
فى رد على سؤال لأحد الصحفيين الأسبوع الماضى، هدد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بوقف أو تجميد المعونة الأمريكية لمصر. هنا يصبح السؤال هل من الممكن أن تستغنى مصر عن المعونة الأمريكية؟
بداية تجب الإشارة إلى أن المعاملات بين الدول ربما تختلف عن المعاملات بين التجار والشركات. ففى الأخيرة يمكن للتاجر أو الشركة أن يفرض بنجاح عقوبات على غيره لأى سبب من الأسباب، وبالطبع الشركات والتجار عادة ما يتسمون بالضعف مقارنة بالدول، خاصة الدول الكبيرة ذات الثقل المادى والمعنوى، لذلك فما هو ممكن هناك غير ممكن هنا. والناظر إلى التجارب الدولية التى فرضت فيها عقوبات على الدول، يلاحظ أنها عادة لم تغير مواقف أو تلين أو تتبع سياسات معاكسة، فجنوب إفريقيا عاشت لعقود بعقوبات دولية بسبب الفصل العنصرى، وكوريا الشمالية وكوبا مازالتا تفرض عليهما عقوبات من بعض الدول، وروسيا وإيران فرضت عليهما عقوبات مازالت قائمة حتى اليوم، ولم تستفد الجهة فارضة العقوبة أى شىء، سوى خسارتها هى أيضا للعديد من الأمور بسبب الظروف الاقتصادية الدولية المتشابكة، والمصالح السياسية المتبادلة بين الدول.
بالطبع بعض المنح والقروض متعلقة بالتزامات قطعتها الدول المانحة على نفسها، ما يجعل قطعها نوعًا من نقض العهود وخرقًا للمواثيق، ما يجعل الأطراف المخاطبة بالقطع فى حل من أى التزام مقابل. من هنا يأتى تهديد ترامب بقطع المعونات عن مصر ليشكل خرقًا للالتزام الأمريكى فى نهاية عقد السبعينات من العام الماضى عقب توقيع مصر اتفاقيتى كامب ديفيد فى سبتمبر 1978، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى مارس 1979.
وينص الالتزام على دفع 2.150 مليار دولار سنويًا منها 815 مليون دولار مساعدات اقتصادية، أما الكم الآخر فهو مساعدات عسكرية. ما من شك أن كمًا معتبرًا من تلك المساعدات ينفق على اللوجستيات الخاصة بالمانح، أى أنه يعود للمانح مرة أخرى، أما الباقى فيساهم فى دعم التزام القاهرة بالسلام مع إسرائيل. لذلك فإن قطع المساعدات يعنى إضعافًا لتلك الالتزامات، ومن ثم تصعيد المواقف بين البلدين، رغم كون الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت حريصة دومًا على تقوية تلك الروابط. قطع المساعدات لن يضير مصر كثيرًا، فمصر دولة كبيرة تتحمل أى ضغوط. فى العام الماضى أثرت حرب غزة على قناة السويس بنحو 7 مليارات دولار، ومرت الظروف ولم يحدث أى انتكاسة للأوضاع فى مصر.
وبالنسبة لقطع غيار السلاح الأمريكى فى مصر، فإن مصر لم تعد كما فى السابق تعتمد على السلاح الأمريكى وحده، عقب قرار تنويع مصادر السلاح منذ عدة سنوات، بعد أن رفضت الولايات المتحدة تطوير F16 المصرية، ما جعل القاهرة تلجأ منذ سنوات قليلة إلى روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية لدعم جيشها. الولايات المتحدة تخسر الكثير بسبب تحالفها الأعمى مع تل أبيب، والقاهرة لديها بدائل مع أصدقائها العرب، وقبل هذا وذاك لديها قدرة الشعب على تحمل المزيد من الجهد فى سبيل استقلال قراره الوطنى، ورفض التهجير كمبدأ لا يمكن التنازل عنه.