مقالات ورأى

د.عدنان منصور يكتب: يا بقية الأنبياء..قم واشهد

يا بقية الأنبياء، والأولياء، يا أطهر الناس، وأصدقهم وأنبلهم، وأزهدهم، وأعزهّم. قم وانزع عنك غطاء نعشك الطاهر وانهض…
قم واشهد طوفان الأحرار، وعهد الأوفياء، ووعد الشرفاء الحاضرين، والغائبين قسراً…
قم وشاهد طوفان النفوس الأبيّة تُعرب لك عن حبّها وعهدها، وولائها الكبير اللامحدود، عن أنينها وحنينها، عن صدقها ووفائها لمبادئك، ونهجك، وفكرك، ورسالتك، تعاهدك أمام الله بكلّ جوارحها، بقَسَمها ودموعها، بعشقها وقلبها، بحزنها ومشاعرها، بدعائها ووفائها، وهي ترافقك إلى مثواك الطاهر، تودعك الوداع الأخير، تقسم أمام الله بالوفاء لك، والسير على طريق مبادئك العليا، والالتزام بنهجك الإيماني، والدفاع عن وطنك وأمتك، والتّمسّك بسيرتك الإنسانيّة الشريفة العطرة…
كم هو مؤلم رحيلك عنا يا سيّد الأحرار، حيث كان وجودك بيننا كالنجم الساطع في عتمة الليالي… إذ كنتَ القائد الملهم الشجاع، والمقاوم الأسطوريّ الذي بذل حياته من أجل تحرير الوطن، وصون كرامة الإنسان، وتطهير الأرض من المحتلين، وتحقيق الحرية، والعدالة الحقيقيّة.
ما كنتَ يا سيّد المقاومين في هذا العالم الذي ساد فيه قتلة، طغاة، أوغاد، مجرمون، مستبدون، مستكبرون، متوحشون، عنصريون، إلا الأمل لكلّ الأحرار، تعبّر عن وجدانهم، عن كرامتهم، وعنفوانهم، عن تطلّعاتهم، وإنسانيّتهم. كنت ضمير الوطن، وعنفوان الأمة، والأمل المشرق الواعد للشرفاء، والمسحوقين، والمضطهدين.
أعطيتَ وعداً، وكان وعدك صادقاً، وأميناً، ووفياً، ومشيتَ درب الأنبياء، درب المؤمن بالله والحق، وكنت الزاهدَ المترفّع عن مغريات الدنيا وبهرجتها…
نهضتً، وانتفضتَ، ثرتً، وقاومتَ، وسلكتَ طريق الحق، طريق الأنبياء والأولياء، والأبرار، وقاومتَ وضحّيتَ حتى الرمق الأخير، لترتقي شهيداً حياً تسكن في عليائك مع الرسل، والأنبياء والأولياء الصالحين.
رحيلك عنا يا شهيد الأمة، وأشجع الرجال، وسيد الأحرار والمقاومين، كان بمثابة اقتلاع القلب من الجسد، لأنّ شعبك الوفي في هذا الزمن العصيب والخطير، بحاجة ماسّة إليك، إلى حضورك، تطلّ عليه بفكرك الوقاد، بوجهك الصبوح، تحييه بإطلالتك البهية، بوجهك البشوش، بابتسامتك الحلوة، بشخصيّتك القوية المؤثرة اللافتة التي قلّ مثيلها، والتي يشهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.
يا بقيّة الأنبياء حسن نصر الله، كم سيفتقدك شعبك الذي يرى فيك الثقة والقوة، والعنفوان، والمستقبل الواعد، كي ترشدَه، تشجعه، تقوّي عزيمته، ترسّخ مواقفه، وتعزّز في نفسه الإيمان بالله، والثقة بالنفس، والتعلّق بالوطن، والدفاع عن الأرض والعرض.
أردتَ لشعبك وأمتك الحرية، والسيادة، والكرامة، والعزة، والاستقلال الحقيقي، ووضعتَ أمام عينيك خياراً من اثنين: النصر أو الاستشهاد، ودونهما حياة الاستسلام والذلّ والعبودية.
فكان لك ما أردتَ، لأنّ الأحرار لا يرضخون لذلّ ولا يعرفون الخضوع أو الركوع إلا لله.
وحدَهم العبيد، والعملاء، والأقزام، تجار الأوطان، والخونة، والمرتزقة، والمأجورون هم الأحياء الأموات، الذين رهنوا كرامتهم، وارتضوا بالعمالة والخضوع، لأوامر أسيادهم.
يا شهيد الوطن والأمة، علّمتَ الأحرار أنّ من يدافع عن الأرض والعرض ويعيش عيشة الزهاد، ويستشهد من أجل الوطن، والأمة، ويحفظ حياة الإنسان وكرامته وأرضه، ليس كالمأجور المرتزق ساكن القصور، ويعيش حياته بالبذخ والفجور… وأنّ مَن يُضحّي بنفسه من أجل شعبه، ليس كمن يضحّي بشعبه من أجل نفسه.
يا سيد الأحرار، ما نال منك في حياتك ومماتك إلا عميل حقير سافل، كاره للحق والحقيقة، أو مبغض فاجر، أو سياسي مغمور أو انتهازي عاهر، أو عنصري متعصّب حقود، أو عدو مجرم مستبدّ لدود…
يا شهيد الوطن والأمة والعالم الذي غاب ورحل عنا، يا سيّد الشهداء وأشرف القادة، ستبقى أنشودة كرامة وعزة ونصر، وإلياذة المقاومة وأيقونتها للأجيال القادمة، ولن تغيب عنهم. سيذكرونك مع كلّ صلاة، ومع كلّ نصر، وأنت الذي كنتَ في دنيانا، القدوة والفكر الوقاد، وروح الثورة، وجذوة المقاومة ضدّ الظالمين والمعتدين، وصوت أحرار العالم كله وملهمهم.
لمَ لا وأنت الذي وهبتَ حياتك تقاوم من أجل الحق، والعدل، والعزة، والسلام، وحقوق الإنسان وحريته، وتناضل من أجل تحرير الأرض من المحتلين، والتخلّص من طغيان قوى الظلام، والهيمنة، والاستغلال، والدفاع عن كلّ حرّ أبي، وعن كلّ مظلوم ومسحوق في هذا العالم. لأنك كنتَ تؤمن أنّ الله واحد، وأنّ الحق واحد، والإيمان واحد، والإنسان واحد، والعدل واحد، والنضال واحد.
يا أحرار العالم! فليكن بعد اليوم، تاريخ الثالث والعشرين من شهر شباط/ فبراير من كلّ عام، “اليوم العالمي لمقاومة الاحتلال والهيمنة والاستبداد”. يومٌ يحتفل به كلّ شرفاء الأرض الذين يتطلعون إلى الحرية، والعدالة، والسلام، والتحرّر من قبضة وشرور طغاة العالم ومستبدّيه، يستلهمون من قائد أممي كبير، شجاعته، ومقاومته، واستشهاده، ومثله العليا، واستماتته في الدفاع عن الوطن والإنسان.
إنّ سيد الشهداء حسن نصر الله، ملهم الأحرار، لم يكن قائداً محلياً او إقليمياً فقط، وإنما هو قائد وزعيم أممي استثنائي في مقاومته ونضاله، وصراعه ضدّ قوى البغي والعدوان، والاستكبار، والاستغلال، قوى عانت وتعاني من شراستها وشرورها كلّ يوم، دول وشعوب مقهورة، مسحوقة على الساحة العالميّة.
في يوم رحيل السيد حسن نصر الله، الشهيد الأقدس، قائد المقاومة، وفي وداع أشرف الناس نقول بحزن كبير ما بعده حزن، وبغصة ما بعدها غصة، يا جماهير الوفاء والأصالة في تشييع السيد الشهيد احتشدي، ويا دموعاً على الخدّ اهطلي، وقولي وداعاً لأطهر الناس، وأغلاهم، وأصدقهم، وأتقاهم… وداعاً يا شهيد الوطن والأمة والعالم، بقية الأنبياء، وثق انّ الأحرار يعاهدونك البقاء على الوعد والعهد، والوفاء، سائلين المولى تعالى أن يسكنك فسيح جنّاته مع الأنبياء والصالحين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى