الفساد في الأسواق السورية: ارتفاع الأسعار يكشف معاناة المواطن وتجاهل الرقابة

أكدت معطيات السوق السورية في رمضان الحالي تفاقم الأزمة المعيشية التي يعاني منها المواطن السوري، مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية رغم الجهود الحكومية المعلنة لضبط السوق.
ورغم محاولات الجهات المعنية التخفيف من حدة الغلاء عبر مهرجانات التسوق وفعاليات “أسواق رمضان الخير”، إلا أن المواطنين يعبرون عن استياءهم البالغ من الأوضاع الاقتصادية التي تُثقل كاهلهم في هذا الشهر الفضيل.
موقع “أخبار الغد” يكشف أبعاد الفساد المستشري في السوق، وتناقضات تصريحات المسؤولين مع الواقع اليومي للمواطنين الذين يعيشون تحت وطأة غلاء الأسعار.
السوق بين تصريحات المسؤولين وشكاوى المواطنين
أوضح المواطن “أحمد السعيد”، أحد سكان حي المزة بدمشق، أن الأسعار هذا العام تفوق قدرته الشرائية بشكل كبير رغم الوعود الحكومية بفرض رقابة على الأسواق.
وقال السعيد: “الأسعار في ارتفاع جنوني، وأصبحت غير قادرة على تغطية تكاليف إفطار بسيط لعائلتي. تصريحات الحكومة بأن الأسعار في متناول الجميع هي مجرد وعود لا تتحقق على أرض الواقع، فالرواتب ما زالت متدنية ولا تتناسب مع حجم التضخم الحاصل”.
وأكدت المواطنة “ريم الحموي”، وهي أم لثلاثة أطفال، أن أسعار السلع الأساسية مثل الخضار واللحوم تفوق قدراتها بكثير،
وأوضحت: “منذ بداية رمضان وأنا أعاني في تأمين مستلزمات الإفطار. حتى الخضار التي كانت تُعتبر من الأرخص، ارتفعت أسعارها بشكل مفاجئ. كيلو الطماطم وصل إلى 7 آلاف ليرة، وهذا يثقل كاهل العائلات التي تعتمد على الخضار في موائدها اليومية”. وأضافت: “أين الرقابة التي يتحدثون عنها؟! الفساد يتجلى في كل زاوية من السوق، ونحن من ندفع الثمن”.
وأشار “علاء غنام”، صاحب محل بقالة في حي جرمانا، إلى أن السوق باتت غير مستقرة بفعل التقلبات الحادة في سعر صرف الليرة أمام الدولار، ما أدى إلى رفع الأسعار بشكل متواصل.
وقال غنام: “الموردون يرفعون الأسعار كل يوم بحجة الدولار، ونحن مجبرون على رفع أسعار السلع للمستهلكين. للأسف، تاجر الجملة يرفع السعر بمجرد انخفاض طفيف في الليرة، لكن عندما ترتفع لا نرى انعكاسًا لهذا التحسن على أسعار السلع”.
“أسواق رمضان الخير”: فعالية تثير الجدل
من جهته، أشاد “غياث بكور”، المشرف على مديرية التجارة الداخلية في دمشق وريفها، بفعالية “أسواق رمضان الخير”، مؤكدًا أنها تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين من خلال تقديم عروض خاصة على المواد الغذائية.
وقال بكور: “نحن ملتزمون بتوفير السلع بأسعار تنافسية، والهدف من الفعالية هو تجاوز حلقة الوسطاء الذين يتسببون في رفع الأسعار بشكل غير مبرر”.
لكن المواطنين كانوا أقل تفاؤلاً بجدوى هذه الفعالية، حيث أوضح “سمير العلي”، موظف حكومي، أن الأسعار في هذه الفعالية ليست مختلفة كثيرًا عن السوق العادي،
وأكد: “أسواق رمضان الخير مجرد اسم، لكن الأسعار ليست منخفضة كما يروجون لها. الفرق في السعر لا يتجاوز 10% في أفضل الأحوال، بينما الفرق الحقيقي يشعر به المواطن ذو الدخل المحدود في كل ليرة ينفقها”.
وأضافت “منى خليل”، وهي ربة منزل من منطقة برزة: “ذهبت إلى أسواق رمضان الخير على أمل العثور على بضائع بأسعار مخفضة، لكن ما وجدته لم يكن مختلفًا كثيرًا عن المحلات العادية. حتى السلع التي تحمل عروضًا خاصة، لم تكن بكميات كافية، وكأن الهدف هو الترويج فقط دون تحقيق الفائدة المرجوة للمستهلكين”.
التضخم وغلاء اللحوم يعيدان المواطنين إلى مائدة الفقر
في الوقت الذي تشهد فيه أسعار السلع الأخرى استقرارًا نسبيًا أو انخفاضًا طفيفًا، ارتفعت أسعار اللحوم بشكل كبير، مما جعلها بعيدة عن متناول الكثيرين.
وقال “محمد عبيد”، أحد الجزارين في منطقة القدم: “أسعار اللحوم ارتفعت بشكل كبير مقارنة برمضان الماضي. سعر كيلو لحم العجل وصل إلى 100 ألف ليرة، والغنم إلى 120 ألف ليرة. هذه الأسعار تجعل اللحوم حلمًا للكثير من العائلات”.
وأشار المواطن “خالد الأحمد”، وهو موظف حكومي، إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم جعله يعود إلى شراء اللحوم المجمدة والمعلبة ذات الجودة المنخفضة،
وأضاف: “لم أعد أستطيع شراء اللحم الطازج، فأسعار اللحوم ارتفعت بشكل جنوني. أضطر لشراء لحوم مجمدة رغم أنني أعرف أنها ليست صحية، لكن هذا هو الحل الوحيد لإدخال بعض البروتينات إلى مائدة الإفطار”.
التناقض بين وعود الحكومة والواقع المعيشي
أوضح الخبير الاقتصادي “نادر الصالح” أن السياسات الاقتصادية الحالية تساهم في استمرار معاناة المواطنين،
وأكد: “الوعود بزيادة الرواتب بنسبة 400% لم تتحقق بعد، ومع ذلك، أسعار السلع تواصل الارتفاع. الحكومة تروج لتحسن القدرة الشرائية، ولكن الرواتب الحالية لا تكفي لتغطية احتياجات أسبوع واحد في رمضان”.
وأضاف الصالح: “هناك مشكلة واضحة في توزيع السيولة، حيث يعاني الكثير من الموظفين في الحصول على رواتبهم، وهذا يفاقم الأزمة. الرواتب المتدنية مع غياب الرقابة الفعالة على الأسواق تخلق بيئة خصبة لاستمرار الفساد والتلاعب بالأسعار”.
الفساد في توزيع المواد الغذائية المدعومة
في حديثنا مع “سمر يوسف”، وهي أم لخمسة أطفال من حي الزاهرة، أشارت إلى أن المواد الغذائية المدعومة التي توفرها الحكومة تعاني من نقص في الجودة والكميات،
وقالت: “أضطر للوقوف ساعات طويلة في طوابير للحصول على السكر أو الطحين المدعوم، لكن الكمية التي أحصل عليها لا تكفي سوى لأيام قليلة. الحكومة تتحدث عن دعم المواطنين، لكن الواقع يقول غير ذلك. الفساد في توزيع المواد المدعومة واضح ولا أحد يحاسب”.
وأضافت “خديجة سلامة”، وهي موظفة في شركة خاصة: “الفساد أصبح جزءًا من حياتنا اليومية. في كل مرة أحاول الحصول على المواد المدعومة، أكتشف أن الكميات المتوفرة محدودة جدًا وأن الوسطاء يستفيدون أكثر من المواطن العادي. الحكومة تتحدث عن ضبط الأسعار وحماية المستهلك، ولكن من يحمي المواطن من الفساد المنتشر في كل مكان؟”.
تجار الجملة: الحلقة الأقوى في السوق
أكد “إبراهيم الحسن”، تاجر في منطقة الشعلان بدمشق، أن التجار يتعرضون لضغوط كبيرة بسبب تذبذب سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية،
وقال: “نحن كتجار جملة نضطر لرفع الأسعار عندما نشتري المواد بالدولار. البعض يعتقد أن التجار يرفعون الأسعار بشكل تعسفي، لكن الحقيقة أن السوق بأكمله يعاني من أزمة اقتصادية تؤثر على الجميع”.
وأضاف “علي الدرويش”، صاحب محل تجاري في حي المزة: “المشكلة الكبرى ليست في التجار، بل في الفساد الموجود في النظام المالي. سعر الصرف يتغير يوميًا، والتجار يضطرون للتعامل مع هذا الواقع. الحكومة يجب أن تجد حلاً لتثبيت سعر الصرف حتى نستطيع نحن والمستهلك التعامل مع الأسعار بشكل أكثر استقرارًا”.
أين الحل؟
يتضح أن الأزمة الاقتصادية في سوريا تفاقمت بشكل كبير، وأصبح المواطن السوري هو الضحية الأكبر لسياسات اقتصادية غير مدروسة، وفساد مستشرٍ في كل جوانب الحياة اليومية.
ارتفاع الأسعار، ضعف الرقابة الحكومية، وتذبذب سعر صرف الليرة، كلها عوامل تزيد من معاناة المواطن السوري في رمضان.
وبينما تقدم الحكومة وعودًا بإجراءات لتحسين الوضع، فإن الواقع يشير إلى أن الفساد وعدم الشفافية يستمران في السيطرة على السوق، مما يجعل الحلول الحقيقية بعيدة المنال.