
استوقفتني عبارة ” الخرطوم حرَّةً ” الَّتي أدلى بها الفريق البرهان على بعض الزُّملاء قبيل دخوله القصر الجمهوريِّ بمقرن النِّيلين. . . ثمَّ انطلقت ذكرياتي قبل دموعي إلى ماضي سحيق وأمس قريب وبين ” الإثنين ” انهارا من الدِّماء والدُّموع والفجيعة ومواقف تحتاج أنَّ نتمعنها قبل أن نطوي صحائفها السَّوداء.
نعم علينا أن نتوقَّف كثيرًا ونبحث ونخضع الأمر إلى مراجعات عميقة تتجاوز العاطفة وكما يقول الإمام الشَّافعي عليه رحمة اللَّه (وعيَّن الرِّضا عن كلِّ عيب كليلة
ولكن عيَّن السُّخط تبدي المساويا) لقد تهاونًا جميعًا وتغاضينا الطَّرف عن أمور كثيرة وهل أدلّ على ذلك إلَّا من خلال السَّماح للأشرار بسرقة دولتنا في غفلة من الزَّمان وتركنا كل من هبَّ ودبَّ من أقزام الدُّنيا يحشرون أنوفهم في شؤوننا ويلوكون سيرتنا باللَّيل والنَّهار ويعرضون مآسينا ويقتاتون على أخبارنا.
سيِّدي الرَّئيس البرهان وقرَّائي الاكارم لا يجب أن تنسينا الفرحة بتحرير الخرطوم دموع وفواجع أمَّهاتنا وقهر الرِّجال والشَّباب وقبل ذلك كلُّه اغتصاب حرائرنا والمذابح في اردمتَّا والجنينة وود النَّورة والجزيرة والخرطوم وغيرها من حواضر وقرى السُّودان المختلفة هذا فضلاً عن الإفقار الممنهج للشَّعب السُّودانيِّ، أقول يجب أن نحصد ثمرة هذا النَّصر الكبير من خلال الرُّجوع إلى هذا الشَّعب الَّذي تحمل كلَّ هذا العبء وأنَّ لا نسمح لفئة صغيرة أو قوًى سياسيَّة تتحكَّم في كلِّ شيء وتتسبَّب في كلِّ هذه الفواجع والمواجع وتمطِّي طائرات الإجلاء وتهرُّب تاركة خلَّفها شعبنا لهذا الحريق والموت الزُّؤام، والقرآن الكريم يخاطبنا ويقول:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، ولذلك لا يجب أن نجعل شعبًا حقلاً للتَّجارب بل نردُّ الأمر برمَّته له وأجدني على ثقة أنَّ شعبنا لن يسمح بعد اليوم بعودة هذه التَّجارب البائسة والمريرة.
ما يجب أن يفهمه الجميع أنَّ هذا الانتصار وهذه البسالة من ” الحارث مالنا ودمنا ” جاءت بعد سلسلة من المعارك وقوافل الشُّهداء الكرام ووقفة الشَّعب السُّودانيِّ فالواجب المحافظة على هذا النَّصر وتحصينه من المتربِّصين كافَّةً. واللَّه أكبر ولا نامت أعين الجبناء.