تقاريرحوارات وتحقيقات

طولكرم بين شبح الحرب وضياع رمضان: أجواء باهتة وحياة اقتصادية منهارة

أشارت مدينة طولكرم هذا العام إلى غياب أجواء رمضان المعتادة تحت وطأة العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة.

وسط الحواجز والدبابات، تلاشت الزينة والبهجة، وتراجع النشاط التجاري إلى أدنى مستوياته، حيث يواجه المواطنون حياة محاطة بالخوف والحرمان، في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة.

أوضح محمود حسن (50 عامًا)، وهو تاجر في سوق الخضار في طولكرم، أن الأسواق لم تعد كما كانت.

يقول محمود: “كنا نستعد كل عام لهذا الموسم، رمضان هو فرصة ذهبية لنا كتجار، لكنه الآن أصبح كابوسًا. لم يعد هناك زبائن، الناس خائفون من الخروج بسبب الهجمات الإسرائيلية. نرى الشوارع فارغة والمحالّ مغلقة. الزينة التي كانت تضفي بهجة على الأسواق غابت تمامًا هذا العام”.

وأشار إلى أن الأوضاع الأمنية المتوترة خلقت حالة من الخوف لدى الناس الذين فضلوا البقاء في بيوتهم، مما أدى إلى انعدام الحركة التجارية.

أكدت ليلى عبد الله (38 عامًا)، وهي ربة منزل من سكان المدينة، أن رمضان فقد طابعه الخاص هذا العام.

تقول ليلى: “كنا نعتاد على تزيين بيوتنا وشوارعنا، ونخرج كل مساء للتسوق والشراء من البسطات، لكن الآن كل شيء تغير. أصوات الانفجارات والاشتباكات تملأ السماء بدلاً من أصوات الأذان والاحتفالات. الحياة باتت ثقيلة ومشحونة بالخوف والترقب. حتى أبنائي يخشون اللعب في الشوارع كما كانوا يفعلون في السابق”.

وأشار مؤيد ناصر (45 عامًا)، صاحب بسطة لبيع المخللات، إلى أن البيع بات أصعب من أي وقت مضى.

قال مؤيد: “الأوضاع مأساوية، ننتظر الزبائن طوال اليوم ولا أحد يأتي. الأسعار التي كنا نبيع بها في السابق لم تعد ممكنة، اضطررنا لخفض الأسعار بشكل كبير لنتمكن من بيع أي شيء. الناس ليس لديهم المال الكافي، وكل شخص يفكر فقط في كيفية تأمين قوت يومه وسط هذه الفوضى”.

أوضح عبد الكريم صبحي (60 عامًا)، صاحب محل لبيع الملابس في السوق، أن التجار أصبحوا يعانون بشدة.

يقول عبد الكريم: “تجار السوق يمرون بأوقات صعبة للغاية. لم يعد هناك أي حركة تجارية تُذكر. الزبائن الذين كنا نعتمد عليهم من القرى المجاورة توقفوا عن القدوم بسبب الحواجز الإسرائيلية والعمليات العسكرية المستمرة. كنا نتمنى أن يعود رمضان هذا العام بالفرح كما في السابق، لكنه جاء مثقلًا بالحزن والمأساة”.

أشار أحمد خليل (30 عامًا)، وهو موظف في شركة خاصة، إلى أن الأوضاع الاقتصادية في المدينة تنهار.

يقول أحمد: “الرواتب بالكاد تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، ومع تراجع العمل وتوقف الأنشطة التجارية، أصبح الوضع كارثيًا. الناس هنا لا يستطيعون حتى شراء الضروريات الرمضانية مثل التمر والعصائر، فما بالك بالكماليات التي كانت تضفي البهجة على هذا الشهر الفضيل”.

أوضحت فاطمة شاهين (44 عامًا)، وهي معلمة في إحدى مدارس المدينة، أن غياب الزينة الرمضانية أثر على الحالة النفسية للأطفال.

تقول فاطمة: “رمضان كان يعني الفرحة للأطفال، الأضواء، الزينة، والحلويات. الآن، نحن نحاول فقط أن نمنحهم القليل من الأمل، لكن الأوضاع الأمنية جعلتهم يشعرون بالخوف الدائم. لا نستطيع الخروج كما كنا نفعل في السابق، وكل ما نراه هو الحواجز والدبابات الإسرائيلية التي تحاصرنا”.

أكد خالد يوسف (55 عامًا)، خبير اقتصادي، أن الاقتصاد في طولكرم يواجه أزمة غير مسبوقة.

يقول خالد: “الاقتصاد المحلي يعتمد بشكل كبير على الحركة التجارية والنشاطات في رمضان، لكن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية أدى إلى تدمير هذا القطاع. الأسواق شبه فارغة، والتجار يبيعون بخسارة. لا يمكن للاقتصاد أن ينتعش في ظل هذه الظروف، وإذا استمرت الأوضاع على هذا الحال، فإن الأزمة ستتفاقم بشكل كارثي”.

أشار إبراهيم زيدان (40 عامًا)، ناشط اجتماعي، إلى أن الأوضاع الاجتماعية في طولكرم تأثرت بشكل كبير.

يقول إبراهيم: “العائلات تعيش حالة من التوتر والخوف المستمر. المداهمات العسكرية الليلية والاعتقالات المتكررة تسببت في تهجير العديد من العائلات. الأجواء الرمضانية التي كانت تجمع الناس للاحتفالات والتزاور اختفت تمامًا. حتى الشعائر الدينية مثل صلاة التراويح أصبحت محاطة بالخوف من الاقتحامات المفاجئة”.

أوضحت هبة إسماعيل (35 عامًا)، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان، أن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية يزيد من معاناة المواطنين.

تقول هبة: “المخيمات في طولكرم ونور شمس تعرضت لهجمات متواصلة، ما أدى إلى تشريد العديد من الأسر. النساء والأطفال هم الأكثر تضررًا، إذ يعيشون في ظروف غير إنسانية بعيدًا عن بيوتهم. الحكومة الإسرائيلية تستمر في فرض الحصار والتضييق، مما يجعل الوصول إلى المساعدات الإنسانية أمرًا صعبًا للغاية”.

أكد يوسف نعيم (48 عامًا)، وهو مختص في علم الاجتماع، أن الوضع الحالي أثر بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية في المدينة.

يقول يوسف: “في رمضان كنا نرى الناس يجتمعون في المساجد والأسواق ويتزاورون بشكل مكثف، لكن الآن كل هذا تغير. الخوف من العمليات العسكرية أدى إلى عزلة اجتماعية، فالجميع يخشى الخروج من بيته، والعائلات لا تجرؤ على تنظيم أي تجمعات خشية القصف أو المداهمات”.

أشار سالم محمد (27 عامًا)، وهو شاب عاطل عن العمل، إلى أن الأمل في تحسن الأوضاع يبدو ضئيلًا.

يقول سالم: “الشباب في طولكرم يعانون من البطالة والفقر. قبل العمليات العسكرية كنا نبحث عن فرص عمل داخل المدينة أو في الداخل المحتل، لكن الآن أصبح من المستحيل الحصول على أي عمل. الحواجز الإسرائيلية تعيق التنقل، والاقتصاد المحلي في حالة انهيار تام. حتى الطموح أصبح حلمًا بعيد المنال”.

أوضحت نسرين أحمد (50 عامًا)، وهي ناشطة في المجال الثقافي، أن الأجواء الرمضانية كانت دائمًا مصدر فخر للمدينة.

تقول نسرين: “طولكرم كانت تشتهر بتنوع فعالياتها الرمضانية، من الأسواق الليلية إلى الفعاليات الثقافية والفنية التي كانت تجمع الناس من مختلف الأعمار. الآن، كل شيء توقف. الأطفال والشباب فقدوا الإحساس بالفرحة، وبدلًا من الزينة والأضواء، نرى الدبابات والإغلاق”.

تعيش مدينة طولكرم هذا العام واقعًا مريرًا أسيرة الحصار والخوف، مع غياب أجواء رمضان التي كانت تملأ قلوب سكانها بالفرح، حيث تبدو الأسواق شبه فارغة والزينة الرمضانية غائبة تمامًا.

الحالة الأمنية المتدهورة والعمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في مخيمي طولكرم ونور شمس ألقت بظلالها الثقيلة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المدينة ولم تؤثر فقط على النشاط التجاري، بل مزقت النسيج الاجتماعي، ليبقى السؤال: متى ستعود المدينة إلى سابق عهدها، وسط آمال ضائعة ومخاوف مستمرة؟.

المواطنون يشتكون من تدهور الأوضاع المعيشية وفقدان الطابع الرمضاني الذي كان يجمعهم، بينما يعاني التجار من تراجع الحركة التجارية. الأجواء المشحونة بالخوف والقلق أصبحت هي السائدة، وأحلام المواطنين في عودة الحياة إلى طبيعتها تتضاءل يومًا بعد يوم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى