فلسطينمقالات ورأى

رامي أبو زبيدة يكتب: العائد من الجحيم

حين يُذكر الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن تخيل حجم الألم الذي يعيشه الأسرى إلا لمن ذاق مرارته وخبر أساليبه الوحشية.

من تاريخ اعتقالي في 3 مارس 2024 حتى يوم ميلادي الجديد 27 فبراير 2025، كانت رحلة العذاب التي عشتها داخل الزنازين والمعتقلات، رحلة محفورة في جسدي وروحي، بكل تفاصيلها السوداء.

120 يومًا مكبّل اليدين ومعصوب العينين

قضيت أربعة أشهر كاملة في وضعية الأسر التام، لا حركة، لا بصيص نور، لا إمكانية لمعرفة ما يجري حولي، مجرد جسد مقيد وعقل يتساءل: إلى متى يستمر هذا العذاب؟

120 يومًا في “سدي تيمان”: قيود الجسد والروح

تم وضعي في مساحة لا تتجاوز المتر داخل أحد باركسات معسكر الاعتقال “سدي تيمان”، مجبرًا على الجلوس بوضعية الركوع على الركبتين، دون السماح بتعديلها لأكثر من 18 ساعة يوميًا.

كنت ممنوعًا من الكلام، ممنوعًا من الصلاة، حتى تحريك الشفاه للذكر والتسبيح كان جريمة تُعاقب عليها بأبشع الطرق.

30 عملية تعذيب جسدي ونفسي: آلة القمع بلا رحمة

التعذيب في سجون الاحتلال ليس مجرد عقوبة، بل هو سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير الإنسان جسديًا ونفسيًا. تعرضت خلال فترة اعتقالي لأكثر من 30 عملية تعذيب شملت:

  • الضرب الوحشي في مختلف أنحاء جسدي، مع التركيز على الصدر والوجه والمناطق الحساسة.
  • ضغط الأصفاد الحديدية على يديّ وقدميّ حتى نَحَت اللحم ووصلت إلى العظام دون أي علاج طبي.
  • استخدام الكلاب البوليسية في التعذيب، حيث كنت مجبرًا على النوم على بطني وأيدي مكبلة للخلف بينما تنهش الكلاب أجسادنا، بل وتتبوّل علينا أحيانًا.
  • الشبح لساعات طويلة على جدار المعسكر، حتى يتحول الألم إلى إحساس دائم بالشلل.
  • الصعق الكهربائي بالوجه والرقبة واليدين، مما ترك آثارًا لا تُمحى.
  • التعذيب النفسي الممنهج عبر الإهانة المستمرة، والتهديد، والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية.
  • غرفة الديسكو الصاخبة في مقر الاستخبارات العسكرية (أمان)، حيث يقضي المعتقلون أيامًا في ضجيج مرعب يحرمهم من النوم والعقل.

رحلة بين الموت والجوع

دخلت المعتقل بوزن 95 كيلوغرامًا، وخرجت منه بوزن 55 فقط. سياسة التجويع كانت جزءًا أساسيًا من التعذيب، إذ كان الطعام يقدم بكميات ضئيلة بالكاد تبقي الأسير على قيد الحياة، وفي كثير من الأحيان كان الطعام فاسدًا، وكأنهم يتعمدون دفعنا نحو الموت البطيء.

النصر صبر ساعة

مهما حاول الاحتلال كسر إرادتنا، ومهما استخدم من أساليب القمع والتعذيب، ستبقى عزيمة الأسرى والمقاومين أقوى.

هذا الجحيم الذي عشته ليس سوى جزء صغير مما يمر به الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، لكن العهد أن تظل قضيتهم حاضرة، وأن نواصل الطريق حتى الحرية.

التحية للمقاومة الفلسطينية ورجالها العظام، كل الاحترام لكل من وقف شامخًا في هذه المعركة ضد الاحتلال الصهيوني.

{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ}
{وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى