الاحتلال الإسرائيلي يدمر أكبر مستشفى في مدينة غزة ويترك مليون شخص بلا خدمات طبية

تتوالى فصول المأساة الإنسانية في قطاع غزة، مع تواصل العدوان الإسرائيلي الذي أدى إلى تدمير أكبر المستشفيات في المدينة، مما أخرج غالبية المرافق الصحية عن الخدمة وترك أكثر من مليون شخص بلا أي خدمات طبية.
منذ بدء العمليات العسكرية، تعرضت مدينة غزة لموجات من الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت منظومة الرعاية الصحية. يتعرض المستشفى الرئيسي في غزة، مجمع الشفاء الطبي، للهجوم المتواصل، حيث يعد هذا المستشفى واحدًا من ثلاثة مستشفيات عامة تتواجد في المدينة. إلى جانب فقدانها لهذه المستشفى الحيوية، تضررت مستشفيات أخرى مثل المستشفى الأهلي العربي ومستشفى القدس، مما زاد من معاناة السكان في وقت حرج.
تحتوي مدينة غزة على حوالي 40 بالمئة من إجمالي المستشفيات في القطاع، حيث تضم 15 مستشفى من أصل 36. وقد شكل انهيار النظام الصحي في المدينة ضربة مؤلمة للسكان، حيث لم يعد لديهم إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية اللازمة.
في إطار هذا الوضع المروع، يعمل في المدينة اثنا عشر مستشفى متخصص، رغم أنهم أيضًا عانوا من التأثيرات السلبية للعدوان. تشمل هذه المستشفيات مستشفى عبد الرنتيسي والنصر ومحمد الدرة للأطفال، ومستشفى العيون الدولي، مما يزيد من أهمية العمل على حماية هذه المرافق وضمان سلامتها.
وفي تعليق مؤلم على الوضع، قال أحد الأطباء المختصين: “ننادي بالعالم ليتحرك، نحن هنا، وهذه المستشفيات بحاجة ماسة للحماية والدعم. يجب أن يتوقف هذا العدوان لنستطيع تقديم الرعاية الصحية لمحتاجيها.”
شركة “مستقبل غزة للسلام والرعاية الصحية” هي منظمة غير ربحية تهدف إلى تحسين الظروف الصحية في قطاع غزة وتوفير الدعم الطبي للسكان المتضررين. تأسست منذ عام 2010، وتعمل على تعزيز الوعي الصحي وتحسين النظام الصحي المحلي.
يعد مجمع الشفاء الطبي أول مستشفى في القطاع تدخله القوات الإسرائيلية بريا، وسبق هجومها شن المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية حملة تحريض وتشويه بادعاءات زائفة، فقد نشر الناطق بلسان جيش الاحتلال أكاذيب وافتراءات ثبت زيفها لاحقا، من قبيل أن المجمع يضم مقار عمليات للفصائل الفلسطينية، وأن قادة الفصائل يتسترون بين النازحين، وأن المجمع يضم أسرى إسرائيليين.
اتخذت إسرائيل هذه الذرائع لتبرر جريمتها بقصف المستشفى وتدميره في جريمة شهد العالم على بشاعتها، ففي التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أي بعد يومين فقط من بدء العدوان قصفت الطائرات الإسرائيلية قسم الحضانة ومبنى الجراحة التخصصي رغم أنهما كان يضمان آلاف الإصابات والجرحى.
وتزامن هذا القصف مع وجود أكثر من ستين ألف نازح، فروا من أماكن القصف لمحيط المستشفى، على اعتبار أنها مناطق آمنة.
وفي الثاني والعشرين من ذات الشهر، أعلنت وزارة الصحة تضرر أقسام غسيل الكلى، بعد نقص الوقود، وبات هذا الوضع مهددا لحياة أكثر من 1100 مريض مصابون بالفشل الكلوي، وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه توقفت مولدات الكهرباء في المستشفى عن العمل جراء نفاذ الوقود.
مطلع نوفمبر قررت إدارة المستشفى نقل أقسام الولادة إلى مستشفى الحلو الدولي، جراء الاكتظاظ الهائل في أعداد الجرحى، لتبادر قوات الاحتلال بقصف مستشفى الحلو في حينه رغم إجراء تنسيق مسبق بين الصليب الأحمر الدولي وجيش الاحتلال قبل نقل الأقسام، ولكن الاحتلال كعادته نقض عهده.
في الثالث من الشهر ذاته قصفت الطائرات الإسرائيلية عشرات مركبات الإسعاف من على بوابات المستشفى، في وقت كانت تستعد هذه المركبات لتقل جرحى ومصابين للعلاج في الخارج.
الحصار الأول
وفي العاشر من ذات الشهر، بدأت قوات الاحتلال بشن سلسلة من الهجمات بسلاح الجو والمدفعية في محيط المستشفى تمهيدا لاقتحامه حيث طال القصف أقسام العناية المكثفة والأطفال الخدج، لتبدأ أول حلقات الحصار الإسرائيلي للمستشفى.
خرج مجمع الشفاء عن الخدمة بعد أن حاصره الجيش من الجهات الثلاث، ليبقى المئات من الكوادر الطبية وعشرات آلاف النازحين محاصرين بلا طعام أو شراب طيلة فترة الحصار التي استمرت اثنا عشر يوما.
قررت إدارة المستشفى في حينه إنشاء مقبرة جماعية لدفن مئات الشهداء الذين ارتقوا شهداء نتيجة القصف العشوائي الذي طال أقسام المستشفى.
في اليوم السادس للحصار اعتلت قناصة الاحتلال أسطح المستشفى، واستهدفت دباباته قسم الشرايين التاجية، كما جرى اقتحام مبنى الجراحات الجديد ومبنى الطوارئ، وجرى حرق أجهزة الأشعة المقطعية والرنين المغنطيسي.
بلغ عدد المعتقلين الذين جرى نقلهم من داخل المستشفى إلى الداخل الإسرائيلي 5 آلاف شخص، منهم مدير المستشفى الطبيب محمد أبو سلمية الذي أفرج عنه لاحقا، بالإضافة لطاقم الأطباء والممرضين والفنيين والإداريين والنازحين، فيما استخدمت قوات الاحتلال الكادر الطبي كدروع بشرية خلال عمليات اقتحام المجمع وفتح الأبواب الداخلية للأقسام.
انتهى الحصار الأول للمستشفى ليعود للعمل بطاقة 50 سريرا فقط، وبكادر لا يزيد عن 19 عاملا، ليستمر الوضع على ما هو عليه حتى مطلع مارس/ آذار 2024.
في ذات الشهر، بدأ جيش الاحتلال بموجة من حصار مشدد استهدفت مدينة غزة ومحافظات شمال القطاع، لتظهر آثار الحصار الإسرائيلي مبكرا بوفاة 3 أطفال نتيجة التسمم وسوء التغذية.
الحصار الثاني
في 18 من ذات الشهر، عادت قوات الاحتلال لحصار المستشفى تمهيدا لاقتحامه من جديد، حيث شرع سلاح الجو والمدفعية والبحرية بقصف محيط المستشفى بأحزمة نارية عنيفة حيث وصل الدمار لنطاق الكيلو متر مربع من محيط المستشفى.
كان هذا الاجتياح هو الأعنف مقارنة بالحصار الأول، حيث تسبب القصف باندلاع حريق كامل في مبنى الجراحات، وأقسام الطوارئ والاستقبال، والحروق والولادة، وحرق مستودع الأدوية في المجمع الذي يعد الأكبر في قطاع غزة ما تسبب بحالات اختناق بين النازحين، بالإضافة لنبش القبور وسحب رفات عشرات الشهداء ونقلها للداخل.
كما شرعت قوات الاحتلال بقطع كافة وسائل الاتصال عن المحاصرين، حيث صادرت هواتفهم، كما أكد شهادات مواطنين قيام قوات الجيش بتعرية الشباب من محيط المستشفى واقتيادهم لجهة مجهولة، بالإضافة لقيام قوات الجيش في إلقاء المرضى والجرحى من داخل الأقسام وإجبارهم على مغادرته، كما تم توثيق إعدام قوات الاحتلال بدم بارد أكثر من أربعمئة شخص خلال العملية.
ووثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان خلال المذبحة وجود أكثر من 1500 فلسطيني إما بين قتيل وجريح أو مفقود، كما تم تدمير 1200 وحدة سكنية جراء الأحزمة النارية العنيفة التي نفذتها قوات الجيش خلال اقتحامها للمجمع.
يُذكر أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و19 كانون الثاني/يناير 2025، أسفر عن استشهاد وإصابة نحو 160 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 14 ألف مفقود.