مقالات ورأى

عمر الفطايري يكتب: ليلى سويف.. أمٌّ تقف حيث يتراجع الجميع

الدكتورة ليلى سويف ليست مجرد اسم، وليست مجرد أستاذة جامعية أو ناشطة سياسية.

هي الأم الشجاعة التي احتضنت نضالات الطلبة، العمال، المهندسين، الصيادلة، وكل من آمن بأن هذا الوطن يستحق الحرية.

هي المرأة التي لم تتخلَّ عن الميدان يومًا، حتى عندما بدا وكأن الجميع قد انسحبوا.

أول لقاء مع الثورة

أتذكر حينما جئت إلى القاهرة، لم أكن أعرف من هو علاء عبد الفتاح، ولم أكن قد سمعت عن أحمد سيف الإسلام.

لكنني تعرفت إليهما سريعًا، ووجدت نفسي أمام قامات نادرة: رجل يتحدث كأبٍ ومعلم، ينتقي كلماته ليهدم أسوار الخوف ويفتح العقول على مفاهيم كانت بعيدة.

في مركز هشام مبارك للقانون، شاهدت أحمد سيف ورفيقة دربه ليلى سويف، يدافعان عن المعتقلين والمعتقلات، يشرحان للناس حقوقهم، ويؤسسان لجيل لا يخشى أن يطالب بحريته.

في شوارع القاهرة العتيقة، كنت أرى ليلى سويف في الصفوف الأولى، من أوائل المدافعين عن المتظاهرين في وجه السلطة المستبدة.

شامخة في ميدان طلعت حرب، صامدة في ميدان التحرير، كانت دومًا حائط الصد الأول وناصحة أمينة لكل من خرج ليطالب بحقوقه.

الفرح المسروق

كنت هناك يوم 23 مارس 2014، حين خرج علاء عبد الفتاح من السجن، ورأيت في عيني ليلى سويف دموع الفرح التي لم تكن تخصه وحده.

كانت فرحة أمٍّ بابنها المظلوم، لكنها كانت أيضًا الفرحة ذاتها التي رأيتها في عينيها في لحظات أخرى، عندما تحرر معتقلون لم تلدهم، لكنها احتضنت معاناتهم كأنهم أبناؤها.

137 يومًا من الإضراب.. ونظام بلا قلب

اليوم، ليلى سويف في يومها الـ137 من الإضراب عن الطعام. امرأة على مشارف السبعين، أفنت أكثر من نصف عمرها بين سجون الأنظمة العسكرية المتعاقبة في مصر—بداية من زوجها الراحل، ثم ابنها، ثم ابنتها.

ما تطالب به هذه العائلة ليس مستحيلاً.

لا تطلب معروفًا، لا تبحث عن العفو، بل تطالب بأبسط الحقوق: حرية علاء، التي لا ينبغي أن تكون محل تفاوض.

هذه الأسرة تحتاج من كل الطلاب والعمال والنقابيين الدعم والتضامن. تحتاج من هذا النظام شيئًا واحدًا فقط: أن يعيد إليها ابنها. ابنها، ابنها، ابنها.

إلى الديكتاتور: الأمهات لا يُهزمن

التاريخ لا ينسى، والديكتاتوريون الذين ظنوا أن بإمكانهم إسكات الأمهات، كانوا هم أول من أسقطتهم تلك الأمهات.

  • في الأرجنتين، حاول المجلس العسكري طمس الحقيقة، لكن “أمهات ميدان مايو” ظللن يسِرن في حلقات لا تنكسر، حتى تحققت العدالة، وسقط الجنرالات إلى الأبد.
  • في المغرب، ظن الحسن الثاني أن سنوات الرصاص ستُدفن دون أثر، لكن أمهات المختفين فرضن الحقيقة، وفتحن الملفات التي أراد النظام طمسها.
  • في تشيلي، اعتقد بينوشيه أن قبضته الحديدية ستدوم، لكنه لم يستطع الصمود أمام الأمهات اللاتي كشفن جرائمه حتى بعد عقود من سقوطه.
  • في الجزائر، وقفت أمهات المختفين في الساحات رغم التهديدات، واستطعن إجبار النظام على الاعتراف بفظائعه.

والآن، في مصر، هل يظن النظام أن الأمهات سيصمتن؟ هل يعتقد أن الزمن سيمحو وجع الأمهات اللاتي خطف أبناءهن من بين أيديهن؟ التاريخ لا يرحم، والأم التي تصبر اليوم، ستكتب سقوط الظالم غدًا.

تذكروا أن من لا يسمع صوت الأمهات لا يمكنه أن يحكم إلى الأبد. تذكروا العقل والرحمة، قبل أن يفوت الأوان.

كلماتي لكِ لا تساوي شيئًا أمام ما تقدمينه، د.ليلى سويف.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى