ارتفاع الأسعار في رمضان: كارثة اقتصادية تُشعل غضب الأردنيين وتكشف الفساد

أكد العديد من المواطنين والمختصين أن الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية قد حدث قبيل شهر رمضان وأصبح يشكل أزمة حقيقية للأسر الأردنية.
وسط ارتفاع التضخم وتزايد استغلال بعض التجار للوضع الاقتصادي، يجد المواطنون أنفسهم عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، مما يثير تساؤلات حول غياب الرقابة الحكومية.
أوضح محمد العبدالله، أحد المواطنين القاطنين في العاصمة عمّان، أن الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية، وخاصة الدجاج والخضروات، أثار حالة من الاستياء الشديد بين المواطنين.
وأشار العبدالله إلى أن تكاليف الإفطار في رمضان أصبحت لا تُطاق، حيث تتراوح بين 35 إلى 653 دولاراً يومياً، وهو ما يفوق قدرة معظم الأسر الأردنية.
“لا يمكن أن نستمر هكذا، الفقراء أصبحوا عاجزين عن شراء أبسط احتياجاتهم، وفي رمضان، الذي من المفترض أن يكون شهر العطاء، أصبحنا نعاني بدلًا من أن نحتفل”، قال العبدالله معبراً عن رفضه واستنكاره لعدم تدخل الحكومة بشكل جدي لضبط الأسعار.
من جهته، أكد أحمد الخطيب، خبير اقتصادي، أن التضخم الذي بلغ 2.29% في يناير هو مجرد جزء من المشكلة.
وقال الخطيب: “إن الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار ليست فقط ارتفاع التكاليف العالمية، بل أيضاً استغلال بعض التجار للوضع الاقتصادي الراهن”.
وأشار إلى أن الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة، وخاصة النزاع على غزة، كان لها تأثير مباشر على الشحن عبر البحر الأحمر، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل وزيادة في أسعار السلع المستوردة.
“لكن هذا لا يبرر الفجوة الكبيرة في الأسعار التي نراها محلياً”، أضاف الخطيب منتقداً دور الحكومة في الرقابة على الأسواق.
بدوره، شدد محمود الزعبي، صاحب محل تمويني، على أن التهافت على الشراء قبيل رمضان هو ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر.
وقال الزعبي: “نحن كتجار نعتمد على العرض والطلب، ولكن عندما يتدفق الناس بكثافة قبل رمضان لشراء المواد الغذائية، يزداد الطلب بشكل هائل مما يرفع الأسعار”.
وأضاف: “نحن أيضاً نتعرض لضغوط من الموردين الذين يرفعون الأسعار قبل شهر رمضان”. وأكد أن هناك وفرة في السلع، لكن التصرفات الفردية لبعض التجار تساهم في رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
في المقابل، أوضح علي الشامي، أستاذ الاقتصاد في إحدي الجامعات، أن المشكلة تتعدى مجرد العرض والطلب، وأن هناك عوامل هيكلية تؤثر على الأسعار في الأردن.
وقال الشامي: “هناك عدم استقرار في السياسات الاقتصادية وغياب خطة واضحة للتعامل مع الأزمات الموسمية مثل شهر رمضان”.
وأشار إلى أن ارتفاع الأسعار هو نتاج طبيعي للفساد الإداري وغياب الرقابة الفعّالة على السوق. وأكد الشامي أن “ما نحتاجه هو إصلاح جذري في هيكل الاقتصاد المحلي وتعزيز المنافسة بين التجار للقضاء على الاحتكار”.
أما خالد أبو زيد، ناشط اجتماعي وحقوقي، فقد عبر عن استياءه من استغلال التجار للظروف الاقتصادية الصعبة.
وقال أبو زيد: “إن ما نشهده كل عام هو استغلال واضح للأزمة الاقتصادية من قبل بعض التجار، حيث يقومون برفع الأسعار بشكل جنوني قبيل شهر رمضان، دون أن تكون هناك أي رقابة فعلية من الحكومة”.
وأضاف أن “الفقر يزداد في الأردن، والطبقة الوسطى تنهار شيئاً فشيئاً، وهذا كله بسبب سياسات اقتصادية خاطئة وعدم وجود شفافية في التعامل مع الفساد”.
من جانبها، أبدت منى العدوان، ربة منزل، قلقها من الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية. وقالت العدوان: “لا أستطيع توفير احتياجات عائلتي الأساسية خلال شهر رمضان دون اللجوء إلى الاقتراض. الوضع أصبح مأساوياً، حتى أبسط الأشياء كالبندورة والخبز أصبحت بأسعار لا يمكن تحملها”.
وأكدت أنها تجد نفسها مضطرة للاستغناء عن بعض المواد الأساسية التي كانت تعد جزءاً من طعام الإفطار في السابق.
وأشار عبدالله الحاج، خبير في الشؤون الاقتصادية، إلى أن التضخم لم يكن مفاجئاً، وأن السياسات الاقتصادية المتبعة على مدار السنوات الماضية هي ما أدى إلى هذا الوضع الكارثي. و
قال الحاج: “الارتفاع في الأسعار خلال شهر رمضان هو نتيجة طبيعية لسياسات حكومية غير فعّالة. هناك غياب للشفافية في التعامل مع ملف الأسعار، ولا توجد أي إجراءات حقيقية لضمان حقوق المستهلكين”. وأكد الحاج أن الفساد هو السبب الرئيسي وراء التفاوت الكبير في أسعار المواد التموينية.
على الجانب الآخر، انتقد سمير الخوالدة، أحد المهتمين بالشؤون الاجتماعية، موقف الحكومة الباهت تجاه هذه الأزمة.
وأوضح الخوالدة: “كل عام تتكرر نفس المشكلة دون حلول فعلية. الحكومة تكتفي بالتصريحات الجوفاء دون اتخاذ أي إجراءات ملموسة على الأرض”. وأضاف أن “الشعب الأردني يعيش ضغوطاً اقتصادية هائلة، والارتفاع المتواصل في الأسعار يزيد من معاناته. يجب أن يكون هناك تدخل حكومي صارم لضبط الأسواق ومحاسبة التجار المتلاعبين”.
في السياق ذاته، أشارت سعاد المجالي، أستاذة علم الاجتماع، إلى التأثير الاجتماعي للارتفاع في الأسعار على العلاقات الأسرية.
وقالت المجالي: “إن الأعباء الاقتصادية تؤثر بشكل كبير على استقرار الأسر الأردنية، حيث تجد الأسر نفسها عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، مما يزيد من التوتر والضغوط داخل الأسرة”. وأكدت أن “الحكومة لا تولي أهمية كافية للبعد الاجتماعي للأزمة الاقتصادية، وهذا ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية في البلاد”.
من جانبه، قال فارس المومني، محلل اقتصادي، إن التضخم ليس المشكلة الوحيدة التي يواجهها المواطن الأردني، بل أيضاً السياسات الضريبية التي تفرض أعباءً إضافية على المستهلكين.
وأوضح المومني: “الضرائب المرتفعة تؤثر على القوة الشرائية للمواطن، وعندما تتزامن مع ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان، تصبح الحياة شبه مستحيلة للأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض”. وأشار إلى أن “الحكومة يجب أن تتخذ خطوات فورية لتخفيف الضرائب على السلع الأساسية في مثل هذه الأوقات”.
وأكد نايف الدباس، صاحب مطعم شعبي في وسط البلد، أن الارتفاع في الأسعار لا يؤثر فقط على الأسر بل أيضاً على أصحاب الأعمال الصغيرة.
وقال الدباس: “نحن نعاني من نفس المشكلة. كل عام قبل رمضان ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، ونحن لا نملك خياراً سوى رفع الأسعار أيضاً لتعويض التكاليف. ولكن في النهاية، المواطن هو من يدفع الثمن”.
وأكد أن الوضع بات لا يُحتمل وأن “الحكومة يجب أن تتدخل لحماية المواطنين والتجار الصغار من جشع بعض المستوردين والتجار الكبار”.
واختتم يوسف الخرابشة، أحد التجار الأردنيين، قائلاً إن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في سياسات السوق. وقال الخرابشة: “التضخم والارتفاع في الأسعار لا يمكن معالجتهما بتصريحات إعلامية فقط. هناك حاجة إلى تدخلات حكومية صارمة لوقف الاستغلال وضمان وصول السلع الأساسية بأسعار معقولة للمواطنين”.
وأكد أن الحل يكمن في “تعزيز الرقابة على السوق، ومحاربة الاحتكار، ودعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات”.
تتزايد المطالب في الأردن بوضع حد لارتفاع الأسعار الجنوني، خاصة في شهر رمضان، الذي يفترض أن يكون شهراً للروحانية والكرم. إلا أن الواقع الحالي يعكس استغلالاً واضحاً للأزمة الاقتصادية، مما يُشعل نقاشاً حاداً حول دور الحكومة في التصدي لهذه الكارثة.
ويعكس الارتفاع الجنوني للأسعار معاناة حقيقية تواجه الأسر الأردنية في شهر رمضان. ما بين غياب الرقابة واستغلال التجار، تتعاظم المخاوف من تفاقم الأزمة الاقتصادية.
تتزايد المطالب بتحرك حكومي فعّال لضبط الأسعار وحماية المواطنين، وسط مشاعر غضب ورفض شعبي متصاعد ضد هذا الفساد المستشري.