مقالات ورأى

د أيمن نور يكتب: ١٥ مارس.. الاستقلال الأول لمصر وحقها في ذاكرة وطنية مستحقة

لماذا لا تحتفل مصر باستقلالها؟ سؤالٌ يُلقي بظلاله على الذاكرة الوطنية، يلوح كطيفٍ غائبٍ في كل عام، بينما تحتفي الأمم بأيامها الخالدة.. كيف لمصر أن تغفل عن الخامس عشر من مارس، يوم ولادتها كدولةٍ ذات سيادة، يوم استرداد هويتها، يوم إعلانها للعالم أنها أمةٌ عصيةٌ على الفناء، قادرةٌ على الانبعاث من تحت ركام الاحتلال؟!

في ١٥ مارس ١٩٢٢ لم يكن الاستقلال حبراً على ورق، ولم يكن تصريحًا دبلوماسيًا فحسب، بل كان لحظةً فارقةً في وجدان مصر.. كان صرخةً أطلقها شعبٌ لم يقبل الوصاية، وميلادًا لوطنٍ استعصى على الطمس، ونهارًا بزغ بعد ليلٍ طويلٍ من الهيمنة الأجنبية. كانت مصر، لأول مرة منذ قرون، تجلس بين الأمم مرفوعة الرأس، لها رايتها، ولها صوتها الحر، ولها مكانها في قلب التاريخ.

كل الأمم تحتفل باستقلالها إلا مصر! لا نجد في رزنامة الأعياد الوطنية لهذا البلد العريق ما يُخلّد ذلك اليوم، وكأنه حدثٌ عابرٌ لا يستحق الذكر! بينما نرى الأمم تحفظ تواريخ استقلالها كما تحفظ الأمهات تواريخ ميلاد أبنائها.. فكيف نُفرّط في يوم كان بداية خروج مصر من ظلمات الاحتلال إلى ضوء الاستقلال؟!

الأمم تحيي أيام استقلالها:
الولايات المتحدة جعلت ٤ يوليو يومًا خالدًا لاستقلالها عن بريطانيا عام ١٧٧٦.
الهند تُحيي ١٥ أغسطس كل عام، ذكرى تحررها من الاستعمار البريطاني عام ١٩٤٧.
الجزائر جعلت ٥ يوليو عيدًا وطنيًا، بعدما انتزعت حريتها من الاستعمار الفرنسي عام ١٩٦٢.
تونس تُحيي ٢٠ مارس ذكرى جلاء الاستعمار الفرنسي عام ١٩٥٦.
السودان جعل ١ يناير يوم استقلاله عن الحكم الثنائي المصري البريطاني عام ١٩٥٦.
تركيا تُحيي ٢٩ أكتوبر، يوم إعلان الجمهورية عام ١٩٢٣.
المغرب تحتفل بـ ١٨ نوفمبر، ذكرى تحررها من الحماية الفرنسية والإسبانية عام ١٩٥٦.
لبنان يُحيي ٢٢ نوفمبر، يوم استقلاله عن فرنسا عام ١٩٤٣.
إندونيسيا جعلت ١٧ أغسطس عيدًا لاستقلالها عن الاستعمار الهولندي عام ١٩٤٥.
فيتنام تحتفل بـ ٢ سبتمبر، يوم استقلالها عن فرنسا عام ١٩٤٥.

إن الاستقلال ليس يوماً عابراً بل هو ذاكرةٌ تتجدد، هو شعلةٌ تنتقل عبر الأجيال، هو جذرٌ يضرب في أعماق التاريخ، ليُثمر في مستقبل الأوطان.. فكيف نفرّط في هذا الجذر، ونسمح للنسيان بأن يطويه؟!

إن ١٥ مارس لم يكن نهاية الطريق، بل كان بدايةً لطريقٍ طويلٍ من الكفاح، امتد حتى مفاوضات #١٩٣٦ التي فرضت على بريطانيا الاعتراف بندّية مصر، وصولًا إلى إجلاء آخر جندي بريطاني عن أرض الوطن.. لكن، كيف نطالب العالم بأن يعترف بسيادتنا الكاملة، ونحن لم نعترف بعدُ بأول يومٍ أعلنا فيه حريتنا؟!

التاريخ لا يُمحى.. لكنه يُغيَّب، وتلك هي الخطيئة الكبرى.. أن يُجتزأ وعي الأجيال، وأن يُترك الماضي فريسةً للتجاهل، فلا يعرف الأبناء تضحيات الآباء، ولا يدركون أن هذا الوطن لم يُمنح استقلاله، بل انتزعه بدماء شهدائه، وبسواعد كفاحه، وبأصوات رجاله الذين رفعوا لواء الحرية منذ ثورة ١٩١٩.

إننا إذ نطرح هذه المبادرة اليوم، لا نطالب بمجرد احتفالٍ رمزي، بل ندعو إلى تصحيح التاريخ.. ندعو إلى أن يكون الخامس عشر من مارس عيدًا وطنيًا، إجازةً رسمية، وذكرى راسخةً في وجدان كل مصري، كما هو الحال في سائر الأمم الحرة.. فالوطن الذي لا يكتب تاريخه بيده، يكتبه الآخرون له.. والذاكرة التي لا تُحصّن، تتعرض للتشويه والطمس.

إن إحياء يوم الاستقلال ليس رفاهيةً وطنية، وليس ترفًا تاريخيًا، بل هو استحقاق سياسي وأخلاقي.. هو واجبٌ على كل من يحمل في قلبه عشقًا لمصر، ويؤمن بأن الأوطان لا تُبنى بالنسيان، بل بالتذكّر، ولا تُحفظ بالأماني، بل بالوعي والإدراك والاعتزاز بالجذور.

آن الأوان أن نُعيد لمصر حقها في أن تتذكر، أن نضع الخامس عشر من مارس في مكانه المستحق، أن نجعل هذا اليوم خالدًا في تاريخنا المعاصر.. فلا مستقبل بلا ذاكرة، ولا حرية بلا وعي، ولا استقلال بلا احتفاء.

نداء إلى كل مصري حر: هذه دعوتنا لكل مواطن، لكل مدون، لكل إعلامي، ولكل مستخدم للسوشيال ميديا.. اجعلوا هذا اليوم صوتًا يُسمع، وذكرى تُنشر، وحقيقةً تُستعاد.. ارفعوا شعار ١٥ مارس عيد استقلال مصر، وشاركوا في إعادة هذا التاريخ إلى موقعه الطبيعي.. لأن الاستقلال لا يكون مكتملًا إلا إذا حفظت الأجيال ذكراه، وتوارثته القلوب قبل الكتب.. كونوا صوت التاريخ، وكونوا سفراء الحقيقة!

خلال الأيام القادمة، ليكن هذا الهاشتاج ١٥ مارس عيد الاستقلال هو صوتنا، هو صدى كفاح أجيالٍ لم يُمنحوا حريتهم، بل انتزعوها انتزاعًا.. اجعلوه يتصدر المنصات، وليكن حديث كل مصري يؤمن بأن التاريخ يُصنع بالإرادة، وأن الاستقلال ليس وثيقةً تُطوى، بل هو رايةٌ لا تسقط.. اكتبوا، غردوا، انشروا، أحيوا الذاكرة!

.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى