رمضان تحت الركام .. شعب غزة بين قسوة الحرب وتجاهل العالم

أكد عدد من سكان قطاع غزة أن شهر رمضان هذا العام جاء في ظل أوضاع مأساوية تفاقمت عن السنة الماضية، حيث لم يتغير الكثير بالنسبة لعشرات الآلاف الذين لا يزالون بلا مأوى ويعيشون بين ركام بيوتهم التي دمرتها الحرب الإسرائيلية. في المقابل، يُظهر المجتمع الدولي حالة من اللامبالاة تجاه هذه المعاناة المستمرة.
أوضاع مروعة تفوق الوصف
أوضح أحمد أبو عمر، أحد سكان حي الشجاعية، أن “الوضع في هذا الشهر الكريم أصبح مأساوياً بشكل يفوق أي تصور.
كنت أتمنى أن أعيش شهر رمضان في بيتي بين أولادي وأهلي، ولكن الآن لا بيت ولا عائلة كما كانت، فالبيت تحول إلى ركام، وأنا أعيش مع عائلتي في خيمة بالكاد تقي من الرياح”.
وأضاف: “كل ليلة نجتمع لنفطر على ما تبقى لدينا من طعام، وفي خلفية كل وجبة تذكير دائم بالدمار الذي لحق بنا”.
إفطار فوق أنقاض البيوت
أشار إبراهيم الخطيب، مواطن من رفح جنوب قطاع غزة، إلى أن موائد الإفطار هذا العام تفتقر إلى الأجواء الرمضانية المعتادة.
“نحاول أن نصنع البهجة للأطفال، ولكن كيف يمكننا الاحتفال ونحن نجلس فوق أنقاض بيوتنا؟”،
تساءل إبراهيم بأسى. وأضاف: “الدمار الذي لحق بمنازلنا لا يمكن وصفه بالكلمات، وكل محاولة للعودة إلى حياتنا السابقة تقابل باليأس، ورغم ذلك نحاول قدر المستطاع الحفاظ على عاداتنا الرمضانية”.
غياب المساعدات الإنسانية
أكدت مروة الأغا، ناشطة حقوقية، أن “إسرائيل ما زالت تعرقل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، رغم الحاجة الماسة إليها. كل يوم ننتظر وصول الخيام أو المنازل المتنقلة التي وعدنا بها، لكن لا شيء يصل. السلطات الإسرائيلية تتجاهل عن قصد تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، مما يفاقم معاناة مئات الآلاف من المتضررين”.
مروة شددت على أن المجتمع الدولي يتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية بسبب صمته وتغاضيه عن تلك الانتهاكات.
مشهد المسحراتي في خضم الدمار
أشار محمد أبو دياب، أحد سكان خان يونس، إلى أن “عودة المسحراتي إلى شوارع المدينة بعد الحرب كانت مشهداً مؤثراً. هذا الرجل الذي كان يجوب الشوارع لتنبيه الناس للاستعداد للسحور، يجوب الآن طرقاً خالية تقريباً من الناس، بسبب الدمار. لكن وجوده يذكرنا بأن الحياة يجب أن تستمر، حتى في أصعب الظروف”.
أجواء رمضان مختلفة في ظل الحرب
أوضح عبد الله الشوا، من سكان حي الزيتون، أن أجواء رمضان لم تعد كما كانت. “رمضان في غزة كان يتميز بأصوات الأناشيد والأهازيج التي تعم الأرجاء، ولكن الآن كل شيء مختلف. أصوات القصف والدمار ما زالت حاضرة في أذهان الجميع، وحتى الأطفال الذين كانوا يفرحون بالفوانيس أصبحوا يتساءلون متى سنعود إلى منازلنا”.
انتظار التهجير أو العودة
أكدت ريم زعرب، أم لطفلين من خان يونس، أن “هناك حالة من اليأس بين الأهالي. معظمنا لا يعرف متى سنعود إلى منازلنا، أو إذا كان ذلك ممكناً أصلاً. البعض بدأ يتحدث عن الهجرة، بينما يتمسك آخرون بأمل ضئيل في العودة. نحن نرفض مخططات التهجير التي تحاول إسرائيل فرضها، ولكن في ظل غياب الدعم الدولي، أصبحنا عالقين بين الألم والانتظار”.
الركام كرمز للصمود
أوضح يوسف حمادة، أحد سكان شمال القطاع، أن جلوس العائلات على أنقاض بيوتها في وقت الإفطار هو رسالة صمود للعالم. “نحن هنا لنبعث رسالة إلى إسرائيل والعالم بأسره: نحن لن نرحل. هذا الركام هو شاهد على جرائم الاحتلال، ولكننا سنظل متمسكين بأرضنا، مهما حاولوا تهجيرنا”.
الصمت الدولي المخزي
أكدت نوال الدلو، كاتبة فلسطينية، أن “المجتمع الدولي يقف صامتاً أمام ما يحدث في غزة. لا يمكن لأحد أن يتخيل حجم المأساة إلا من يعيشها. كل يوم نرى العائلات تكافح للحصول على طعام لإفطارها، ونحن في بلد تعرض للإبادة الجماعية. الصمت الدولي تجاه ما يجري هو خيانة لكل مبادئ حقوق الإنسان”.
رفض المخططات الإسرائيلية
أوضح فادي سعيد، محلل سياسي، أن “إسرائيل تحاول استغلال الدمار الناتج عن الحرب لتفريغ غزة من سكانها. الحكومة الإسرائيلية تعرف تماماً أن الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها الفلسطينيون ستدفع البعض إلى التفكير في الهجرة أو ترك أرضهم. ولكن رغم كل شيء، الشعب الفلسطيني يرفض هذه المخططات ويصر على البقاء”.
مطالبة بإعادة الإعمار
أشار وليد حمادة، أحد المختصين في الاقتصاد الفلسطيني، إلى أن “إعادة إعمار غزة يجب أن تكون أولوية للمجتمع الدولي، ولكن للأسف، هذه الجهود لا تسير بالسرعة الكافية. كل يوم تأخير في وصول المساعدات يعني المزيد من المعاناة. في حين أن الاتفاقيات السياسية تُبرم خلف الكواليس، يبقى الشعب الفلسطيني يعاني على الأرض”.
تحديات الفقر والبطالة
أكدت فاطمة سالم، ناشطة اجتماعية، أن “الأوضاع الاقتصادية في غزة تزيد من تعقيد المشهد. معظم الأسر لا تجد قوت يومها، والبطالة وصلت إلى نسب غير مسبوقة. كيف يمكننا الحديث عن أجواء رمضانية في ظل الفقر والجوع؟ الناس هنا يعانون على جميع الأصعدة، والفقر يضيف طبقة أخرى من الألم فوق ما يواجهه الناس من دمار وتشريد”.
مطالبة بالمحاسبة الدولية
أوضح علاء ياسين، محامي وناشط حقوقي، أن “الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة تستوجب محاسبة دولية فورية. هناك جرائم حرب ارتُكبت في غزة يجب ألا تمر دون عقاب. يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ موقفاً حازماً من أجل حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم”.
صمود لا يموت
رغم الألم والمعاناة، يستمر شعب غزة في إرسال رسالته إلى العالم: لن نستسلم، ولن نترك أرضنا. ولكن إلى متى سيستمر هذا التجاهل الدولي للكارثة الإنسانية التي تتكشف يومياً؟ هذا هو السؤال الذي يبقى عالقاً في الأذهان، بينما يواصل أهالي غزة حياتهم وسط ركام المنازل، في انتظار الفرج.