مقالات ورأى

د. أيمن نور يكتب: القمم العربية..حين تنطق الشعوب وتصمت الأنظمة

القمم العربية ليست مجرد اجتماعات دبلوماسية تُعقد بين جدران القاعات المغلقة، وليست منصات لخطابات بروتوكولية تنتهي ببيانات صالحة للحفظ أكثر من التطبيق. بل هي، أو هكذا يجب أن تكون، مجالس القرار، وصوت الأمة حينما يُطلب منها أن تنطق بحكمة، لا أن تهمس بحذر.

في العقود الماضية، أصبحت هذه القمم أشبه بساعات الرمل، تتكرر مكوناتها دون تغيير، تنقلب فيها المواقف لكن النتيجة تبقى واحدة: لا قرار حاسم، لا موقف موحد، لا إرادة فاعلة. من بيروت 2002 إلى الظهران 2018 وصولًا إلى القمم الأخيرة، ظل المشهد كما هو، حيث تتقدم الملفات على الطاولات الرسمية، ثم تُعاد إلى الأدراج، وكأن الأمة تتحدث مع نفسها، لا مع شعوبها.

في المقابل، جاءت القمة العربية للشعوب يوم الجمعة 14 فبراير 2025، كصدى حقيقي لصوت الشارع العربي، كنافذة أُجبرت على الانفتاح بعد سنوات من الإغلاق. هنا لم تكن الجلسات سرّية، ولم تُصَغ البيانات بحسابات الدبلوماسية، بل قيلت الحقيقة كما هي، بلا خوف، بلا مجاملة، وبلا حاجة لإرضاء أحد.

الشارع العربي، الذي ظل لعقود يُراقب القمم الرسمية وكأنها مسرحيات لا تتغير نصوصها، وجد صوته مسموعًا في هذه القمة. لم يكن ذلك عبر الشعارات، بل عبر الكلمات التي قيلت بلسان قادة لم يأتوا من مكاتب السلطة، بل من تجارب النضال، من ساحات الصراع، ومن ميادين المقاومة الفكرية والسياسية.

كان بينهم:
منصف المرزوقي، الرئيس التونسي الأسبق

وطارق الهاشمي نائب رئيس جمهورية العراق الأسبق
سعد الدين لعثماني، رئيس وزراء المغرب الأسبق
رفيق عبد السلام، وزير خارجية تونس الأسبق
عدنان منصور، وزير خارجية #لبنان الأسبق

سهام البادي، وزيرة المرأة التونسية السابقة
مريم الصادق المهدي، وزيرة خارجية السودان
الحبيب الأمين، وزير الثقافة الليبي فاطمةالزهراء زرواطي، الوزيرة الجزائرية السابقة

لم يكن النقاش بين هؤلاء مجرد حديث عن المستقبل، بل كان مواجهة مباشرة مع الواقع. هنا لم تكن فلسطين بندًا على جدول الأعمال، بل كانت القضية المركزية. لم يكن الحديث عن إعمار غزة مشروطًا بتفاهمات سياسية، بل كان رفضًا قاطعًا لأي مشاريع التهجير، لأي محاولة لتصفية القضية عبر هندسة ديمغرافية جديدة تفرضها القوى الخارجية.

في كل قمة رسمية، نشهد السيناريو ذاته: زعماء يجلسون على الطاولات الطويلة، الكاميرات توثّق لحظات المصافحة، ثم تُكتب البيانات الختامية التي لا تحمل جديدًا. لكن في القمةالعربية للشعوب، كان الصوت مختلفًا. لم يكن هناك متسع للعبارات الرمادية، ولا وقت للمجاملات الدبلوماسية.

المفارقة الكبرى بين القمتين لم تكن في الحضور أو البروتوكولات، بل في الروح. القمةالرسمية كانت تائهة بين التردد والحذر، تحاول أن تتفادى الصدام أكثر مما تحاول أن تصنع موقفًا، بينما قمة الشعوب كانت حاسمة، واضحة، لا تخشى الاشتباك السياسي، لأن الشعوب تعرف أن الوقت لم يعد يسمح بمزيد من الانتظار.

الآن، مع انعقاد القمةالعربيةالمقبلة، يبقى السؤال الأهم: هل يستمع الحكام لصوت الشارع؟ هل يقرأون ما دار في قمة الشعوب؟ أم أن القمة الجديدة ستكون مجرد امتداد لسابقاتها؟ لا مجال للمزيد من المواربةالسياسية، لا فائدة من التسويف الدبلوماسي. إذا لم تكن هذه القمة مختلفة، إذا لم تكن استجابة لحقيقة ما يطلبه_العرب، فمتى إذًا؟

الشعوب قالت كلمتها، وقالتها بوضوح: كفى صمتًا، كفى مماطلة، كفى انتظارًا. لقد آن الأوان لأن تتحول القمم من منصات بيانات إلى مجالس قرارات. فهل يسمع القادة صوت الشعوب، أم يتركون التاريخ يكتب أنهم تجاهلوه؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى