقى السؤال: إلى متى سيظل العالم صامتًا تجاه هذه المأساة؟