عربي ودولى

عودة مشروع القاعدة البحرية الروسية في السودان إلى الواجهة بعد تفاهمات جديدة

أكد وزير الخارجية السوداني علي يوسف التوصل إلى تفاهمات بشأن إنشاء القاعدة البحرية الروسية في السودان على ساحل البحر الأحمر. يأتي هذا التطور بعد سنوات من تعثر الاتفاقية، وفي ظل ظروف داخلية معقدة يشهدها السودان، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول توقيت وكيفية تنفيذ هذه الخطوة.

شهد السودان منذ أكثر من 22 شهرًا حربًا دامية بين الجيش وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، أودت بحياة أكثر من 20 ألف شخص وتسببت في نزوح ولجوء قرابة 15 مليون مواطن، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية. وبحسب بحث حديث لجامعات أمريكية، فربما تجاوز عدد القتلى 130 ألف شخص، ما يعكس حدة الأزمة المتصاعدة في البلاد.

في هذا السياق، أكد وزير الخارجية السوداني خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف التوصل إلى اتفاق بشأن إنشاء القاعدة البحرية، مشيرًا إلى عدم وجود أي عقبات تعترض طريق تنفيذها. ورغم قلة التفاصيل التي أفصح عنها الجانبان، إلا أنّ هذا الإعلان يعيد تسليط الضوء على الاتفاقية التي صادق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

تفاصيل وتحولات

  • تعود فكرة إنشاء القاعدة البحرية الروسية على البحر الأحمر إلى اتفاقية قديمة واجهت كثيرًا من التأخير.
  • جاء الإعلان الجديد وسط توتر كبير تشهده الخرطوم، في وقت تسعى فيه الحكومة السودانية إلى تهدئة الصراعات الداخلية واستعادة الأمن.
  • تتضمن الخطة إنشاء بنية تحتية بحرية تسمح للأسطول الروسي بالوجود في منطقة بالغة الأهمية التجارية والأمنية، ما يثير اهتمام القوى الدولية المختلفة.

تصريحات وآراء

المحلل السياسي أمير بابكر:
“القاعدة الروسية ليست أولوية للخرطوم أو موسكو في الوقت الحالي، بل قد تكون مجرد رسالة سياسية من الحكومة السودانية للأطراف الدولية.”

المحلل السياسي محمد سعيد:
“من الصعب تنفيذ اتفاقية القاعدة في ظل هذه الظروف، وتصريحات وزير الخارجية ربما تكون تكتيكًا من الحكومة لكسب الوقت وانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع الإقليمية والدولية.”

وزير الخارجية السوداني علي يوسف:
“توصلنا إلى تفاهم متبادل بشأن القضية، فهو أمر بسيط للغاية ولا توجد أي عقبات. لقد اتفقنا على كل شيء.”

اتفاق الملاحة البحرية بين السودان وروسيا يواجه تحديات جديدة وسط تطورات سياسية وأمنية

في ظل الأوضاع السياسية المتقلبة في السودان والحرب الدائرة منذ منتصف أبريل 2023، يواجه مشروع الاتفاقية البحرية المقترحة مع روسيا تعثّرًا واضحًا، رغم ما قد تحمله من مردود استراتيجي مهم للبلاد. ومع استمرار الضغوط الدولية والإقليمية، لا يزال مستقبل هذا الاتفاق غير محسوم وسط اهتمام واسع من الأطراف المعنية.

وفقًا للمعلومات المتاحة، تتضمّن الاتفاقية إقامة منشأة بحرية روسية على البحر الأحمر، قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، مع استيعاب 300 عنصر ما بين عسكري ومدني. وتتيح المنشأة استقبال أربع سفن حربية في الوقت نفسه، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية. وكانت السلطات السودانية قد أعلنت سابقًا أن الاتفاقية تحتاج لموافقة برلمانية، قبل أن تتعقّد الإجراءات نتيجة حل الحكومة ومجلس الوزراء في أكتوبر 2021.

ويأتي هذا التعثّر والتأجيل، في وقت تزداد فيه حدة الصراع الداخلي منذ اندلاع الحرب في أبريل الماضي، إضافة إلى المخاوف التي تبديها بعض الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، من حصول روسيا على موطئ قدم في البحر الأحمر.

صرّح مسؤول سوداني مقرّب من دائرة صنع القرار:
“تأثير الأوضاع الحالية في البلاد امتد إلى جميع الاتفاقيات الدولية المعلّقة، بما فيها المساعي المتعلقة بالمنشأة البحرية على البحر الأحمر. ونأمل التوصّل إلى صيغة توافقية تحافظ على مصالح السودان وأمنه القومي.”

وعلّق خبير دولي في العلاقات الاستراتيجية قائلًا:
“إن وجود المنشأة الروسية في السودان يمثل عنصرًا استراتيجيًا مهمًا لموسكو، لكنه يثير في الوقت ذاته مخاوف دولية من تصاعد نفوذ روسيا في المنطقة، مما قد يؤدي إلى سباق نفوذ قد يكون السودان مسرحًا رئيسيًا له.”

قصة القاعدة

في 2017 لم تتحمس موسكو لطلب الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير (1989 – 2019)، إنشاء قاعدة عسكرية روسية في بلاده، في ظل توترات بين الخرطوم وواشنطن.

لكن في مايو/ أيار 2019 كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ.

وصادق بوتين، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان.

لكن بعد ثلاثة أيام، قال رئيس الأركان السوداني حينها محمد عثمان الحسين: “حتى الآن ليس لدينا الاتفاقية الكاملة مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لكن التعاون العسكري بيننا ممتد”.

و9 ديسمبر/ كانون الأول 2020، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص الاتفاقية بين موسكو والخرطوم حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، حسب مقدمة الاتفاقية.

رفض ومخاوف

لم يحظ الإعلان مؤخرا عن التوصل إلى تفاهم بشأن الاتفاقية بردود فعل كثيفة كما في السابق من القوى السياسية السودانية، والتي يظل معظمها رافضا لإنشاء القاعدة.

إلا أن الحزب الشيوعي المعارض أعلن، في بيان الجمعة، رفضه للاتفاقية، قائلا إن إبرامها في ظل الانقسام السياسي والصراع العسكري بالسودان، ومن جانب سلطة غير منتخبة، يفتقر إلى أي شرعية قانونية أو شعبية.

وأردف أن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية على الأراضي السودانية يُعد انتهاكا صارخا للسيادة الوطنية، ويفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية التي تهدد وحدة السودان وتجره إلى صراعات دولية لا مصلحة له فيها.

كما علق رئيس الحركة الشعبية- التيار الثوري ياسر عرمان بقوله إن “السودان اليوم بحاجة إلى سلام عادل ومشروع وطني جديد، ولا يحتاج لبناء قواعد أجنبيه على أراضيه”.

ولفت عرمان، عبر حسابه على “فيسبوك”، إلى “الحديث المنسوب لوزير الخارجية بشأن الاتفاق على بناء قاعدة روسية على الساحل السوداني”.

واعتبر أنه “إذا كان صحيحا، فذلك يعني مزيدا من الاستقطاب الإقليمي والدولي، في وقت السودان فيه أضعف ما يكون، ويحتاج لحماية سيادته.. ومصلحة السودان الحفاظ على سيادته والابتعاد عن هذه الصراعات”.

رسائل سياسية

المحلل السياسي أمير بابكر قال للأناضول إن حديث وزير الخارجية بشأن القاعدة في حضور لافروف كان معمما، حيث كانت الرسالة هي “حدوث تفاهمات بشأن القاعدة الروسية”.

وأضاف: “من الواضح أن القاعدة الروسية ليست أولوية للخرطوم أو موسكو حاليا، باعتبار أن الأوضاع في السودان غير مستقرة، والحرب لا زالت في أشدها”.

وتابع: “بالنظر إلى مجريات الأحداث على المستوى المحلي والإقليمي والدولي فإن الحديث عن القاعدة الروسية في هذا التوقيت ربما بمثابة رسائل سياسية من الحكومة السودانية للأطراف الدولية”، دون إيضاحات.

تكتيك سوداني

أما المحلل السياسي محمد سعيد فقال للأناضول إن “موضوع القاعدة الروسية مطروح باستمرار، لأن مركز القرار في الحكومة السودانية ليس واحدا”.

وأردف أن “الحكومة أو الجيش السوداني ليسوا مضطرين حاليا إلى إثارة توتر جديد في المنطق،ة خاصة مع الدول المشاطئة على البحر الأحمر”.

وفي يناير/ كانون الثاني 2020، اجتماع ممثلون من مصر والسعودية واليمن والأردن والسودان والصومال وجيبوتي وإريتريا في الرياض، ودشنوا مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، بهدف حماية أمن البحر الأحمر.

وأعرب سعيد عن اعتقاده بأنه “من الصعب تنفيذ اتفاقية القاعدة الروسية، أما تصريحات وزير الخارجية السوداني فتكتيك من الحكومة السودانية لكسب الوقت ومعرفة ما سيفعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه المنطقة”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى