مصر

د.عمرو هاشم ربيع يكتب: العرجاني…هو اللى حضر العفريت هيعرف يصرفه!!

منذ أيام قليلة طالعتنا الأنباء عن خبرين غريبين. الأول: انتفاض رجل الأعمال السيناوي، المختار رئيسا لاتحاد القبائل العربية، إبراهيم العرجاني لبدو مطروح، بسبب ما ذكره رجل الأعمال حامد الشيتي عن إعاقة البدو للاستثمار السياحي وحركة المد العمراني بالساحل الشمالي. والثاني: تخصيص أسم “لجنة القبائل العربية والعائلات” ضمن لجان حزب الجبهة الوطنية.

في الظاهر ربما لا يجد البعض رابط بين الخبرين، لكن ما هو باطن هو أن القبائل العربية هي العامل المشترك بين الخبرين. المثير للجدل بالفعل هو أن الدولة المصرية التي تذود للدفاع عن الحداثة والمدنية من خلال البعد عن أي انتماء بدائي، يجعلها تتصف بالرجعية أو خلافه، تعود إدراجها للخلف بالعودة إلى الانتماءات الأولية التي مرد العالم عليها في العصور الوسطى وما قبلها، عندما كانت الكيانات السياسية تعتمد بالأساس على -أحد أو بعض أو كل من- الدين والمذهب والعائلة والثقافة والعرق والقبيلة.

عود للانتماءات الأولية

بطبيعة الحال، ما حدث يشكل عودة للوراء، لكون العالم منذ عقود كثيرة قد مرد على اتخاذ التحديث السياسى وسيلة للتطور والإرتقاء، لكون الدولة هي وحدة واحدة، يجمعها كل الناس المنتمين لأرضها والمرتبطين مع بعضهم البعض برباط المواطنة وقبلها رباط الإنسانية. بعبارة أخرى، لو كان الارتباط المطلوب هو رباط القبائل أو الملل أو الثقافات أو النحل، ما عرفت للدولة الحديثة طريق، إلا طريق الفناء والزوال. وبالمقابل تنشأ وتبقى الدول وتتماسك ويستمر المجتمع يافعا في إطار من المدنية المرتبطة بالمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، وكل ذلك متصل بقيم القانون الذي يتحتم بل ويوجب عليه ألا يفرق بين مواطن وغيره بسبب العرق أو الثقافة أو الدين أو النوع.

من هنا تلقفت الدولة الحديثة فكرة الأحزاب السياسية المدنية التي تجمع شتات الناس على اختلاف انتماءاتهم الأولية للإنضمام لتلك الكيانات، التي لا تفرق بينهم، وذلك في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وصدرت عقب ذلك عديد الأدبيات التي تؤطر لتلك الفكرة، ومنها كتاب “الأحزاب السياسية” للعلامة موريس ديفرجية المتوفى عام 2014، وذلك في مطلع الستينات، وتحديدا في 1954.
لم تكن فكرة الحداثة عبر الأحزاب السياسية نجاعة للدولة فحسب، بل هي نجاعة للمجتمع أيضا. فعندما يذود الفرد للقبيلة أو العائلة أو الدين يصبح الفناء هو سيد الموقف، وهو المنتظر في المدى القريب أو البعيد. فبمجرد أن يحدث موقف مختلف عليه، يعود الفرد إلى انتماؤه الأولى، وهو انتماء عصبي، ليبدأ الشحذ والتعبئة التي تعيد المجتمع لعصر الغاب، وأخذ الحق باليد وبالنفس. هنا تثور وتسود قيم الثأر والانتقام الشخصي، وتختفي وتزول أحكام القانون المدني الداعم للمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة.
محضر9ح/17يناير2012 قسم الضبعة
ما برز في خبر حامد الشيتي المعتذر من القبائل -بعد ما يشبه الوعيد من العرجاني- أمر يندى له الجبين. فحتى لو اتهم الأول بأنه أخذ أرض من الدولة “بتراب الفلوس”، فإن ما جاء على لسانه كان يعبر عن واقع عاشه هو وعاشه الكثيرين. وكلنا خبُر في مرات عديدة كيف تصرف سكان الساحل الشمالي الأصليين لمواجهة خطط الدولة، وكيف تعامل بعض البدو بكل غلظة وجفوة وتحدى مع السكان في الكمبوندات في أكتوبر والقاهرة الجديدة لحظة البناء، حتى أن أدوات المعمار كانت لا تدخل تلك المناطق إلا بالإتاوات، وإلا يطلق النار على سيارات الشحن المحملة بلوازم البناء.


ما من شك أن في كل فئة أو جماعة بها الغث والسمين، بعبارة أخرى، عاشت مصر وهي تدرك دوما أن بدوها هم مثالا للشرف والنخوة والكرم ونجدة المظلوم وقهر الغازي. لكن مستجدات الأمور والعولمة والأطماع التي جبلت عليها النفوس كانت دوما ما تجعل لكل قاعدة شواذ.
في 15 يناير 2012، ووفقا لمحاضر الشرطة (محضر قسم شرطة الضبعة رقم 9 ح والمحضر رقم 1628 جنح مطروح لسنة 2011 ورقم 4803 جنايات مطروح لسنة 2011) والمحرر جميعها من قبل الشرطة المصرية والعاملين بالموقع، أستغل بعض البدو الفراغ الأمني الناجم عن حركة 25 يناير 2011 الاحتجاجية بسبب حالة حقوق الإنسان المذرية والفساد ومشروع التوريث وخلافه، وقاموا بأعمال تخريب وتدمير بموقع الضبعة النووى بمساحة 11 ألف فدان(أنظر كافة التفاصيل بموقع اليوم السابع الإلكتروني بتاريخ 25نوفمبر2014 “أسرار موقعة الضبعة2012”)، حيث قام مسلحون رغم تعويض الدولة لأصحاب الملكيات الفردية وواضعي اليد بتفجير وهدم السور الخاص بالموقع بالكامل، وكذلك تفجير المكاتب الإدارية والمخازن والورش والجراج ونهب جميع محتوياتها، وتفجير برج الأرصاد الجوية، ونهب الأجهزة الخاصة بالأرصاد وشبكة الزلازل، وتفجير المعامل البيئية، وتدمير ونهب الأجهزة الخاصة بالرصد الإشعاعى البيئى، وتفجير المبنى المماثل «مركز التدريب» ونهب محتوياته، بالإضافة إلى نهب وسرقة جميع الاستراحات الخاصة بجميع كوادر الهيئة، ووضع اليد على بعض الاستراحات، وتدمير عدد 2 خزينة حديدية بداخلهما مصادر مشعة، وإضرام النيران فى المبانى بعد نهبها. إلى هنا أنتهت القصة التي أضطر معها النيابة بقيد الأحداث ضد مجهول.
هل سيتحول الجبهة لحزب طائفي كبعض أحزاب لبنان
يوم 27 فبراير الماضي طالعتنا الأهرام القاهرية بخبر مفادة أن حزب الجبه الوطنية الذي وافقت عليه لجنة الأحزاب، أخطر لجنة الأحزاب السياسية بأسماء رؤساء اللجان النوعية. المؤكد أن هذا الأمر يبدو روتيني ولا غرابة فيه، لكن من يقرأ تفاصيل الخبر ينتابه أمر غريب، وهو أن أحد اللجان النوعية للحزب مسماه بلجنة “القبائل والعائلات”. ولما كانت الأحزاب هي أبنية سياسية حديثة تعد بوتقة صهر للإختلافات والانتماءات الأولية، فإن وجود هذا المسمى يبدو مخالفا ليس فقط للهدف من وجود الأحزاب السياسية كمبدأ، بل وأيضا مخالفا للدستور والقانون، الذي جبل على المساواة بين الناس سواء كأفراد أو جماعات سياسية حزبية، ودون التفرقة بينهم بسبب الجنس أو اللون أو الثقافة أو العرق أو الدين أو المذهب أو السن أو خلافه.
بالطبع ما حدث ربما يذكرنا بالكيانات الطائفية التي تعاني من الفرز الإثني والثقافي والديني. هناك أمثلة قليلة في العالم لهذا الشحذ السياسي الحزبي نحو الطائفة. فلبنان وما بها من أحزاب تخص الموارنة والشيعة والسنة والدروز مثال على ذلك. العراق وما به من أحزاب للشيعة والسنة مثال أخر، الهند وما بها من أحزاب للسيخ والهندوس مثال ثالث.


السؤال الأن: لماذا أقدم الجبهة الوطنية على تلك الخطوة؟ وهل قيادات الحزب كانت صادقة عندما ذكرت في أحاديث تليفزيونية أن تنظيم القبائل العربية -الذي تأسس في خطوة انقسامية لوحدة الشعب- لم يكن له تأثير على تأسيس الحزب، رغم ما يبدو للبعض بأنه صاحب التأثير الأوحد، بإيعاذ من جهات خارج الحزب؟


السؤال الثاني: طالما أن لكل لجنة نوعية حزبية وظيفة، فمن يقول ويسرد لنا الوظيفة التي ستقوم بها تلك اللجنة؟ وهل ستكون العضوية فيها قاصرة على وجهاء القبائل والعائلات من أعضاء الحزب؟ وهل ستكون وظيفة اللجنة دفع تشريعات لنواب الحزب بالبرلمان للدفاع عن القبائل؟ وهل ستقوم اللجنة باجتماعات عامة وعقد ندوات ولقاءات لطرح مطالب خاصة بالقبائل أو العائلات أو النحل؟

الخلاصة


أن غياب السياسة والمدنية والعودة للإنقسامات الأولية بغض النظر عن نوعها، سيكون بمثابة عودة للخلف. التحديث السياسي هو السبيل للذود عن المجتمع. الاهتمام بتطوير الأحزاب السياسية وتشجيعها وتشجيع الناس على الإنضمام إليها، وتكثيف وجودها في الشارع بمختلف تياراتها السياسية، وخوض الانتخابات عبرها، والاهتمام بما تطرحه من بدائل، هو السبيل دوما للارتقاء والديمقراطية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى