مقالات ورأى

يوسف عبداللطيف يكتب: الحب ليس عيداً بل هو الحياة كلها

يبدأ الكثيرون بالحديث عن الحب وكأنه مجرد شعور عابر أو مناسبة نحتفل بها مرة في السنة، ولكن الحقيقة مختلفة تماماً. يجسد الحب في أعمق معانيه القوة الكامنة التي يمكنها أن تغير العالم.

عندما قالت زليخة لـ سيدنا يوسف علية السلام “كنتُ يوماً ما أنا، واليوم كُلي أنت”، لم تكن تعبّر عن شغف مؤقت أو نزوة، بل كانت تلخص مفهومًا للحب يتجاوز الأنا ويتحد في الآخر.

هذا هو الحب الذي نفتقده في حياتنا اليوم. نرفض فكرة أن يكون للحب يوم محدد للاحتفاء به، فالحب يجب أن يكون جزءًا من كل لحظة نعيشها.

لا نحتاج إلى أعياد مصطنعة تمنحنا الترخيص لإظهار مشاعرنا، بل نحتاج إلى أن نعيد الحب إلى مكانه الصحيح في قلوبنا وعلاقاتنا اليومية.

يفسد عالمنا حين تصبح علاقاتنا الأسرية والاجتماعية مجرد واجب أو مصلحة، وحين تنتهي الابتسامات بمجرّد انتهاء اللقاءات.

نتجاهل أن الحب لا يتعلق فقط بالعلاقات الرومانسية، بل هو القوة التي تجمع العائلات وتربط الأصدقاء وتؤسس للتواصل الإنساني الحقيقي.

نفشل في فهم أن الحب في الله، الذي يفترض أن يكون أساس العلاقات النقية، أصبح معدومًا في حياتنا المعاصرة.

نعيش في عالم تتلاشى فيه الصلات الإنسانية لتُستبدل بالمصالح الشخصية، في وقت نحن بأمس الحاجة إلى التصافي والتسامح. نتحدث عن الرحمة وكأنها مجرد شعور نبيل، لكنها في الحقيقة أساس كل علاقة صحية.

نحتاج إلى أن نتحرر من الأنانية ونعيد للقلوب ما فقدته من صدق وعاطفة. فالحب ليس احتفالًا سنويًا ولا مناسبة تجارية، بل هو تفاعل يومي، يمتد من الأسرة إلى المجتمع كله.

نرى بوضوح أن العلاقات اليوم باتت خالية من روح المودة، وأننا بحاجة إلى إحياء الحب الحقيقي الذي يبني جسور التواصل بين البشر.

نفشل أحياناً في إدراك أن حياتنا قصيرة وأن أجسادنا سترحل يومًا ما، ولكن ما سيبقى هو الأثر الطيب ورائحة الذكرى.

نحتاج إلى إعادة النظر في أنفسنا وفي علاقاتنا، لأن الحب الصادق هو الذي يبقى بعد أن تذبل الزهور وتختفي الاحتفالات.

ندرك جميعًا أن الحب لا يُقاس بالكلمات أو بالهدايا، بل بالصبر والتسامح، وبالأفعال الصغيرة التي تُظهر الاهتمام الحقيقي.

نرفع شعارات الحب كل عام ونحتفل بما يُسمى “عيد الحب”، لكن هل نسأل أنفسنا حقًا: أين هو الحب في حياتنا؟ لماذا نحتاج إلى مناسبة للتعبير عن مشاعرنا؟

لماذا نعجز عن بناء علاقات تقوم على الصدق والثقة دون انتظار مناسبة محددة؟ لماذا نعيش في عالم أصبحت فيه الابتسامة مجرد واجب اجتماعي، والمحبة الحقيقية نادرة مثل الأحجار الكريمة؟

ندعو الناس إلى التصافي والتسامح، ولكن من أين يبدأ هذا التصافي؟ يبدأ من فهم عميق للحب، ليس كعاطفة عابرة أو احتفال، بل كقيمة تترسخ في كل تصرف.

نحتاج إلى أن نُعيد للقلوب نقاءها، ونتوقف عن العيش في ظل الضغائن والمصالح الضيقة. الحب هو الشعور الأسمى الذي يجمع بين البشر، لكننا نغفل عن أنه يبدأ من داخلنا، من استعدادنا للعطاء والتسامح بلا شروط.

نشهد اليوم تحولًا في مفهوم العلاقات، فالعلاقات الأسرية والاجتماعية باتت محكومة بالمصلحة أكثر من المودة. نحتاج إلى وقفة مع أنفسنا لنتساءل: هل هذه هي الحياة التي نريدها؟

هل نرغب حقًا في أن تكون علاقاتنا مجرد وسائل لتحقيق أهداف مؤقتة؟ لماذا نختزل الحب في لحظات عابرة واحتفالات زائفة؟ هل نحن حقًا بحاجة إلى عيد حب أم إلى حب حقيقي يعيش فينا كل يوم؟

نتحدى فكرة أن الحب يجب أن يكون مخصصًا ليوم معين في السنة. نؤمن بأن الحب يجب أن يكون حيًا في كل لحظة، في كل ابتسامة، في كل كلمة نقولها لأحبائنا.

الحب الحقيقي لا يعرف مواسم ولا مواعيد، بل يعيش في الصدق والصبر والعطاء. نحتاج إلى أن نكون أكثر صدقًا مع أنفسنا ومع من حولنا، أن نعيد تعريف الحب في حياتنا ليكون قوة تجمع بيننا، لا مجرد مناسبة ننتظرها.

نختم بالقول إن الحب، كما عبّرت عنه زليخة، هو الاتحاد الكامل بين الأنا والآخر. الحب هو العطاء بلا مقابل، والتضحية بلا تردد. الحب هو القوة التي تبني المجتمعات وتعيد لها إنسانيتها.

نحن لا نحتاج إلى عيد للحب، بل نحتاج إلى أن نعيش الحب بكل تفاصيل حياتنا. إن كنا نسعى للسلام الداخلي وللعلاقات الحقيقية، فعلينا أن نكون صادقين بمشاعرنا وأن نحب بصدق، لأن الصدق هو الطريق الوحيد للفلاح.

المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى