مقالات ورأى

 د. عدنان منصور يكتب : يا حكام العرب: الأرض تهتز تحت أقدامكم!

في أخطر مرحلة من مراحل تاريخه الحديث، يشهد العالم العربي لا سيما منه منطقتنا المشرقية هجمة شرسة يقودها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، تحمل في طياتها مشروع هيمنة وتسلط يطال بالصميم وجودها، وأرضها، وسيادتها، وأمنها القومي، ووحدة شعوبها.


إننا اليوم امام وعد هو أسوأ من وعد بلفور، يبشر به الرئيس الأميركي ترامب ويتجاوزه بكثير،حيث ينتهك الرئيس الأميركي بشكل فاضح وسافر القوانين الدولية،
والأعراف، والأصول، والاتفاقيات، والمعاهدات، غير عابئ بالدول، ولا بحرية الشعوب وحقوقها المشروعة، وتقرير مصيرها.
رئيس لم تشهد مثله الولايات المتحدة منذ تأسيسها، في عنجهيته، واستبداده وتوجهاته، وسياساته المدمّرة تجاه دول العالم وشعوبه.


ترامب يريد الحفاظ على قوة ونفوذ الولايات المتحدة ومصالحها الاقتصادية والمالية والعسكرية والاستراتيجية في العالم وبالذات في غربي آسيا. هو يعرف أنّ اسلافه وقفوا على الدوام الى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ فرضها على أرض فلسطين عام 1948، يقدّمون لها كلّ وسائل التأييد السياسي والدبلوماسي، والإعلامي، وكامل الدعم العسكري واللوجستي والمالي، على حساب الشعب الفلسطيني الذي اقتُلع وهُجّر بالقوة من أرضه. إلا أنّ ترامب تجاوز هؤلاء جميعاً باستخفاف ما بعده استخفاف، متحدياً العالم، والأمم المتحدة ومجلس أمنها، والمنظمات الأممية الأخرى، كمحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، التي من سخريات القدر، والانحطاط السياسي، والأخلاقي، والإنساني، يريد ترامب فرض عقوباته عليها.


لم يكتف العنجهي المستبدّ، بتجاهل الجرائم ضدّ الإنسانية، ولم يشف غليله التطهير العرقي وحرب الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج المرتكب بحق الفلسطينيين واللبنانيين، بل يريد أيضاً اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم وأرضهم من قطاع غزة رغماً عنهم، وترحيلهم الى بلدان عربية كالأردن ومصر والسعودية وغيرها.
هذا المشروع الصهيوني الذي يزمع ترامب تنفيذه على الأرض، لن يمسّ فقط وجود ومستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته، بل يشكل تهديداً مباشراً لدول المنطقة وحق شعوبها في وجودها وسيادتها ووحدة أرضها.


قرار ترامب ليس إلا الأداة التنفيذية لمشروع التهجير والترحيل الصهيوني المرتكز إلى مفاهيم يهودية ونصوص نوراتية وتلمودية، أصبحت سلوكاً متواصلاً ضدّ الإنسانية، وعقيدة راسخة، اختزنها قادة وزعماء الكيان «الإسرائيلي» في نفوسهم، ليطبقوها على الأرض.


التهجير والترحيل ليسا إلا مقدمة لخطط ومشاريع خطيرة لاحقة، مرسومة مسبقاً تستهدف دولاً عربية أخرى وضربها في الصميم. ألم يقل وزير المالية العنصري المتطرف سموتريتش إنّ على «دولة إسرائيل» أن تضمّ لبنان والأردن، وأجزاء من سورية والعراق ومصر والسعودية؟!


لا يظننّ أحد انّ المشروع الإسرائيلي – الأميركي يقتصر فقط على قطاع غزة أو الضفة الغربية لفلسطين، لأنّ مشروع التوسع والاحتلال لن يتوقف ولن يخمد إلى أن يحين الوقت ليطبّق على الارض، ويزلزل دولاً عربية، ويقوّض أركانها ووحدتها، ويتحكّم بمصيرها، فيما «إسرائيل» برؤساء وزرائها ترفض بالمطلق وتضرب على الدوام بعرض الحائط، المبادرة العربية للسلام التي طرحتها السعودية في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، حيث ترى تل أبيب انّ السلام يتعارض مع مبدأ التوسع والاستمرار في مصادرة الأراضي العربية والاستيلاء عليها، التي تعتبرها «إسرائيل حقاً توراتياً» لا رجوع عنه، ويجب تنفيذه دون قيد أو شرط.


إنّ ثبات موقف مصر والسعودية والأردن، وإصرارهم على رفض ترحيل الفلسطينيين من أرضهم، وتهجيرهم اليها، لهو موقف شجاع يحصّن القرار العربي، ويرفض سياسات التهجير والأمر الواقع التي يريد المقاول الأميركي المستبد في البيت الأبيض أن يفرضها على الفلسطينيين وبعض الدول العربية.
إنّ تمسك الدول الثلاث بموقفها الصريح والحازم، سيجهض ولا شك سياسات ترامب ونتنياهو في هذا الشأن، مهما كانت الضغوط والابتزاز والتهديدات التي قد تلوّح بها واشنطن.


التزام الدول الثلاث بموقفهم الرافض للتهجير والترحيل، سيجعل العالم العربي برمته يقف بكلّ قوة الى جانبهم. لكن أهمّ ما يحتاجه العالم العربي في هذا الظرف الحساس، هو وحدة العمل المشترك على مساحته الجغرافية، حيال قرار النكبة الذي يلوّح به الرئيس ترامب، والذي يرمي ليس فقط الى القضاء الكامل على القضية الفلسطينية وحقوق شعب فلسطين، وإنما سيضع على المدى القريب والمتوسط دولاً عربية على مشرحة القضم والضمّ والتقسيم، وتقويض أنظمتها، وخلخلة وحدتها، من خلال إنتاج خريطة جديدة ترسم معالم تفكيك دولنا وتقزيمها لتكون أداة طيعة في يد واشنطن وتل أبيب.
لا تتوقف أطماع «إسرائيل» على فلسطين والقدس بالذات، وإنما تتعداها لتشمل مكة.

ألم تجاهر غولدا مائير رئيسة وزراء «إسرائيل» بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 بقولها؛ «إني أشمّ رائحة بلادي في الحجاز، وهي وطني الذي عليّ أن أعيده»!؟
لا مجال بعد اليوم للسكوت، والخنوع، والخضوع، والذلّ، أو القبول باملاءات قوى ا

لتسلط والهيمنة على دولنا.
إنه وقت إثبات الذات، والدفاع عن الأرض والسيادة والكرامة العربية.
إنه وقت المواقف الصلبة المشرفة التي يجب أن تليق بقادة العرب وشعوبهم. لذلك لسنا بحاجة ونحن نواجه مشروع التفريغ والترحيل الى البيانات، والشعارات، والتصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا داعي بعد اليوم للتحذير، والتنبيه، والاستنكار، والإدانة، والشجب، والإعراب عن القلق، والخوف، والهواجس التي لا تكفي وحدها لردع العدو ورعاته، وقوى التسلط والعدوان.


ما ينفع، هو قرار عربي موحد جامع ينفذ على الأرض، يرفض في الشكل والأساس مشروع الترحيل، ويواجهه بكلّ الإمكانات العربية. هذا الرفض القاطع عبّرت عنه بكلّ وضوح، الرياض والقاهرة وعمّان.


إنها النكبة الكبرى، التي يروّج لها ويبيّتها لنا قرصان وجزار، فإنْ لم نتداركها وندفنها في مهدها اليوم قبل الغد، فإنّ طوفان النكبة سيغرقنا جميعاً.
إنّ إسقاط مشروع الترحيل يتمّ على يد السعودية ومصر قبل غيرهما، نظراً للمكانة، والقدرة، والدور والتأثير، والأهمية، والموقع، ورصيدهما الكبير في العالمين العربي والإسلامي. لذلك تعلق الشعوب العربية الآمال الكبيرة على الرياض والقاهرة، لا سيما في مؤتمر القمة العربية المقبل.
بهما ومعهما يسقط مشروع الترحيل، ويسقط معه المخطط المرسوم الذي يستهدف في العمق سيادة البلدين واستقرارهما، ووحدة أراضيهما، وأمنهما القومي.


إنّ مشروع ترامب ونتنياهو يقع بين سندان القاهرة ومطرقة الرياض، لذا حان الوقت لاستخدام المطرقة قبل فوات الأوان، عندها سيسجل التاريخ العربي لكلّ من القاهرة والرياض موقفهما العالي المشرّف الذي يرتقي الى مستوى المسؤولية الوطنية والقومية، وأيّ تراجع عن هذا الموقف من قريب أو بعيد، سيكون وبالاً وكارثة على دولنا وشعوبنا! هل من ثبات عربي على الموقف للوقوف في وجه مشروع النكبة الكبرى الذي يلوّح به راعي التهجير والترحيل في واشنطن، ومجرم الحرب والتطهير العرقي في تل أبيب؟!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى