
في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها مصر، يتجه المواطنون نحو شهر رمضان بمزيج من القلق والترقب. ارتفاع أسعار السلع الأساسية والرمضانية جعل من الاستعداد لهذا الشهر الفضيل تحديًا يوميًا، خاصة لأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.
من خلال الجولة الميدانية التي قام بها موقع “أخبار الغد”، يتضح أن الوضع الاقتصادي المتردي في مصر يضع المواطنين، خاصة أصحاب الدخل المحدود، أمام تحديات يومية.
أسعار السلع والمنتجات الرمضانية باتت تشكل عبئًا إضافيًا على كاهل الأسر التي تحاول التكيف مع الوضع الحالي.
مع تزايد معدلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه، يجد العديد من الأسر المصرية صعوبة في توفير مستلزمات رمضان التقليدية،
في وقت تحاول فيه الحكومة التخفيف من الأعباء عبر معارض ومبادرات مثل “أهلا رمضان” و”سوق اليوم الواحد”.
يستعرض موقع “أخبار الغد”، آراء المواطنين والخبراء حول تأثير الوضع الاقتصادي على استعداداتهم لشهر رمضان.
أوضح مصطفى عبد الرحمن، موظف حكومي يعيش في القاهرة، أن الأزمة الاقتصادية قد ألقت بظلالها على استعداداته لشهر رمضان هذا العام.
قال: “اعتدتُ كل عام على شراء سلع رمضان وتوزيع شنط رمضان للأقارب والجيران من محدودي الدخل، ولكن هذه السنة الأمور اختلفت تمامًا. أسعار السلع ارتفعت بشكل كبير، حتى اللحوم والزيوت أصبحت صعبة المنال.
راتبي لم يتغير، ولكن تكاليف المعيشة ازدادت بشكل جنوني. لا أعلم كيف سأتمكن من توفير مستلزمات رمضان كما كنت أفعل في السنوات السابقة.”
وأكدت مها شريف، ربة منزل من الإسكندرية، أن الوضع الاقتصادي الراهن أثر على أسرتها بشكل مباشر، قائلة: “قبل الأزمة كنت أستطيع تجهيز كل ما نحتاجه في رمضان من السلع الأساسية والياميش، ولكن هذا العام اضطررت للتخلي عن الكثير من الأشياء.
الأسعار أصبحت لا تحتمل، كيلو اللحم الذي كان يكفي أسبوعًا أصبح يُنهك الميزانية بالكامل، حتى الفاكهة والخضروات أصبحت عبئًا. أحاول توفير ما أستطيع ولكن يبدو أن رمضان هذا العام سيكون مختلفًا.”
وأشار ياسر إبراهيم، صاحب متجر لبيع السلع الغذائية في الجيزة، إلى أن الإقبال على شراء منتجات رمضان انخفض بشكل ملحوظ.
قال: “الزبائن الذين كانوا يشترون بكميات كبيرة كل عام الآن يترددون في شراء حتى الأساسيات. الأسعار ارتفعت ونحن كتجار ليس بيدنا شيء. الحكومة توفر بعض السلع بأسعار مخفضة، ولكن الكميات غير كافية والطلب مرتفع جدًا.”
بينما قال هاني مصطفى، سائق تاكسي من محافظة أسيوط: “دخلنا محدود والاحتياجات في رمضان تزيد. كنا نلجأ إلى الجمعيات الخيرية لتوزيع شنط رمضان ولكن حتى الجمعيات الآن تعاني من نقص في التبرعات. الوضع الاقتصادي أثر على كل شيء، وحتى التنقل أصبح مكلفًا بسبب ارتفاع أسعار البنزين.”
وأضافت سعاد عبد الفتاح، عاملة في مصنع للملابس، قائلة: “كنت أتوقع زيادة راتبي هذا العام بسبب التضخم، ولكن للأسف لم يحدث ذلك.
الأسعار تزداد كل يوم، وأنا لم أعد قادرة على شراء حتى الأساسيات. في رمضان كنت أجهز الوجبات للعائلة بشكل مختلف، لكن هذا العام سأضطر للتخلي عن الكثير من الأطباق التقليدية.”
وأوضح محمد علي، مهندس من القاهرة، أن ارتفاع الأسعار أثر على جميع جوانب حياته، قائلاً: “الوضع الحالي يجعلنا نفكر مئة مرة قبل الشراء.
الأسعار في أسواق ‘أهلا رمضان’ جيدة ولكن لا تكفي لتلبية كل احتياجات الأسر. الوضع يحتاج إلى تدخل أكبر من الحكومة لتوفير المزيد من السلع بأسعار معقولة، خاصة مع قدوم شهر رمضان.”
وأشار حسام إبراهيم، أستاذ جامعي متخصص في الاقتصاد، إلى أن السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار هو التضخم المستمر وتراجع قيمة الجنيه المصري، قائلاً: “مصر تواجه تحديات اقتصادية كبيرة منذ سنوات، ولكن الوضع تفاقم مؤخرًا مع زيادة الديون الخارجية وانخفاض قيمة الجنية المصري.
هذا أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع المستوردة وحتى المحلية، ما يزيد من أعباء المواطنين وخاصة ذوي الدخول المحدودة.”
أما نادية حسن، معلمة في مدرسة ابتدائية، فقالت: “الوضع أصبح معقدًا للغاية، فأنا لدي أسرة كبيرة وأحتاج لتوفير الطعام لهم.
كنا ننتظر شهر رمضان بفرح وسرور، ولكن هذا العام يبدو أن الأزمة الاقتصادية ستلقي بظلالها على الجميع. الأسعار في المعارض المخفضة جيدة ولكن لا تغطي كل احتياجاتنا.”
وأكد إبراهيم محمود، متطوع في جمعية خيرية، أن الجمعيات تواجه تحديات كبيرة في توفير “شنط رمضان” للمحتاجين.
قال: “كل عام كانت التبرعات تغطي احتياجات الفقراء والمحتاجين، ولكن هذه السنة التبرعات قليلة جدًا مقارنة بالاحتياجات الكبيرة. ارتفاع الأسعار أثر حتى على قدرة المتبرعين على تقديم الدعم.”
وأشار هشام عبد الله، خبير في التموين، إلى أن الحكومة تحاول بقدر الإمكان توفير السلع بأسعار معقولة من خلال معارض “أهلا رمضان” وسوق اليوم الواحد، ولكن الطلب الكبير يفوق العرض المتاح،
قائلاً: “الحكومة تدرك حجم المشكلة وتحاول التخفيف منها من خلال توفير السلع الأساسية بأسعار مخفضة، ولكن مع زيادة عدد المستحقين وتفاقم الأزمة، يجب التفكير في حلول مبتكرة ومستدامة.”
أوضح علي حسين، بائع في أحد أسواق اليوم الواحد، أن هذه الأسواق توفر حلولاً مؤقتة للمواطنين. قال: “الأسعار هنا أقل من الأسواق الأخرى، ولكن بعض المنتجات ليست متوفرة بشكل دائم. المواطنين يأتون باحثين عن أي شيء يوفر لهم من عبء الحياة، ولكن الكميات لا تكفي دائمًا.”
واختتم أحمد كمال، أستاذ جامعي متخصص في الشؤون الاقتصادية، قائلاً: “الوضع الاقتصادي في مصر معقد ومتداخل، حيث يشهد المواطنون زيادة في الأسعار بدون زيادة تواكبها في الرواتب.
شهر رمضان الذي كان مناسبة للكرم والعطاء أصبح يشكل تحديًا جديدًا للأسر المتوسطة والفقيرة. إذا لم يتم التعامل مع التضخم بجدية أكبر، فإن الأوضاع قد تتفاقم في المستقبل القريب.”
يتضح من خلال التحقيق أن الأزمة الاقتصادية الحالية قد أثرت بعمق على الحياة اليومية للمصريين، خاصة في ظل استعداداتهم لشهر رمضان.
بين ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، يجد الكثير من الأسر صعوبة في توفير احتياجاتهم الأساسية، بينما تحاول الحكومة والمبادرات المحلية تخفيف العبء بقدر الإمكان. مع استمرار التضخم وتزايد التحديات،
يبقى السؤال: هل تكفي هذه الجهود لتلبية احتياجات المجتمع؟ يبدو أن الحلول المطروحة، رغم أهميتها، تحتاج إلى توسيع وتعزيز لتكون قادرة على مواجهة الأزمة بفعالية.