عربي ودولى

مؤتمر فلسطيني تاريخي في الدوحة يدعو لإصلاح منظمة التحرير وتحقيق الوحدة الوطنية

في ظل انطلاق فعاليات “المؤتمر الفلسطيني الوطني الأول” اليوم الاثنين في العاصمة القطرية الدوحة، والذي يهدف إلى إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتحقيق وحدة الصف الفلسطيني، رصدت أهم محاولات إصلاح المنظمة والتحديات التي واجهتها طوال العقود الماضية.

تُعتبر منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ورغم هذه الشرعية، تعرضت لانتقادات شديدة بسبب احتكار حركة “فتح” لقراراتها وعدم تمثيلها الكامل لجميع الفصائل الفلسطينية، خاصة الإسلامية منها. على مر العقود، تم إطلاق عدة مبادرات تهدف إلى إصلاح المنظمة، لكنها غالبًا ما فشلت بسبب العقبات السياسية الداخلية والخارجية.

بعد توقيع اتفاقية “أوسلو”، في 13 سبتمبر/ أيلول 1993، وهو أول اتفاق رسمي بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية، استمر تفرد حركة “فتح” في اتخاذ القرار الفلسطيني الرسمي، مما أضعف المعارضة الفلسطينية بشكل عام. وظلّت حركتا “حماس والجهاد الإسلامي” خارج إطار المنظمة، رغم أن لهما تأثيرًا جماهيريًا كبيرًا، لا سيما بعد الانتفاضة الأولى (1987). وفي وقت لاحق، بدأت السلطة الوطنية الفلسطينية تأخذ مكان منظمة التحرير، رغم أنها مرجعية السلطة والمسؤولة عنها.

حاولت بعض الفصائل، على رأسها حركة “فتح”، وفي ظل عملية الإضعاف التي تعرضت لها منظمة التحرير، الترويج إلى أن اتفاقات “أوسلو” ستؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية. هذا التصور كان مرفوضًا من العديد من الفصائل، بما في ذلك حركتا “حماس والجهاد الإسلامي”، اللتين اعتبرتا أن الاتفاقات تتناقض مع ثوابت الشعب الفلسطيني وتضيّع حقوقه. وعلى الرغم من ذلك، استمر التفرد باتخاذ القرارات حتى وصلت المفاوضات الفلسطينية إلى نقطة “اللا شيء”، مع تدهور المشروع الوطني الفلسطيني.

في ضوء التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، كانت هناك دعوات مستمرة لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية. هذه الدعوات لم تكن مقتصرة على الفصائل الفلسطينية فقط، بل شملت المجتمع الفلسطيني في الشتات. المطالب كانت تهدف إلى إعادة تفعيل المنظمة، بمراعاة التطورات السياسية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الفلسطيني، فضلاً عن الأحداث السياسية في العالم العربي والإسلامي.

المحاولات والمبادرات لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية
1. اتفاق القاهرة (2005)، هدف الاتفاق إلى إشراك حركتي حماس والجهاد الإسلامي في منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل على تشكيل لجنة لإعادة هيكلة المنظمة، لكن توصياتها لم تُنفذ بسبب استمرار الخلافات السياسية.2. اتفاق مكة (2007)، هدف الاتفاق إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك إصلاح منظمة التحرير. لكن سرعان ما انهار الاتفاق بعد أشهر بسبب استمرار الانقلاب على الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة حماس عقب فوزها بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، يناير/ كانون الثاني 2006.3. اتفاق القاهرة (2011)، هدف الاتفاق إلى تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد يضم جميع الفصائل الفلسطينية، ولم يُنفذ بسبب استمرار تعثر المصالحة بين فتح وحماس والخلافات حول آليات التنفيذ.
4. اتفاق بيروت (2017)، هدف إلى إعادة تفعيل منظمة التحرير وإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، وبقي الاتفاق دون تنفيذ فعلي بسبب استمرار الانقسام السياسي.
5. اجتماع الأمناء العامين للفصائل (2020)، هدف إلى الاتفاق على استراتيجية وطنية موحدة تتضمن إصلاح المنظمة. ولم تُتخذ أي خطوات فعلية نحو الإصلاح نتيجة استمرار الخلافات السياسية.
6. اتفاق بكين (يوليو 2024)، وقد هدف إلى تحقيق وحدة وطنية شاملة تضم جميع الفصائل الفلسطينية تحت إطار منظمة التحرير، وتشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة. ورغم التوقيع من 14 فصيلًا فلسطينياً، لا تزال هناك تحديات وعقبات وتعنت في تنفيذ الاتفاق على الأرض.

المبادرات المجتمعية لإصلاح المنظمة
1. المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج (2017)، هدف المؤتمر إلى تفعيل دور فلسطينيي الشتات وتقديم طروحات عملية للدفع نحو إصلاح منظمة التحرير، بمشاركة شخصيات فلسطينية من دول مختلفة حول العالم، لبحث آليات استعادة دور فلسطينيي الخارج والفرص والتحديات التي تواجههم. وقد لاقى المؤتمر هجوما كبيرا من مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها الرسمية التي اعتبرته يقوض دور منظمة التحرير ويحاول استبدالها.
2. “المؤتمر الشعبي الفلسطيني – 14 مليون” (2022)، هدف المؤتمر إلى إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير عبر انتخاب مجلس وطني جديد، وعقد المؤتمر بمشاركة فلسطينيين من كافة مناطق تواجدهم بالداخل والخارج، ومنعت السلطة الفلسطينية عقد المؤتمر في رام الله بالضفة الغربية واعتقلت العديد من القائمين على تنظيم المؤتمر.
3. المؤتمر الوطني الفلسطيني (2025)، والذي بدأت وقائع انعقاده اليوم الاثنين 17 فبراير/ شباط، في العاصمة القطرية الدوحة، في وقت يشهد فيه الشعب الفلسطيني فظائع إنسانية ترتكبها دولة الاحتلال، بما في ذلك عمليات إبادة جماعية في قطاع غزة وإعادة الاحتلال المباشر لمدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية.
ويدعو المؤتمر إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس وحدوي، بحيث تشمل جميع القوى السياسية والهيئات الأهلية والمدنية والاقتصادية الفاعلة. ومع اقتراب انعقاد المؤتمر، تعرض لهجوم إعلامي من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية وحركة “فتح”، وهو ما يعكس حجم التحديات السياسية التي تواجه المبادرة.

العقبات أمام إصلاح منظمة التحرير
تواجه عملية إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية عدة عقبات رئيسية، أبرزها:
– احتكار حركة “فتح” للمنظمة: حيث تُحجم قيادة فتح عن تقديم تنازلات قد تؤثر على سيطرتها على القرار الفلسطيني.
– غياب الإرادة السياسية: إذ تُستخدم المطالبات بالإصلاح كأداة تفاوضية دون تنفيذ فعلي، مما يعطل تحقيق التغيير المنشود.
– استمرار الانقسام الفلسطيني: حيث يُعقد الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة أي جهود إصلاحية حقيقية.
– الضغوط الخارجية: بعض الدول تفضل بقاء الوضع الراهن لضمان استقرار المشهد السياسي الفلسطيني بما يتناسب مع مصالحها الإقليمية والدولية.
– عدم تنفيذ الاتفاقيات السابقة: إذ بقيت العديد من الاتفاقات الموقعة “حبرًا على ورق”، وبقيت الأزمة السياسية والهيكلية في منظمة التحرير تراوح نفسها، مع تدهور المشروع الوطني الفلسطيني.
رغم الجهود المستمرة لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، فإن الواقع السياسي والظروف الداخلية والخارجية ما زالت تشكل عقبات كبيرة أمام تحقيق الإصلاحات. يتطلب إصلاح مؤسسات المنظمة تغييرات شاملة، أبرزها إعادة توحيد عملها بين الداخل والشتات، بعد أن تم تهميش دور الشتات إثر انتقال القيادة الفلسطينية من الخارج إلى الداخل.
يجب أن يشمل إصلاح المنظمة العمل مع جميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك إشراك حركتي “حماس والجهاد الإسلامي” داخل المنظمة، وتخفيف عدد أعضاء المجلس الوطني الذي زاد بشكل مفرط. من المهم أيضًا اعتماد مبدأ الانتخابات حيثما أمكن، وتوحيد الاستراتيجية الوطنية بين جميع الفصائل على برنامج سياسي واجتماعي واضح.
لتحقيق الإصلاح، يجب تحديد آليات واقعية تضمن تنفيذ التغييرات المطلوبة. وقد تم التوافق على بعض هذه الآليات في اتفاقيات مثل القاهرة 2005، والدوحة، وغزة، ومكة المكرمة، بالإضافة إلى وثيقة الأسرى. في ظل الظروف الراهنة، أصبح إصلاح النظام السياسي الفلسطيني ضرورة عاجلة.
إصلاح منظمة التحرير سيسهم في إنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة السياسية والجغرافية، مما يمكن المنظمة من استعادة دورها كإطار نضالي جامع. يجب أن تعمل جميع القوى والفصائل لتحقيق هذا الهدف، وإعادة الاعتبار لشعبنا في الشتات، مما يعزز النضال الفلسطيني نحو العودة، وتقرير المصير، وإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى