عربي ودولى

مهرجان “الأرض” السينمائي يُختتم بنجاح في سردينيا ويُبرز صرخة فنية ضد الإبادة والتدمير

اختتمت جمعية “الصداقة سردينيا فلسطين” النسخة الحادية والعشرين من مهرجان “الأرض” السينمائي في مدينة كالياري، حيث استمر المهرجان من 25 فبراير وحتى 3 مارس، مسلطًا الضوء على الواقع الفلسطيني من خلال عدسة السينما، مع التركيز على أهمية الإنتاج السينمائي العربي.

شهد المهرجان عرض 21 فيلمًا في المسابقة الرسمية، تم اختيارها من مختلف أنحاء العالم، تشمل أفلامًا روائية طويلة وقصيرة، بالإضافة إلى أربعة أعمال خارج المسابقة، أثرت بالتأكيد على المشهد الفني والثقافي للمهرجان. وقد أسهمت هذه العروض في تعزيز الحوارات حول القضايا الإنسانية، وخاصة تلك المتعلقة بفلسطين.

وفرت الفعالية منصة للأصوات الفنية من جميع أنحاء العالم للتعبير عن آرائهم حول الصراعات والنزاعات من خلال السينما، مما جعلها لا تقتصر على الترفيه وحده، بل عملت كصرخة إنسانية ضد الإبادة والتدمير.

قالت رئيسة الجمعية، “نأمل من خلال مهرجان الأرض أن نكون قد نجحنا في توصيل رسالة واضحة عن المعاناة والأمل للشعب الفلسطيني، وعززنا من أهمية الفن كوسيلة للتغيير الاجتماعي

ويُعد المهرجان من أبرز المنصات الأوروبية التي تحتفي بالسينما الفلسطينية والعربية، حيث يعمل على توثيق جرائم الاحتلال من جهة، وحفظ الذاكرة للأجيال القادمة من جهة أخرى، من خلال إبراز نضالات الشعوب المستمرة ضد الظلم الاستعماري.

لجنة التحكيم وضيوف المهرجان

شارك في تحكيم هذه الدورة نخبة من الأسماء البارزة في مجال السينما والتاريخ، وهم: الباحث والمؤرخ نور مصالحة، أستاذ التاريخ سليم أبو حبل، المخرجة والناقدة السينمائية لينا بوخاري، مديرة قسم السينما في وزارة الثقافة الفلسطينية ليندا بغانيلي، والمخرج السينمائي أنتونيو ديانا. كما حلَّ ضيفان بارزان على المهرجان، هما المخرجة مونيكا ماوريو، والكاتب والشاعر إبراهيم نصرالله، إضافة إلى البروفيسور وسيم دهمش.

مهرجان في مواجهة الإبادة الجماعية والتدمير المستمر

أكد مدير المهرجان، فوزي إسماعيل، أن “أهمية هذه الدورة تكمن في انعقادها وسط استمرار الإبادة الجماعية على أبناء شعبنا في غزة ولبنان، وتعطش الجمهور الأوروبي، بعد تضامن شعبي واسع، لرؤية حقيقة ما يحدث في قطاع غزة”.

وأضاف في حديث مع “قدس برس” أن “الأفلام المشاركة توثق المجازر الإسرائيلية وبشاعة الاحتلال وعدوانه، وهي بمثابة صرخة لكل أحرار العالم ليروا الواقع من خلال أعمال الصحفيين والإعلاميين الذين ضحوا بأرواحهم لإيصال الحقيقة”.

وشدد إسماعيل على أن “دماء الشهداء هي التي تعطي الزخم للحدث، وليس العكس”، لافتًا إلى أن “ما حدث بعد السابع من أكتوبر أظهر حقيقة الاحتلال، وأسقط سرديته في الشارع الأوروبي. كما أن مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده في غزة والضفة أسهما بشكل كبير في رفع مستوى الوعي الأوروبي، رغم الدعم الرسمي المستمر من الحكومات الأوروبية لإسرائيل”.

وأشار إلى أن “هذا الوعي انعكس في حجم التظاهرات الجماهيرية المؤيدة للقضية الفلسطينية، ويعد المهرجان فرصة لإيصال الرواية الفلسطينية الحقيقية والنضال الوطني المستمر”، مؤكدًا أنه “لولا صمود الشعب الفلسطيني، لما تمكنّا من تنظيم هذه الدورة من المهرجان”.

صعوبات كبيرة أمام الصحفيين وصنّاع الأفلام

وأشار إسماعيل إلى أن المخرجين وصنّاع الأفلام من غزة واجهوا صعوبات كبيرة في المشاركة بالمهرجان بسبب ظروف التنقل وإغلاق المعابر. وكشف عن اعتقال أحد المخرجين من الضفة الغربية أثناء توجهه إلى الجسر للسفر عبر الأردن.

وأوضح أنه “رغم التحديات، تمكّن المهرجان من استضافة عدة أفلام أُرسلت من قطاع غزة، قدّمها مخرجون وإعلاميون، وهي تعكس حقيقة المعاناة والمقاومة، وتوثق حجم الدمار والإبادة الجماعية جراء العدوان الإسرائيلي المستمر”.

مهرجان في لحظة محورية

تزامنت النسخة الحادية والعشرون من المهرجان مع لحظة تاريخية فارقة، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة، واستمرار الإبادة الجماعية في غزة ولبنان.

وفي هذا السياق، أكد الكاتب والروائي إبراهيم نصرالله، في تصريحات لـ”قدس برس”، أن “المهرجان هو امتداد لحصيلة مهرجانات سابقة، ويعكس الخبرات المكتسبة لدى المخرجين والجمهور على حد سواء”.

وأشار نصرالله إلى أن “المئات من الكتاب والفنانين والأدباء والصحفيين قُتلوا على يد الاحتلال، إلى جانب تدمير مئات المدارس والمؤسسات الإعلامية، واستشهاد عدد كبير من أساتذة الجامعات خلال الحرب على غزة، في حصيلة مروعة للغاية”.

وتوقع أن “العدوان الإسرائيلي على غزة والإبادة الجماعية ستنتج أدبًا وأفلامًا وثائقية تُشكّل نقطة تحول فني، حيث تجاوزت الجرائم المرتكبة أي تصور بهمجيتها ووحشيتها، وقد شاهدها العالم بأسره على الهواء مباشرة”.

صرخة في وجه الموت من أجل الحرية

أكد نصرالله أن “هذه الدورة من المهرجان تمثل صرخة كبيرة في وجه الموت، من أجل الجمال والحرية، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في العودة إلى قراه ومدنه التي هُجّر منها قسرًا”.

من جانبها، أوضحت المخرجة الفلسطينية جوان عكلوك أن المهرجان الذي يمتد عمره إلى 22 عامًا، ينعقد هذا العام في ظل مشهد دولي قاتم، حيث تتواصل الإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان، وسط تدمير يستهدف المدارس والجامعات والمستشفيات وحتى أماكن العبادة، في محاولة لطمس الذاكرة الثقافية والتاريخية للشعب الفلسطيني.

وأضافت في حديثها مع “قدس برس” أن “مشاركة الفلسطينيين بقصصهم مع المجتمع الأوروبي تُعد أمرًا بالغ الأهمية، فمن الضروري الحديث عن القضايا المختلفة المتعلقة بالاحتلال، ليشاهد العالم الحقيقة بوضوح”.

وأشارت عكلوك إلى أن “هناك زيادة ملحوظة في وعي الأوروبيين بالقضية الفلسطينية، من خلال تفاعلهم مع الأفلام والأسئلة التي يطرحونها على المخرجين حول طبيعة التصوير والصعوبات التي يواجهونها”.

وأردفت: “لقد سقط القناع، ولم يعد يخفى على أحد حقيقة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة مع حجم وكم الجرائم التي يرتكبها في غزة ولبنان والضفة الغربية، وهو ما كشف للعالم كله وجه الاحتلال الحقيقي”.

السينما في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

بألحان فلسطينية وطنية ملتزمة، أُسدِل الستار على أحد أهم مهرجانات الأفلام الوثائقية في أوروبا، ليؤكد من جديد أهمية السينما كأداة لمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وكوسيلة لنقل الحقيقة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية التي تحاول طمسها. كما يُكرّس المهرجان دوره في حفظ الذاكرة للأجيال القادمة، وتسليط الضوء على المقاومة، والهوية، والنضال المستمر للشعبين الفلسطيني والعربي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى